لا تزال الأزمة العراقية تتصدّر الصحف الغربية تحليلاً واقتراحاً؛ وكتبت صحيفة "الأندبندنت" البريطانية، يوم الجمعة، تحت عنوان: "تدخل (وزير الخارجية البريطاني ويليام) هيغ المتأخر"، أنه خلال زيارة الوزير إلى العراق، في الأيام الماضية، حثّ قادة العراق على "الاتحاد في مواجهة خطر المسلحين"، مشيرةً إلى أنه "يبدو أن هذه الزيارة جاءت متأخرة، فالعراق قد تم تقسيمه إلى ثلاث مناطق متصارعة تحارب بعضها بعضاً".
وبحسب الصحيفة، حملت زيارة هيغ الأهداف نفسها لزيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وهي أن الدعم الدولي للحكومة في بغداد سيتوقف على مدى قدرتها على استيعاب الفرقاء الثلاثة الرئيسية في البلاد (الشيعة، السنّة، والكرد).
ورأت أن العراقيين اليوم "ليس لديهم دوافع كافية للاعتقاد بأنهم ينتمون للامة نفسها، وخصوصاً أن استيلاء المسلحين على الموصل قد ادى إلى تقطيع أواصر العراق بشكل عميق".
وأوضحت الصحيفة أن الاحساس الذي يفيد بأنه "لا بد من إزاحة (رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري) المالكي" تترسّخ. وتصل الأمور ب"الاندبندنت" حدّ اعتبار أنه "ليس من الإنصاف إلقاء كل اللوم على المالكي، فالمسلحون يريدون قتل جميع الشيعة وليس المالكي فقط".
وتشير الصحيفة إلى ما قاله هيغ حول الفائدة من إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران من أجل مواصلة الاتصالات الثنائية. وبحسب المقال، "هناك عدم استعجال أو لا توجد خطة واضحة من أجل التعاون الفعال مع إيران لوقف زحف المسلحين".
وتتابع أنه "بالنسبة لسورية، فقد اتهم هيغ الرئيس السوري بشار الأسد بأنه هو مَن وفّر البيئة المناسبة لظهور وتوغّل المسلحين، وهو اتهام يحمل إشارة ضمنية بأن وزارة الخارجية البريطانية تؤيد نظرية المؤامرة في الشرق الأوسط، وأن الأسد كان هو اليد الخفية وراء النصر المفاجئ الذي حققه المسلحون"، لافتة إلى أن الهجمات التي شنها الطيران السوري على مواقع المجموعات المسلحة في العراق أخيراً "جعلت الموقف الغربي صعب للغاية ويدحض كلام هيغ".
أما صحيفة "ذي تلغراف" البريطانية، فتناولت الأزمة من زاوية أخرى؛ فتحت عنوان: "خبراء الاستخبارات البريطانية يستطيعون منع الحرب في العراق"، كتب كون كافلين أنه "عندما تولى السير جون سايرس رئاسة الاستخبارات البريطانية الخارجية، كان همه الأعظم هو محاربة الإرهاب على الحدود الباكستانية الأفغانية. أما اليوم، فالمهمة الأساسية هي محاربة جيش من المسلحين الأشداء، الذي يسيطر على الرقعة الواسعة والممتدة ما بين شمال العراق وشمال سورية، خصوصاً مع ازدياد المخاوف من عودة المجاهدين البريطانيين إلى البلاد، واشتعال أعمال العنف مرة أخرى".
ويؤكد الكاتب أن السبب المباشر للوضع الذي تعاني بريطانيا منه اليوم، هو تجاهل نصائح الخبراء من أمثال سايرس، الذي عمل كضابط استخبارات كبير، ومتخصص في شؤون الشرق الاوسط، وكمبعوث شخصي لرئيس الوزراء السابق، توني بلير، في العراق في فترة ما بعد الاحتلال، وحاول خلال هذه الفترة أن يثني الاميركيين عن سياستهم بتفكيك حزب "البعث"، ثم بعد ذلك تولّى الملف النووي الإيراني.
ويكشف الكاتب في "ذي تلغراف" أن سايرس نجح في إعادة الهيبة إلى جهاز الاستخبارات بعد الاتهامات التي واجهها بعد حرب العراق، وقد نجح في إقناع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، بالتخلي عن سلاحه النووي، وكان من أشد الرافضين للتدخل العسكري في سورية عام 2011، "لأنه يعلم أن هذا سيؤدي إلى ظهور جماعات إسلامية متشددة للغاية، لذا لا بد من الاستماع إلى نصائح خبراء الاستخبارات لمنع الحرب"، على حد تعبير كافلين.
في المقابل، تناولت الصحف الأميركية الازمة العراقية بالنقد والتحليل. ويشير أحد المقالات إلى أن الادارة الاميركية تأخذ في الاعتبار النموذج اليمني عندما تخطط لمستقبل العراق. ويوضح أن اليمن، "هذا البلد الفقير الواقع في الجزء الحنوبي من الجزيرة العربية، كان فيه عدد كبير من الجماعات الاسلامية التابعة للقاعدة، وقد قامت القوات الأميركية بشن عدد من الهجمات الجوية على أوكار هذه الجماعات، ما أدى إلى اندثارها وتحجيم نشاطها". ووفقاً للمدير السابق في وزارة الدفاع الأميركية، "البنتاجون"، انتوني كوردسمان، فإن"النموذج اليمني أثبت نجاحه حتى الآن".
من جهته، يعتبر المنسّق السابق لشؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، دانييل بنجامين، الذي يعمل حالياً في "كلية دارتموث"، أنه في حالة كل من العراق وسورية، "الوضع سيكون أصعب بكثير من أن نقوم به في اليمن، لأن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، يتعاون جيداً مع الولايات المتحدة، على عكس سلفه علي عبد الله صالح". وتابع بنجامين أن "هادي سمح للقوات الاميركية بملاحقة الإرهابين، وتقوم القوات الأميركية بتوجيه نظيرتها اليمنية من خلال مراكز عمليات مشتركة، وهذا ما اقترحه أوباما بالنسبة للعراق".
ويضيف: "صحيح أن هادي لم يستجب لإجراء إصلاح سياسي إلا بقدر محدود للغاية، لكن هذا لم يؤدِّ إلى صراعات دامية مثل تلك التي يشهدها العراق، بينما سياسات المالكي الطائفية أدت إلى قتل الآلاف، ما يجعل عقد مصالحة وطنية صعب للغاية".
من ناحية أخرى، يحظى هذا الإسقاط اليمني بالعديد من الانتقادات، لأن البعض يرون أن تجربة اليمن تعد تجربة محدودة للغاية، ولا يمكن القياس عليها، ولأن جهود الولايات المتحدة في اليمن اقتصرت على القادة السياسيين، وليس على مساعدة اليمنين في التغلب على المسلحين، وهو نهج جيد لاحتواء المواقف، ولكنه لا يحقق النصر.