أثار الاعتذار الحكومي في اليمن عن حروب النظام السابق على الجنوب والشمال سخطا سياسيا أكثر مما قدم حلولا لأزمة سياسية مع المحافظات الجنوبية اليمنية التي تطالب بالانفصال عن الشمال إثر ما تصفه بالتهميش السياسي والظلم الاجتماعي.
وأحدث الاعتذار الحكومي الذي أعلنته الحكومة اليمنية قبل ثلاثة أيام ردود أفعال سلبية غير ما كانت تتوقع الحكومة التي أطلقت هذا الاعتذار لتسوية الملعب السياسي للحوار ولتمهيد الانتقال إلى مرحلة ديمقراطية تحت سقف الوحدة اليمنية، في محاولة منها لفتح صفحة جديدة في علاقة السلطة المركزية بالعاصمة صنعاء بمناطق الجنوب التي توحدت مع الشمال في أيار (مايو) 1990.
ورغم ان الاعتراف الحكومي بأخطاء النظام السابق وبالذات ما يتعلق بالحروب في الجنوب والحروب في الشمال (صعدة) يعتبر خطوة كبيرة وبادرة عربية نادرة في نظر العديد من السياسيين والدبلوماسيين، إلا أن العديد من كبار الساسة اليمنيين وبالذات الضالعين منهم في تلك الأخطاء كانت لهم ردود أفعال معاكسة للغايات المرسومة لهذا الاعتذار.
وذكر رئيس الوزراء اليمني الجنوبي الأسبق حيدر ابو بكر العطاس ان اعتذار الحكومة اليمنية لم يكن امرا مفاجئا وقال إن ‘صدور هذا البيان الاستهتاري والابتزازي – عفوا الاعتذاري- بعد طول مخاض كما قصدت به حكومة الوفاق تعريفا بطبيعة المخرجات المكرسة للظلم لما يسمى مؤتمر الحوار الوطني وتمهيدا لها’.
ووصف الاعتذار الحكومي بأنه ‘استهتار مطلق بمشاعر شعب الجنوب قاطبة واستهتار وايذاء مقصود لمشاعر الجنوبيين المشاركين في الحوار’.
واضاف العطاس ان الاعتذار الحكومي للجنوب ‘ضحك أبله على الذقون و ابتزاز مكشوف للمجتمع الاقليمي والدولي لن يمر على من ينشد الأمن والاستقرار والنماء للجنوب والشمال ومحيطهما’.
وفي حين رحبت جماعة الحوثي بالاعتذار الحكومي عن حروب النظام السابق في صعدة بشمال اليمن، انتقد عضو مؤتمر الحوار الوطني عن محافظة صعدة الدكتور عمر مجلي الاعتذار الحكومي لأبناء المحافظات الجنوبية وأبناء محافظة صعدة ووصف الاعتذار ب(غير المنصف وغير العادل).
وقال مجلي في تصريح إعلامي ان ‘الحكومة والدولة مشكّلة من كل فئات الشعب، وبالتالي فالاعتذار سيكون من كل الشعب لأطراف إما دعت للانفصال أو دعت للفتنة، وهذا نوع من الابتزاز السياسي في هذه المرحلة للدولة’.
واضاف ‘من يعتقد أن هذا الاعتذار خطوة إيجابية لمعالجة قضية صعدة فهو واهم، إذ أن المفترض أن يكون الاعتذار منصفا ومن كل الأطراف تعتذر لبعضها البعض وتفتح صفحة جديدة’.
وتساءل مجلي ‘عن أية مرحلة من الحروب في صعدة التي ما زالت متتالية إلى الآن شمل هذا الاعتذار، هل هي لستة حروب أم لـ11 حربا شنها الحوثي بعد ستة حروب دامية’.
واتهم مجلي جماعة الحوثي بشن عدة حروب آخرها حرب الرضمة بإب، وحرب العصيمات بعمران، وحرب دماج بصعدة. وقال ‘إن الخسائر من الحروب التي أشعلها الحوثي بعد الستة الحروب أكثر من الحروب الستة نفسها’.
وطالب مجلي جماعة الحوثي المسلحة أن تعتذر لأبناء محافظة صعدة وأبناء المناطق الشمالية التي اعتدوا عليها اعتذاراً واضحاً وصريحاً، وأن يعترفوا بالخطأ الذي أقدموا عليه.
وأكد عمر أن ‘أبناء صعدة يحتفظون بحقهم فيما ارتكبه الحوثي من جرائم بشعة بحقهم، حيث أراد الحوثي من اعتذار الحكومة تصفية وتنظيف ملفاته السابقة الجنائية’.
وكانت الحكومة اليمنية أعلنت الأربعاء اعتذارها لأبناء المحافظات الجنوبية ومحافظة صعدة في الشمال ومنطقة حرف سفيان بمحافظة عمران، شمال صنعاء، بالاضافة إلى المناطق المتضررة من الحروب الحكومية ضد المواطنين هناك في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
وقدمت الحكومة اليمنية اعتذارها نيابة عن الحكومات السابقة وعن كل الأطراف السياسية التي ساهمت في إشعال حرب صيف 1994 وحروب صعدة الستة منذ 2004 وحتى 2010 أو شاركت فيها.
واعتبرت الحكومة الأسباب التي أدت إلى تلك الحروب والصراعات المسلحة ‘خطأ أخلاقيا وتاريخيا ولا يجوز تكراره’، في تأكيد على الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه النظام السابق في هذا الصدد واتهام صريح له بارتكاب ذلك.
وأثارت هذه الخطوة الحكومية حفيظة أتباع النظام السياسي السابق، وهاجموها بشدة عبر وسائلهم وأسلوبهم الخاص، وقاموا بحملة ضد الحكومة الحالية ونشر غسيلها وبالذات ما يتعلق بما اعتبروه ‘تفريطا بالسيادة الوطنية’ عبر فتح الأجواء اليمنية للطائرات الأمريكية بدون طيار لقتل المواطنين اليمنيين خارج القانون.
ووصل الاختلاف بين النظامين الحالي والسابق حد المواجهة السياسية بين قطبي النظامين، أي بين الرئيس عبدربه منصور هادي وبين الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في الاتهامات المتبادلة بشأن التفريط بالسيادة الوطنية، عبر الطائرات الأمريكية بدون طيار، وهي محاولة لسحب الأضواء عن (الاعتذار الحكومي) عن الحروب السابقة في الجنوب والشمال والتي اعتبرت أخطاء سياسية جسيمة في نظر العديد من القانونيين والسياسيين، في حين اعتبر الاعلان عن الاعتذار الحكومي خطوة جسورة وغير مسبوقة في نظرهم.