دخلت العلاقات بين روسيا والغرب مرحلة تعد الأسوأ منذ الحرب الباردة بعدما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية خلال الفترة الماضية في خطوة وصفتها موسكو بأنها ترجع جزئيا إلى توسع حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا.
ومنذ إقامة العلاقات بين روسيا وحلف الأطلسي في عام 1991 شهد تطورها حالات من المد والجزر على حد سواء. ومع أن هذه العلاقات باتت سلمية في كل حال، إلا أنها عانت دائما من نقص في الثقة المتبادلة.
وفي مارس الماضي عيّن حلف شمال الأطلسي رئيس الوزراء النرويجي السابق اينس ستولتينبرغ في منصب الأمين العام للحلف، وسيتسلم مهامه اعتباراً من 1 اكتوبر المقبل .
وقال بيان صادر عن الحلف يوم 28 مارس ان "مجلس الناتو قرّر تعيين اينس ستولتينبرغ أميناً عاماً لحلف شمال الأطلسي". وسيحل ستولتينبرغ (55 عاماً) مكان الامين العام الحالي اندرسن فوغ راسموسن بعد عقد قمة الناتو يومي 4 و5 سبتمبر القادم. وكان ستولتينبرغ قد شغل منصب رئيس وزراء النرويج ثلاث مرات.
ويعتبر ستولتينبرغ من أشهر السياسيين في بلاده، ويعد الحزب الذي ينتمي إليه "حزب العمل" الأكثر شعبية في النرويج. وكان ستولتينبرغ قد دعا المجتمع الدولي عدة مرات إلى مكافحة الاوبئة والاحتباس الحراري، وقد عين من قبل الامم المتحدة كمفوض لشؤون المناخ.
وهو أول أمين عام ل "الحلف الاطلسي" يتحدر من دولة حدودية مع روسيا، ويقيم المسؤول العمالي علاقات جيدة مع موسكو وهي ورقة مهمة في يده في أوج أزمة القرم التي خلفت أجواء تشبه حقبة الحرب الباردة.
وفي ظل حكمه أبرمت النروج وروسيا اتفاقات مهمة حول رسم حدودهما في بحر بارنتس واعفاء شعبي البلدين من تأشيرات دخول.
وموازاة مع ذلك وفي مقابلة مع قناة روسيا التلفزيونية الرسمية تذاع في وقت لاحق اليوم السبت رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باختيار حلف شمال الأطلسي لرئيس الوزراء النرويجي السابق ينس شتولتنبرج أمينا عاما جديدا له وقال إن العلاقة بينهما "جيدة جدا" وإن تحسين العلاقات مع روسيا يتوقف على الغرب.
وأشار بوتين إلى ان تعيين شتولتنبرج (الذي سيتولى منصبه في أكتوبر المقبل) قد يساعد على تحسن العلاقات.
وأضاف في مقتطفات من المقابلة "علاقتنا جيدة للغاية بما في ذلك العلاقة الشخصية. إنه شخص جاد ومسؤول للغاية."
وقال بوتين "ولكن دعونا نرى كيف سيطور العلاقات في إطار منصبه الجديد."
ولم يحدد بوتين إجراءات يجب أن يتخذها الغرب لتحسين علاقته بروسيا. لكن متحدثا باسم بوتين أشار أمس الجمعة إلى أن قلة الاحترام من جانب الغرب عامل مهم وذكر أن الغرب يعامل روسيا وكأنها "تلميذ مذنب".
وشهدت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين تطوير التعاون بين روسيا والناتو في مجالات عدة، ومن أبرزها التعاون على صعيد مكافحة تهريب المخدرات ومكافحة الإرهاب بما في ذلك عبر تقديم روسيا مجالها الجوي لنقل الجنود والشحنات العسكرية إلى قوات الناتو العاملة في أفغانستان ضد حركة طالبان.
وفي أغسطس عام 2008 أعلن كلا الطرفين عن وقف التعاون فيما بينها على خلفية رد روسيا على الهجوم الجورجي ضد أوسيتيا الجنوبية وما تلاه من اعتراف موسكو باستقلال كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا. لكن هذه الأزمة لم تدم طويلا إذ عاد "مجلس روسيا – الناتو" إلى جلساته أواخر عام 2009.
مما عكر صفو الأجواء في العلاقات بين روسيا والناتو في الأعوام الأخيرة عدم توصل الطرفين إلى تفاهم بشأن خطط الولايات المتحدة لنشر عناصر درعها الصاروخية في أوروبا، إذ كانت روسيا ولا تزال ترى في هذا الخطط تهديدا لأمنها. ولقد جاء قرار وزراء خارجية دول الناتو بتعليق تعاون الحلف مع روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية امتحانا جديدا للعلاقات الثنائية.
لكن سابقة استئناف هذه العلاقات بعد أزمة عام 2008 تظهر أن المصالح المتبادلة تغلب في نهاية المطاف على تناقضات سياسية، نظرا لبقاء روسيا أكبر وأهم شريك للحلف في العالم.