لم تكن محاولة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) اقتحام مقر الحكومة اليمنية الثلاثاء الماضي، سوى حافز إضافي كان ينتظره الرئيس هادي، للدفع باتجاه إقالة حكومة الوفاق وتشكيل حكومة جديدة أكثر ولاءً له.
ورغم أن الحديث عن تغيير الحكومة هدأ، أياماً، بعد تعثّر جهود التفاوض مع الحوثيين، إلا أنه عاد بقوة، أمس الخميس، وسط أنباء عن التوصل إلى اتفاق تسوية بين هادي والحوثيين لإنهاء الازمة، يقضي بإنهاء أنصار الله اعتصاماتهم في صنعاء ورفع المخيمات من داخل صنعاء وخارجها، وتعيين رئيس وزراء جديد في 48 ساعة وتخفيض أسعار المشتقات النفطية.
وأشارت الأنباء إلى أن الاتفاق وقّعه عن الطرف الحكومي أمين العاصمة، عبد القادر هلال، وعن أنصار الله، القيادي في الجماعة حسين العزي. وفي حين لم ينشر تأكيد حكومي رسمي عن صحة هذه الأنباء، فإن قياديين من جماعة الحوثي نفوا حدوث التوقيع لكنهم أكدوا وجود تفاوض.
في الظاهر يبدو تغيير الحكومة في هذا الظرف، وكأنه عبارة عن إجراء جاد من نظام هادي لامتصاص تصعيد الحوثيين وإيثار لـ"سيف السلم" حتى لا تتطور الأوضاع إلى مواجهات مسلحة، ولكن دلائل عدة تشير إلى أن الرئيس هادي يسعى إلى انتهاز فرصة التصعيد الحوثي لتغيير الحكومة الحالية، حتى وإن أدى مثل هذا التغيير إلى تفاقم تصعيد الحوثيين وليس احتواءه.
ويتضح ذلك من خلال بنود مبادرة اللجنة الرئاسية المكلفة التفاوض مع الحوثيين، برئاسة أحمد بن دغر، نائب رئيس الوزراء، والمعلنة قبل نحو أسبوع. جعلت المبادرة منصب رئيس الحكومة من حصة الرئيس بالتوافق مع بقية القوى، إضافة إلى استئثاره باختيار الذين سيتولون الوزارات الأربع السيادية (الدفاع، الداخلية، المالية، الخارجية).
كما تعطي المبادرة الرئيس هادي الحق في تحديد نسب مشاركة طرفي الحكومة الحالية (المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك) بعدما يكون التشكيل الحكومي استوعب أيضاً وزراء للحوثي والحراك الجنوبي ومكونات المرأة والشباب. ولهادي أيضاً اختيار ممثلي مكونات الحراك والمرأة والشباب، فضلاً عن أن مبادرة اللجنة الرئاسية تخوله اختيار مرشح من بين اثنين لكل وزارة من حصة الأحزاب المشاركة، فضلاً عن اختيار البدلاء لأي طرف ينسحب. الأمر الذي اعتبره كثيرون أنه محاولة من هادي لإحكام السيطرة على الحكومة.
وأوصت مبادرة اللجنة الرئاسية أن يتم المضي قدماً باتجاه تشكيل حكومة جديدة، "حتى وإن لم يقبل الحوثيون المشاركة في الحكومة"، وعليه يبدو أن هادي منذ تصعيد الحوثيين منذ أواخر أغسطس/آب الماضي، لم يفكر في حلحلة هذا التصعيد بقدر ما فكر في كيفية استغلاله بطريقة توسع من سلطته وتقلص من حضور الآخرين.
والمؤكد وفق مبادرة اللجنة الرئاسية، هو أن تغيير حكومة الوفاق ليس مجرد تغيير حكومي واستبدال وزراء بآخرين، بل هو استبدال قواعد التشكيل الحكومي الحالي وليس مجرد وجوهه، إذ تشكلت حكومة الوفاق الحالية وفقاً للمبادرة الخليجية الموقعة في الرياض نوفمبر/تشرين الثاني2011 مناصفة بين الأطراف السياسية في البلاد السلطة والمعارضة (حزب المؤتمر وحلفاؤه برئاسة علي عبد الله صالح، وأحزاب المشترك وشركاؤها على أن يكون منصب رئيس الوزراء من نصيب أحزاب المشترك في مقابل أن منصب رئيس الجمهورية من نصيب حزب المؤتمر الشعبي العام).
على أن مخاوف كبيرة تظل تكتنف تغيير الحكومة، إذ يرى البعض أن قرار تغيير حكومة محمد سالم باسندوة سيكون نسخة مطورة من قرار تغيير محافظ عمران الذي كان الحوثيون يطالبون بتغييره ثم لم يتوقفوا عن تصعيدهم المسلح في عمران بعد تغيير المحافظ. ويبدو، حتى الآن، أن الحوثيين حريصون على عدم المشاركة في الحكومة الجديدة بصفة رسمية حتى يظل بمقدروهم ممارسة دور المعارضة.
والمتأمل في طبيعة العلاقة التي تربط رئيس الجمهورية برئيس الوزراء، يجد أن خلافاً عميقاً برز بين الرجلين منذ بداية مؤتمر الحوار الوطني (مارس/آذار 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2014)، إذ لم يحضر باسندوة جلسة افتتاح المؤتمر ولم يحضر أيضاً أية جلسة عامة لمؤتمر الحوار بعد ذلك، بما فيها حفل الاختتام الذي حضره مسؤولون دوليون.
ويؤكد مقربون من باسندوة، أن الرجل غير حريص على البقاء كرئيس للوزراء، لكنه يرفض بشدة الالتفاف على المبادرة الخليجية التي أعطت الشرعية لهما (هادي وباسندوة).
وعلم "العربي الجديد" أن رئيس الوزراء اجتمع قبل أيام بقادة أحزاب المشترك في منزله في صنعاء، وأبلغهم عدم تمسكه برئاسة الحكومة، لكنه ذكّرهم أن المنصب هو من نصيب أحزاب "المشترك" وابلغهم أنهم إذا كانوا "موافقين على تغيير الحكومة فليختاورا بديلاً (عن باسندوة) لرئاسة الحكومة ولا يتنازلوا عن حقهم في اختيار البديل لأنه من حصة المشترك بنص مبادرة دول الخليج".
ومن غير المستبعد أن يلاقي موضوع تغيير الحكومة معارضة من أبرز الأحزاب المشاركة فيها، وتحديداً المؤتمر والإصلاح كون التغيير سيقلّص حتماً من الحقائب الوزارية لكل منهما بسبب إشراك أطراف أخرى. وقد لا تتمثل هذه المعارضة في رفض تغيير الحكومة كمبدأ، وإنما في طرح اشتراطات تخص نصيب كل منهما في الوزارات. وهو ما قد ينقل الأزمة من طور الاختلاف حول تغيير الحكومة الحالية إلى طور الخلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة.