ما يجري في اليمن هذه الأيام «مهم جدا» في وقائعه وأبعاده ونتائجه.
اليمن الخارج من ثورة شعبية ضد نظام علي عبدالله صالح ولم يخرج بعد من المرحلة الانتقالية التي تلت سقوط النظام، يواجه تحديات ومخاطر داخلية مع تفجر موجة عنيفة من القتال بين الحوثيين الشيعة من جهة والسلفيين ورجال قبائل مناوئة من جهة أخرى.
وهذه الجولة غير المحسوبة من القتال والتي انتهت إلى توسع رقعة انتشار وسيطرة الحوثيين في شمال اليمن طرحت تساؤلات كثيرة أبرزها:
- ما يتعلق بمصير العملية السياسية التي اندرجت تحت مظلة المبادرة الخليجية وأنتجت حوارا وطنيا ووثيقة ختامية، فهل تغيُّر ميزان القوى على الأرض يعيد خلط الأوراق ويطيح نتائج الحوار ويدخل تعديلا عليها؟ أم ينحصر تأثيره في تعزيز الموقع التفاوضي ل «الحوثيين» وفي رسم حدود مناطقهم ونفوذهم؟
- ما يتعلق بالصلة القائمة بين الأحداث اليمنية والحرب الباردة الدائرة بين إيران والسعودية والتي تتوسع إقليميا وتشمل دولا عدة، فهل أصبح اليمن جزءا من هذا الصراع الإقليمي ومن مسرح أحداث وعمليات يشمل العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن؟
- ما يتعلق بالحوثيين؟ لماذا عادوا إلى القتال وكيف نجحوا في تسلم زمام المبادرة على الأرض والتوسع عسكريا؟ ما صلتهم بإيران وهل يعملون وفق أجندة إيرانية؟ ولماذا ينظر السعوديون بقلق إلى ما يجري في «البلد الجار» الأقرب إليهم والأكثر مدعاة للاهتمام بعد البحرين؟
يشهد اليمن منذ مطلع هذا العام أحداثا وتطورات أمنية وعسكرية مهمة ولافتة في إحداثها تغييرات على الأرض ستكون لها نتائج وعواقب على العملية السياسية وعلى الاستقرار العام.
فجماعة الحوثيين التي تسيطر بصورة كاملة على محافظة صعدة التي كانت المنطلق لنشاطهم السياسي والديني، توسعت في الآونة الأخيرة إلى محافظات: الجوف، حجة وبعض مديريات محافظة صنعاء، إضافة إلى ظهورها البارز في العاصمة صنعاء، حيث توجد شعارات الجماعة في كثير من شوارع وأحياء صنعاء وهي الشعارات المعادية للولايات المتحدة الأميركية، رغم المعلومات التي تحدثت مؤخرا عن تقارب بين السفارة الأميركية والحوثيين وعن لقاءات بين الطرفين من أجل تقريب وجهات النظر بعد النشاط السياسي الملحوظ للحوثيين في الساحة اليمنية.
وأبرز المواجهات التي خاضتها الجماعة كانت في منطقة دماج في محافظة صعدة منذ بضعة أشهر وأسفرت عن مقتل العشرات من السلفيين بعد حصار معقلهم الرئيسي في اليمن وهو دماج التي بها المعهد السلفي الشهير باليمن والذي أسسه الشيخ الراحل مقبل الوادعي.
وسيطر مئات من مقاتلي أنصار الله، الجناح العسكري لحركة الحوثيين، على بلدة حوث التي تبعد 180 كلم شمال صنعاء، مؤكدين أنهم احتلوا أيضا معقل قبائل حاشد في الخمري التي تحتل أهمية خاصة، إذ إنها تضم المنزل العائلي لآل الأحمر زعماء قبائل حاشد.
وقد خلفت هذه المواجهات عشرات القتلى والجرحى، بالإضافة إلى معارك أخرى مع قبائل كتاف في صعدة ومع قبائل في محافظة حجة وحرض قرب الحدود اليمنية السعودية.
ويقول خبراء في الملف اليمني إن الهدف من هذه الحروب والمواجهات هو فرض سيطرة جماعة الحوثي على تلك المناطق والتمدد نحو الشمال وبالتحديد إلى منطقة ميناء ميدي المهم على البحر الأحمر.
ويقول محللون عسكريون إنه ليس من مصلحة الحوثيين اقتحام صنعاء، وأي محاولة من هذا القبيل لن تكون الحرب فيها في صنعاء فقط، ولكن ستشتعل الحروب في كل مناطق اليمن وسنرى حربا أهلية ومذهبية في معبر، تعز، آب، الحديدة، وباقي كل المحافظات اليمنية من دون استثناء وستفتح ملف حصار السبعين (نفذه الإماميون 1967) وسيجتمع الجمهوريون من كل أصقاع اليمن للدفاع مرة أخرى عن صنعاء.
وكل حلفاء الحوثيين في تلك الحروب لن يقفوا إلى جانبهم في أي محاولة لاقتحام العاصمة صنعاء، سواء مشايخ حاشد أو مشايخ بكيل الجمهوريين الذين لهم تاريخ حافل مع النظام الجمهوري ولا يمكن أن يفرطوا فيه أو يسهموا بأي شكل من الأشكال في أي عمل يسيء للنظام أن يؤدي إلى إسقاطه.
وفي ضوء مؤشرات الوضع الراهن في اليمن، فإن جماعة الحوثي باتت جماعة سياسية لا يمكن تجاهلها.. ولكن السؤال الأبرز هو كيف يمكن التعامل معها إذا ما ظلت تمارس العنف، إضافة إلى الحسابات الإقليمية والدولية بشأن الجماعة وارتباطاتها.
وما يطرح بصورة مباشرة الآن هو أن هناك تحالفا بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح أو حزب المؤتمر الشعبي العام في مقابل التحالف بين حزب الإصلاح و(الإسلاميين) أما مسألة إسقاط الدولة في بعض المناطق فهذا من الأمور الصعبة ولا يمكن أن يتم، والمصالح الحزبية أو الفئوية لا ترقى إلى مستوى إسقاط الدولة.
ويرى محللون سياسيون في صنعاء أن هناك التقاء في المصالح بين الحوثيين والنظام السابق، وهذا الالتقاء سيكون خطرا إذا كان هدفه إفشال المرحلة الانتقالية وإفشال مهمة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني، وتقويض العملية الانتقالية وإفشال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، إضافة إلى ما ذكر سابقا.
في البعد الإقليمي للأحداث، ثمة انطباع موجود بأن الصراع الإقليمي انتقل إلى اليمن و إلى أن إيران لديها ضلع في وجود الحوثيين وفي دعمهم ماديا وعسكريا.
وثمة اتهامات مباشرة توجه في أوساط ودوائر سعودية إلى إيران، ويقول هؤلاء «إن ما يحدث باليمن ليس صراعا طائفيا واضحا بقدر ما انه يظهر أن الحوثيين يمهدون إما لدولة مستقلة بهم، أو أنهم يسيرون على خطى حزب الله، وهذا الأرجح الآن، لاقتطاع جزء مهم من الأراضي اليمنية بهدف رسم خارطة وجودهم ونفوذهم من ناحية، ومن أجل تشكيل جبهة ضاغطة على السعودية، وهو ما يقول لنا إن الحراك الحوثي المدعوم من إيران ما هو إلا عملية تعزيز أوراق إيران التفاوضية ضد السعودية.
وما يلفت النظر في عملية القتال الشرسة، والتوسعية، التي يقوم بها الحوثيون الآن أنها تأتي في الوقت الذي تتحدث فيه القوى اليمنية عن الحوار الوطني، ما يعني أن المفروض أن تكون هناك أجواء تهدئة لا أجواء تصعيد عسكري، لكن ما نشهده الآن من قبل الحوثيين يشبه كثيرا الاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة حيث المزيد من خطاب «النوايا الحسنة»، مع الاستمرار في التحرك على الأرض، حيث نجد حزب الله مقاتلا في سورية ورغم كل التصريحات الديبلوماسية الإيرانية حول الأزمة السورية، كما يقوم الحوثيون الآن باستغلال حالة الانقسام والتشرذم اليمنية، وكما تفعل إيران بمنطقتنا.
وعليه، فما نحن أمامه الآن هو أشبه بنقلات شطرنج متسارعة حيث يتحرك الحوثيون، وبدعم إيراني، لفرض واقع يهدف إلى «حسم السيطرة على شمال غربي اليمن، استباقا لتقسيم البلاد إلى أقاليم ضمن نظام اتحادي جديد تم الاتفاق على إقامته بموجب الحوار الوطني»، كما أن ذاك يعني أن الحوثيين يعززون فرص إيران ونفوذها بالمنطقة، خصوصا إذا تأكدت الأخبار القائلة إن الحوثيين يتحركون الآن تجاه صنعاء، فهل تنبهت دول المنطقة إلى خطر ذلك؟
ويرى المحللون السعوديون أنه بعودة النشاط العسكري للتنظيم الحوثي في شمال اليمن، وبنجاحات لاحظها الجميع على مقربة من الحدود الجنوبية للسعودية، يكتمل ما بات يعرف بالحراك الشيعي في المشرق العربي.
يتكامل هذا النشاط مع التدخل العسكري لحزب الله اللبناني في سورية، والنشاط السياسي الذي لا يتوقف لجمعية «الوفاق» في البحرين، ومع سياسات حكومة المالكي (حزب «الدعوة») في العراق، التي تعمل وفقا لأجندة بدأت بعد الغزو الأميركي، وتتناغم مع النفوذ الإيراني في هذا البلد العربي.
وما يجمع بين هذه التنظيمات التي تقف خلف هذا الحراك: «الدعوة»، وحزب الله، و«الوفاق»، والحوثيين، ثلاثة أمور:
أنها تنظيمات دينية، بأجندة دينية، وذات هوية شيعية مغلقة.
ثانيا: أنها لأهداف سياسية، انطلاقا من انتمائها المذهبي، وليس من هوية وطنية جامعة.
ثالثا: أنها مرتبطة بإيران بشكل أو بآخر.