arpo28

كتّاب اليمن.. موسم الهجرة إلى السياسة

مع ذلك، يمكننا القول أن حالة "السياسة للجميع" التي تكّرست مع ما عُرف بثورات الربيع العربي، لامست شغفاً خفياً لدى الكتّاب باقتحام ميدان السياسة. ما انعكس على الوسط الأدبي اليمني، المُسيّس بطبعه.

حين نتحدث عن أبرز الكتّاب اليمنيين، تستحضرنا أسماء معظمها معجون بالسياسة، نصاً أو عملاً، بعضها مارس العمل السياسي فعلياً، كمحمد الزبيري وعبد الله الفضول وعمر الجاوي وأحمد دماج وزيد الدماج وسلطان الصريمي وعبد العزيز المقالح، وبعضها استحضر رأيه السياسي في كتاباته، كالشاعر عبد الله البردوني، وآخرون تضمنت أعمالهم أبعاداً سياسية ونضالية.

أغلب هذه الأسماء تنتمي إلى جيلي الستينات والسبعينات، أي ما بعد ثورة أيلول/ سبتمبر 1962. لكن الجديد هنا هو مَن يطلق عليهم في اليمن "الأدباء التسعينيين"، أي الذين استفادوا من الاستقرار النسبي لإنجاز أعمال أدبية أولى كانت لتُبشر بجيل متخفّف من المهام الثقيلة التي مارسها أسلافهم، وهو ما لم يكتب له الاستمرار.

فالكتّاب الذين انشغلوا خلال حقبة التسعينيات وبداية الألفيّة الجديدة بالنشاط السياسي، كتابة أو ممارسة، ساعدت الحركة الاحتجاجية في جنوب اليمن أو "الحراك الجنوبي" عام 2007، وكذلك ثورة 11 شباط/ فبراير 2011 الشبابية، على تحول نشاط عدد منهم في اتجاه السياسة، ما أفقر الساحة الأدبية اليمنية، الفقيرة أصلاً، وكثّف من حضور السياسي على حساب المبدع.

في هذا السياق، يرى الشاعر والكاتب أحمد السلامي أن "ما أسميناه بالربيع العربي أعاد الاهتمام بالسياسة إلى كل الشرائح" معتبراً أن بلداً مثل اليمن "يختلط فيه الأدب كفعل إبداعي بالفعل النضالي" لم يحسم الكثير مما يتعلق باستكمال بناء الدولة.

ويضيف: "حتى إذا لم ينخرط الأديب اليمني في التعاطي المباشر واليومي والاحترافي مع السياسة، فهو ينتج نصوصاً سياسية"، مشيراً إلى أسماء كثيرة كانت بسبب الواقع العالق "أشبه بموظفة في دائرة للتعبئة أو للتوجيه المعنوي".

كما يرى السلامي أن كل الروايات اليمنية "سياسية بامتياز، حتى وإن لم يشتغل مؤلفوها بالسياسة"، معتبراً أننا لم نصل إلى زمن اجتماعي نتفرغ فيه للكتابة شؤون عاطفية صرفة. لكنه يستثني الكاتبات اليمنيات من هذه المقاربة، رغم انهماك عدد منهن في الشأن السياسي والعام، معللاً ذلك بأن مجتمع النخبة في اليمن يستحضرهن ويقحمهن في التعاطي مع الشأن العام من منطلق سدّ فراغ التمثيل النسوي في الكثير من الأنشطة ذات البعد السياسي والحقوقي.

ورغم شهرة أسماء نسوية كالشاعرة والروائية نبيلة الزبير، والروائية نادية الكوكباني والقاصة والباحثة أروى عثمان؛ يرى السلامي أن المجتمع الذكوري يتزيّن بتلك الأسماء النسائية، أو أنه لا يجد في البال غيرهن بحكم ذيوع أسمائهن في الإعلام، معتبراً أن الأحزاب فشلت في تكوين واجهات نسائية بالعدد الكافي، ومشيراً إلى أن أسماء نسوية أدبية وغير أدبية، تم دفعها إلى مؤتمر الحوار لأن "الكوتا النسائية اقتضت ذلك".

من جهتها، رأت القاصة هدى العطاس، التي نشطت ضمن "الحراك السلمي" في الجنوب، المُطالب بفك الارتباط مع شمال اليمن، أن انخراط بعض الكتّاب سياسياً "كسرٌ لأبواب كانت مغلقة في وجوههم وقنوات توصيل وجد فيها الكاتب منافذ لرسائله ومواقفه"، معتبرةً أن "حالة الكاتب في المعترك حالة تماثلية تحاكي تفاصيل المشهد بشكل عام".

وفي ما يخص نشاطها ب"الثورة الجنوبية"، أشارت العطاس أنها انخرطت بالتزام حاد "لأني أؤمن بأن قضية شعب الجنوب قضية وطنية عادلة، وانخراطي في صفوف ثوارها ليست فورة حماس، فلطالما مارستُ اصطفافاً كتابياً قبل الاصطفاف الميداني فاضحةً ما جرى ويجري في الجنوب من جرائم نظام صنعاء ضد شعب الجنوب وأرضه".

وعبّرت القاصّة عن إحساسها "بصعوبة ما يكتنف العمل السياسي من ملوثات وفضاء معكّر لا يتناسب وروح الكاتب وشفافية تعاطيه".

وأضافت قائلةً: "لا اعتبر نفسي سياسية مكرّسة بل متعاطية للعمل السياسي دون تطلعات تكرّسني في خانته"، معتبرةً أن الكاتب "صنو حالة ثورية دائمة أو هكذا يجب أن يكون"، ومشددةً على أن "الثورة والتثوير هي المحرّض الداخلي لكتابة فارقة ينحو فيها الكاتب لإذكاء الثورات على المسلمات".

وربطت العطاس بين القصور الأدبي/الإبداعي، وبين حالة المجتمع التي وصفتها بأنها "طفلية وهشة لا يمكنها على المدى القريب استيعاب أو خلق طفرات إبداعية في تمحورات الثورات التي هبّت"، مشيرةً إلى أن استيعاب تطلعات الكاتب وتبشيره بما هو إبداع لفظي حسي "يحتاج إلى أدوات على قدر عال من الحساسية والاستشعار والنضوج، غابت للأسف عن ثورات الربيع العربي".

وترى العطاس أن الثورات بحاجة إلى "فكر عميق ومنشقّ وفي حالة قطيعة واضحة وقاطعة مع منظومة التكريس النمطية التي سمَّمت الفكر العربي لقرون طويلة"، معتبرةً أننا نحتاج إلى "وقت ومسارات ووعي جمعي فارق لتحويل ما بشّر به خيال الكاتب إلى واقع ملموس".

وإجمالاً، يمكن الربط بين عدم اكتمال المسارات الإبداعية للكتّاب اليمنيين، وقصور الواقع السياسي، وعدم اكتمال بنية الدولة وتقزّم مؤسساتها المستمر. ويلقي هذا بظلاله على الحركة الثقافية، وعلى نشاط المُبدع الذي يجد نفسه مجبراً في كثير من الحالات إلى الدخول في المعترك السياسي من باب التحدي القيمي، ليجد نفسه في الأخير منغمساً في جفوة العمل السياسي وقسوته، أو قاصراً في المجالين، السياسي والأدبي، ما أضعف كثيراً من التجارب الأدبية اليمنية وحال دون نضجها الإبداعي أو استمرارها في الإنتاج.

زر الذهاب إلى الأعلى