arpo28

تحليل إخباري: هادي يخسر الشمال ولن يكسب الجنوب

وتَرجم هذا التقارب نفسه أخيراً من خلال دفاع العديد من ناشطي الحراك عن هادي ضد الدعوات الرافضة لقرار رفع أسعار المشتقات النفطية، بالإضافة إلى الدفاع عنه بعد الانتقادات التي وجّهت إليه على خلفية سقوط محافظة عمران في يد جماعة أنصار الله (الحوثيين).

وشهد شهر يوليو/تموز الماضي تطوراً لافتاً تمثل بمرور مناسبة 7/7 التي كان الحراك يحييها ويعتبرها ذكرى "احتلال الجنوب"، من دون أن تشهد المحافظات الجنوبية مهرجانات أو مسيرات كانت معتادة في هذه المناسبة. وجاء هذا التطور كثمرة للقاءات جمعت هادي بقيادات بارزة في الحراك الجنوبي، وفي مقدمتها مؤسس الحراك العميد ناصر النوبة.

وعلى العكس من ذلك، احتضنت صنعاء فعالية الحراك 7/7 من خلال أمسية حضرتها شخصيات في الحراك الجنوبي ومسؤولون جنوبيون في الدولة. وهذه المرة كانت الشعارات تبارك مخرجات الحوار بدلاً من الدعوة إلى الانفصال.

وباستثناء فصيل نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، الذي لا يزال يصر على "فك الارتباط" واعتبار نظام صنعاء "احتلالاً" مع خفوت واضح في حدة خطابه ضد هادي؛ يبدو موقف بقية فصائل الحراك غامضاً، الأمر الذي تتعدد حوله الرؤى والتفسيرات.

ومعلوم في اليمن أن "جنوبية الرئيس" كانت أبرز مؤهلاته في وعي أبناء الشمال الذين انتخبوه بكثافة في 2012، أملاً في إنهاء مشاعر الغبن لدى حراك الجنوب. ومعلوم أيضاً أن هادي نزح إلى الشمال منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، مع الآف من تيار الرئيس علي ناصر محمد، ثم أصبح رئيساً لليمن أجمع، لكن سياسته باتت محل ارتياب لدى قطاع لا بأس به من اليمنيين.

[b]تفسيرات متعددة ونتيجة واحدة[/b]

اختلف المحللون حيال الانسجام بين هادي والحراك، فمنهم من يرى أن هادي استطاع استقطاب واحتواء وتفكيك الحراك، وآخرون رأوا ذلك مؤشراً على أن علاقة هادي بالحراك هي قديمة بل ومنذ انطلاقته، إذ استطاع توحيد الشارع الجنوبي، أو جزء هاماً منه على الأقل، في اللحظة التي احتاج إليه، بعد تحقيق هدفه بالضغط على القوى الشمالية، أو التي يُضنّفها كذلك.

يرى الكاتب السياسي عبد الناصر المودع، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هادي، منذ توليه السلطة، عمد إلى "استخدام موضوع الانفصال من أجل تقوية مركزه السياسي. وقد استخدمه لأكثر من سبب من قبيل الحصول على حصة كبيرة للجنوبيين في السلطة عن طريق تغيير الطريقة التي تمت فيها الوحدة. وقد تحقق له ذلك حين قام، قبل وخلال مؤتمر الحوار، بتصعيد الخطاب الانفصالي في الجنوب، ليتمكن من الحصول على تنازلات في مؤتمر الحوار. وهو المؤتمر الذي صُمّم من أجل إعادة النظر في الوحدة وفرض النظام الفدرالي".

ويضيف "من ناحية أخرى يعمل هادي على السيطرة على أجنحة الحراك من أجل إيجاد كتلة سكانية يتخندق داخلها ضد الشمال والطبقة السياسية الشمالية تحديداً، ولا سيما أنّ الدستور، الذي يصممه في الوقت الحالي، سيحصل الجنوبيون فيه على نصيب في السلطة والثروة أكبر بكثير من حجمهم السكاني، ويريد الرئيس هادي أن تكون هذه الحصة من نصيبه".

وفي الإجمال، فإن هادي "قد عمل على تقوية الحركة الانفصالية، ومن المرجح أن يبقيها إحدى الأوراق التي سيستخدمها لتقوية مركزه السياسي، الأمر الذي يعني أن موضوع الانفصال خلال حكم هادي لن يشهد أي حلول جذرية وسيبقى موضوعاً للمساومة يتم تخفيض النعرة الانفصالية أو رفعها وفقاً لمصالح الرئيس هادي".

ومن زاوية أخرى، تتباين وجهات النظر حول ثمار التقاء هادي بالحراك بين رأيين، الأول يرى أن هادي قضى على مشروع الانفصال، والآخر يرى أن هادي تحالف مع الحراك لممارسة الانفصال من مراكز القرار داخل الدولة بدلاً من التظاهرات في الميادين.

وفي كلا الرأيين، يظهر هادي رجلاً سلطوياً برافعة من "جنوبيته"، سواء تحالف مع الحراك لتقوية مركز حكمه في صنعاء أو لتفكيك الشمال والتهيئة للانفصال، من خلال الإجهاز على مركز الحكم في العاصمة صنعاء وتسليمها للحوثيين.
[b]
7/7 في عمران
[/b]
تزامن سقوط مدينة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء) بيد مسلحي جماعة الحوثي الشهر الماضي، مع اتهامات لهادي ووزير الدفاع المقرب منه، محمد ناصر أحمد، بالتواطؤ مع الحوثيين.

ومثّل سقوط المدينة تطوراً محورياً تحولت عنده التوجسات تجاه سياسات هادي إلى اتهامات مباشرة له، في العديد من كتابات الرأي وردود فعل الكثير من الناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي، بالسعي إلى تسليم صنعاء للحوثيين ومن ثم الهروب إلى عدن وإعلان الانفصال.

وعزز هذه الاتهامات موعد السقوط الذي صادف تاريخ (7/7) ودخول الحوثيين عمران وسقوطها الكامل مع اللواء 310 مدرع في 8 يوليو/تموز الماضي، إذ ذهبت العديد من التفسيرات إلى أن هذا التوقيت حراكي بامتياز، هدفه الثأر من العسكريين الشماليين واللواء 310 مدرع لدوره في تفجير حرب 1994.

وفي 23 يوليو/ تموز الماضي، شيعت صنعاء قائد اللواء 310 مدرع، العميد حميد القشيبي، ‏الذي قتل على أيدي الحوثيين في عمران. وخلا الصف الأول من المشيعين في الجنازة الرسمية من ‏الوجوه الجنوبية، إذ غاب هادي الذي زار عمران في ذات اليوم، ووزير الدفاع الذي قال إنه متواجد حينها ‏في السعودية.

استغل هادي انقسام النخبة السياسية في صنعاء أثناء ثورة 2011 بجدارة، وقام بعد توليه السلطة بنقل العديد من معسكرات الجيش إلى المحافظات الجنوبية على هامش الحرب مع القاعدة.

وبحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، من مصادر عسكرية، فإن هادي نقل أسلحة استراتيجية من ضواحي صنعاء إلى الجنوب، وهي أسلحة لا تستخدم في الحروب مع خلايا إرهاب بقدر ما تستخدم في حروب بين جيوش.

ووفق مبادئ ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، أصبحت المناصب القيادية في الدولة 50 في المئة للجنوب، على الرغم من التفاوت في عدد السكان، إذ يشكل الشمال أربعة أخماس السكان لكن الجنوب يشكل ثلثي المساحة.

ويقوم التقسيم المعلن للحكومة والمناصب القيادية في الدولة على مبدأ المناصفة بين تكتل أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة سابقاً) وبين حزب المؤتمر، الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وفي الواقع، تحولت المناصفة، خلال حكم هادي، إلى مناصفة بين شمال وجنوب بصورة شبه رسمية.

يمسك هادي وفريقه بالرئاسة ومؤسسات عسكرية وأمنية ومدنية هامة، في مقدمتها جهاز الاستخبارات الأمن القومي، ووزارة الدفاع، فضلاً عن مؤسسة القضاء، وجهاز الرقابة. في المقابل، تتولى شخصيات شمالية وزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات الأمن السياسي، الذي اغتيل العشرات من ضباطه العامين الماضيين فضلاً عن مؤسسات أخرى.

تعرضت شعبية هادي لنزيف حاد في المحافظات الشمالية على خلفية سياسته مع الحوثيين، على أن شعبيته في الجنوب ليست في حال أفضل، مهما بلغت علاقته بقوى الحراك، إذ إن هناك قطاعاً واسعاً من المواطنين يرى أن الانفصال قفزة إلى المجهول يمكن معها أن تعود صراعات وثارات الماضي فضلاً عن الصراعات والانقسامات التي يمكن أن تتولد جراء انفراط العقد اليمني الذي التأم في العام 1990.

كذلك يوجد قطاع واسع في الجنوب لا يستسيغ انتصار هادي للجنوب بظلم الشمال. والأهم من ذلك أن حصاد سياسة "الانحياز للجنوب" يصب حتى الآن في مصلحة الفصيل الجنوبي الحاكم ولا ثمار حقيقية يلمسها المواطن على الأرض.

وأيا كانت دقة تلك المخاوف والاتهامات، فإن الخطر الحقيقي الذي يعيشه اليمن اليوم هو عودة التصنيفات الجهوية من جهة، والمذهبية من جهة أخرى، عدا التوتر السياسي الشديد والتدهور الاقتصادي المستمر، وخروج مساحات كبيرة عن سلطة الدولة. وكل ذلك بات يفرض على رأس الدولة تجرداً صادقاً من أي انتماء باستثناء الانتماء لليمن أجمع.

زر الذهاب إلى الأعلى