رئيسية

مرور أربعه أعوام على رحيل الشاعر حسين بن عيدروس عيديد

في الثاني عشر من مارس الماضي مرت علينا الذكرى الرابعة لرحيل رجل من رجالات ‏العلم والعلماء على صعيد اليمن عامة وحضرموت خاصة انه السيد الفاضل المتواضع ‏المشارك في العلوم الشاعر البليغ والناثر المبدع الخطيب المصقع الحبيب الحسين بن ‏عيدروس بن أحمد بن سالم عيديد الذي وافته المنية يوم الخميس الموافق 12 مارس من عام ‏‏2009م عن عمر ناهز( 83 ) عاما اثر مرض عضال الم به.‏

ميلاده ونشأته
كان ميلاده بمسقط رأسه ، عيديد بمدينة تريم وذلك يوم الاثنين الثالث عشر من شهر ربيع ‏الأول سنة 1345ه الموافق 20/9/1926م من أبوين كريمين تربى ونشأ في أحضان العلم في ‏ذلك الوادي المنير المبارك عيديد الذي يعتبر مصيف تريم يقصده العلماء الأفاضل من ‏المقيمين والمهاجرين وتعقد فيه المجالس العلمية حيث الحدائق الغناء ورياضه الفيحاء وتقام ‏فيه الحفلات الدينية والأدبية حيث المناظر الخلابة والطبيعية الجذابة وتطيب الأسمار وتغريد ‏الأطيار وتبسم الأزهار وتحلو الأثمار.‏

تربى تحت رعاية والديه وبجوار الحبيب الوجيه محمد بن حسن مولى عيديد كانت له عناية ‏خاصة من جده لأمه السيد العلامة المتفنن علوي بن أبي بكر خرد باعلوي قرأ القران وختمه ‏في أحد كتاتيب تريم (معلامة بارشيد) كعادة أهله وأسلافه كما حظي بالعناية من مدرسي ‏مدرسة الكاف بعيديد التي أسسها المفلح الوجيه السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف واختار ‏لإدارتها ذلك الرجل الشديد اللاجئ السياسي(حسن بيك شيبه) من أهل مكة المكرمة وكانت ‏مدرسة نموذجية.‏

تحصيله العلمي
مر المترجم له بمراحل التعليم كغيره تسع آنذاك وفي حوالي عام 1940م ضم في سلك طلبة ‏مدرسة جمعية الأخوة والمعاونة مع إخوانه وأبناء عمومته وكانت مدرسة جمعية الأخوة ‏والمعاونة حينها في عنفوان شبابها وفي أوج نشاطها ، اختير للتدريس بها رجالات البلد ‏المبرزين وعلمائها المتميزين من أمثال رئيس الجمعية الدائم الأستاذ محمد بن أحمد الشاطري ‏والسيد عيديد محمد بن سالم السري والسيد علي بن شيخ بلفقيه والسيد علوي بن زين بلفقيه ‏والسيد محمد بن عبدالله بن حسين العيدروس والسيد سالم بن علوي خرد والسيد محمد بن سالم بن ‏حفيظ والشيخ توفيق فرج أمان والشيخ مبارك عمير باحريش والسيد عبدا لله بن علي بن الشيخ ‏أبي بكر بن سالم والسيد أحمد بن زين بلفقيه والسيد محمد بن علي بلفقيه وغيرهم وتعتبر جمعية ‏الأخوة ومؤسساتها العلمية حينها مركز إشعاع ومشعل نور في هذه البقعة النائية من العالم ‏وتدرج المترجم له في صفوفها حتى نهايتها كما أنه لم يفته قسطه من التبرك والأخذ من مشايخ ‏المؤسسة العلمية العريقة المعهد الديني رباط تريم فقد انضم في سلك حلقاته في الصباح ‏والعصر وأوقات الإجازات وذلك في عهد إدارة شيخه العلامة الحبيب عبدا لله بن عمر ‏الشاطري فدرس فيه بعض مختصرات الفقه الشافعي ومن مشايخه في الرباط عمر بصفر من ‏أهالي دوعن.‏

حياته العلمية وقيامه بمهام التدريس
عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية أوصدت أبواب المدارس والمعاهد عندنا في أوجه ‏طلابها وضاقت أسباب العيش ذهب الشباب المهجر يبحثون عن لقمة العيش فالكثير فيهم ‏هاجر إلى شرق إفريقيا كينيا وبوغندا وتنزانيا والحبشة وصوماليا ومنهم اخوا المترجم له ‏وعمه وبعضهم تفرق على سواحل البحر العربي في أمارات الجنوب آنذاك ريثما تخف ‏الوطأة وكان نصيب المترجم له لم يذهب به بعيدا بل اختير ليكون مدرسا في بلدة قسم فارتضى ‏بها قسما فمكث بقسم مدة خمس سنوات تقريبا من عام 1945م إلى عام 1949م وهو في ‏مقتبل حياته العلمية دونما خبرة بشون الحياة كلها فما بالك بحياة التدريس والتعليم ومن حسن ‏الحظ أن استقدم الحبيب عبدالقادر بن احمد السقاف ليكون مديرا للمدرسة فعاش المترجم له ‏بجانبه جنبا إلى جنب واستفاد من علمه وثقافته وتجاربه حتى في شؤون الحياة لأنه سكن معه ‏في منزل واحد وعزبة واحده كما استفاد من استقدام الشيخ العلامة محمد احمد زاكن باحنان بعد ‏ذهاب الحبيب عبدالقادر وكذا الحال احتكاكه بالسيد والعلامة عالم قسم وفقيهها الحبيب علوي ‏بن احمد عقيل مطهر باعلوي وغيرهم من العلويين وغيرهم.‏

وفي نهاية عام 1949م قدم استقالته للمسئولين مع ممانعتهم منها لرغبتهم معتذرا بعزمه ‏على الحج والعمرة والزيارة ، إلا أن أستاذه القدير ناظر المعارف في السلطنة الكثيرية علي بن ‏شيخ بلفقيه أقنعه بالعمل عنده في المدرسة النموذجية بسيؤن فوافق واستمر معه سنتين ‏‏13/1/1950م إلى 31/12/1952م وبإلحاح شديد من أهل قسم وتوسط بعض الشخصيات ‏التي لا ترد وساطتها عاد ثانية إلى قسم ليقوم بإدارة مدرستها الحديثة حسب الشروط التي ‏املأها عليهم لمدة ثلاث سنوات من عام 1952م إلى 1955م..‏

‏ وعندما عاوده داعي الحج والعمرة والزيارة للحبيب الأعظم ‏r‏ وبقية المشاعر جدد تأشيرة ‏الجواز فرحل في رحلة متعبة بطريق البر الجوف ثم نجران في قافلة سيارات في أيام صيف ‏فيها كثير من المتعب والأخطار وعلى كل حال وصل إلى الحرمين الشريفين بحمد الله بخير ‏وأدى المناسك والزيارة ثم استقر به المقام بجده من عام 1956م إلى عام 1962م واشتغل طيلة ‏هذه المدة محاسبا في مؤسسة المشاريع التجارية الأهلية حينما كان مديرها السيد عبدا لله بن ‏مصطفى العيدروس غير انه اشتاق الجو الذي يعشقه ألا هو جو العلم والتعليم فعمل مدرسا في ‏المساء بالإضافة إلى عمله الرسمي في مدرسة الإصلاح بجدة في حي العيدروس بجوار سوق ‏العلوي وقضى ثماني سنوات في الحرمين الشريفين بحج كل عام وتعرف بكثير من أهلها ‏والمقيمين هناك وبعد مضي هذه المدة في الاغتراب اشتاق إلى أرض الوطن ومسقط الرأس ‏والوالدين والأولاد والأهل والأقارب واستقال من العمل وحجز تذكرة له في الباخرة الضخمة ‏‏(المحمدي) باخرة حجاج هندية وأبحر فيها إلى عدن صباح يوم الخميس الموافق 26/ سبتمبر/ ‏‏1962م رست به الباخرة في ميناء عدن البحري وأقام بها عدة أيام بمعرفة الشيخ الفاضل سالم ‏بن عبدا لله الخطيب المقيم بعدن حجز له في الطائرة إلى مطار الغرف بحضرموت واستقبله ‏بعض الأهل بالمطار ووجد والده في الانتظار .‏

ثم فكر في العمل ليستقر بها ولم يكن ثمة مجال لمثله إلا وزارة المعارف والتربية والتعليم ‏وفعلا عين مدرسا في معارف الدولة القعيطية حسب برقيتهم له المحرره 18/3/1964م ‏وبموجبها تحرك إلى مقر عمله بدوعن في المدرسة الوسطى وأقام بها سنتين بعدها نقل إلى ‏قسم عام 1966م /1967م ثم نقل إلى وسطى الشحر عام الاستقلال 1967/1968م وانتقل إلى ‏مدرسة تاربة 1968/1969موفي أماكن كثيرة ومختلفة في حضرموت،و أخيراً إلى ثانوية ‏تريم 1979 إلى 1989م لمدة عشر سنوات بها وفي هذا العام أحيل للمعاش وتقاعد عن العمل ‏وأقيم له حفل تكريم متواضع أنشأ ونشر قصيدته بهذه المناسبة ساخراً بهذا التقليد إليك طرفا ‏منها:‏

‏ قالوا نكرم كل شخص مخلص .. متقاعد يا حبذا التكريم
‏ قالوا نكرمه بحفل ساعة .. عجبا فهل هذا هو التكريم؟
‏ استنزفوا دمه زهاء شبابه .. قالوا لهذا يمنح التكريم
‏ هل هكذا الدنيا ترى تكرعها .. في بعض يوم ينتهي التكريم؟
‏ أم أن تكريم الرجال يدوم .. طول حياتهم انعم بذا تكريم

وفي هذا العام قام برحلته الثانية إلى الحرمين الشريفين وقد افرد لها كتيبا خاصا ففي صباح ‏يوم السبت تحرك بالطائرة بتاريخ 23/11/1410ه الموافق 16/6/1990م ومكث هناك إلى ‏تاريخ 7/ربيع ثاني/1411ه الموافق 25/أكتوبر/1990م أي مدة 132 يوما وبعد عودته قام ‏بالتدريس في بعض المساجد مدة خمس سنوات مهتما بكتب التفسير خاصة واللغة فقراء تفسير ‏القرطبي مع بعض تلاميذه بمسجد حسين مولى خيلة في مدة خمس سنوات وأسس جمعة في ‏مسجد جده محمد بن علي مولى عيديد وتولى الخطبة هو بنفسه ابتداء من شهر رمضان عام ‏‏1411ه .‏

ولما فتحت جامعة الاحقاف كلية الشريعة بتريم عين المترجم له مدرسا رسميا فيها حسب ‏العقد المحرر 6/4/1416ه الموافق 1/9/1995م وهو لا يزال يقوم بالتدريس في الكلية ‏المذكورة حتى كتابة هذه السطور بتاريخ يوم الأحد 26/جمادى الآخرة/ 1424ه الموافق 24/ ‏أغسطس/ 2003م حفظه الله تع إلى ومتع به وأمد في عمره في عافية آمين وصلى اله على ‏سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم أجمعين.‏

مجموعة مؤلفات
‏ خطب منبرية: تناول فيها المناسبات الدينية والاجتماعية ( تحت الطبع).‏
‏ رسالة المدخل في علوم البلاغة المعاني والبيان والبديع لطلبة كلية الشريعة.‏
‏ كتاب مختصر في الصرف والنحو يثبت أنهما توءمان لا ينفصم أحدهما عن الآخر.‏
‏ الرحلات الثلاث إلى الحرمين ( مخطوط) .‏
‏ ديوان شعر ( مطبوع) .‏

‏ الأرض وضعها للأنام : كتاب اهتم فيه بالآيات القرآنية التي تبحث وتهتم بزراعة الأرض ‏‏(تحت الطبع) يشتمل على ستة وثلاثين نصاً قرآنيا.‏
وفاته عليه رحمة الله

انتقل إلى رحمة ربه تع إلى بعد عمر مملوء بالعلم والتعليم والنفع للمسلمين يوم الخميس 15 ‏ربيع الأول 1430 ه الموافق 12 مارس 2009م وشيع جثمانه الشريف من بيته في خيلة إلى ‏جبانة تريم حيث تمت الصلاة عليه رحمه الله بحضور عدد من المسؤلين في قيادة السلطة ‏المحلية والشخصيات الاجتماعية والعلماء وجمع غفير من المواطنين ومحبي الفقيد.‏

في الختام يتعين علينا أن نشير إلى أن كلية الشريعة بمدينة تريم في محافظة حضرموت قد ‏نظمت مشكوره في أروقه الكلية موخرا بعض المناشط الثقافية تزامنا مع أربعينية الفقيد ‏الحسين بن عيدروس بن أحمد بن سالم عيديد ومنها الاحتفالية الكبيرة التي ألقيت فيها العديد ‏من الكلمات والمراثي من عدد من زملائه و تلامذته ومحبيه ، وهذه قصيدة مرثاة بعنوان ‏‏(معلم الجيل ) كتبها تلميذه الشاعر الغنائي جيلاني علوي الكاف وجاء فيها :‏

‏ شيخي وأستاذي بماذا اليوم أرثيه .. مهما كتبت أبيات لا أقدر أجازيه
‏ الله يغفر له ورحمة دوب تغشيه .. ويسكنه الجنة مع خير المحبين
‏ يا رب دعوناك اقبل الدعوات آمين

عيديد نِعْمَ المقتدى شيخي وأستاذي .. فكيف لا أثني على من قام بانقاذي ‏
هو قدوتي ومرجعي في العلم وملاذي .. وفي الأدب معيان من أصفى المعايين
يا رب دعوناك اقبل الدعوات آمين

‏ عيديد متواضع بحق ومعلّم الجيل .. ومن بحور العلم يغرف دوب ويكيل
‏ بمجالس العلماء يُضي مثل القناديل .. شاعر وعالم قد طرق كلّ الميادين ‏
‏ يا رب دعوناك اقبل الدعوات آمين ‏

تريم تشهد له ويشهد وادي الأحقاف .. نهجه طريق الخير والتقوى كما الأسلاف ‏
وفي الجُمَع يخطب خطاب الصدق والإنصاف.. وينصح الأمّة بأمر الشرع والدين ‏

‏ يا رب دعوناك اقبل الدعوات آمين
‏ وختمها يا ربنا تم المقاصيد .. تغفر وترحم شيخنا الأستاذ عيديد ‏
‏ ثمّ الصلاة على النبي طه بتحديد.. وأهل بيته هم وأصحابه الميامين ‏
يا رب دعوناك اقبل الدعوات آمين

زر الذهاب إلى الأعلى