تحرص جماعة أنصار الله (الحوثيون) منذ بدء تصعيد احتجاجاتها ضد الحكومة اليمنية في صنعاء على توجيه خطابها نحو قوات الجيش والأمن بالتزامن مع استعداداتها الحربية الواضحة في مداخل صنعاء. وتنوّعت مظاهر وأساليب خطاب الحوثيين الموجّه للجيش، بين الدعوات التي يتم إطلاقها في البيانات وخطابات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي المحمّلة بالتحذير والترغيب، وصولاً إلى استخدام الساحات للحرب النفسية واستقطاب العسكريين المنشقّين الذين يعلنون تأييدهم لمطالب الجماعة، على غرار الانشقاقات التي وقعت في العام 2011 إبان الاحتجاجات ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ويحرص الحوثيون على أن يتقدم مسيرات الجماعة، جنود أو ضباط يلبسون الزي العسكري والأمني في محاولة لإيصال رسالة نفسية إلى السلطات وإلى العسكريين والمواطنين بوجود سند عسكري يؤيدهم. وأظهرت الفترة الماضية أن أغلب المنضمين لهم لا يتقلدون مناصب رفيعة المستوى، وإن كان لدى الجماعة بالفعل متعاطفون معها من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية لا يعلنون بالضرورة تأييدهم لمطالبها.
وكان لافتاً إعلان جماعة الحوثيين، يوم السبت، انضمام قادة وأفراد المواقع العسكرية المرابطة في جبل "النبي شعيب" غربي العاصمة صنعاء إليها، وهو أعلى قمة في المنطقة العربية بارتفاع يبلغ نحو 3700 متر عن سطح البحر، ويعد من المواقع الاستراتيجية المهمة. ويرابط في الموقع لواء الدفاع الجوي والرادارات.
ومنذ اليوم الأول للتصعيد، بدأ انتشار الحوثيين عسكرياً إلى حد كبير، إذ أقامت الجماعة مخيمات على مداخل العاصمة الاستراتيجية قرب مقرات معسكرات حساسة للجيش، وبدأ مسلحوها بحفر الخنادق والمتارس والانتشار في المرتفعات، حسبما أكدت اللجنة الأمنية العليا في اليمن. اختار الحوثيون غرباً منطقة "الصُباحة" قرب مقر قيادة قوات العمليات الخاصة، وجنوباً أقام الحوثيون مخيماً في منطقة "حزيز" حيث مقر قيادة قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري سابقاً)، وشمالاً قرب مطار صنعاء ومقر قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي، وعلى مقربة من معسكر "الصمع" المتحكم بمداخل صنعاء الشمالية.
تزامنت هذه التحركات مع شائعات من أنصار الحوثي تتحدث عن أن العديد من قادة الألوية والقوى تم "شراؤها" أو التواصل معها من قبل الحوثيين لأخذ تطمينات، لكن مصادر عسكرية اعتبرت أغلب ما يتردد في هذا الجانب شائعات وحرب نفسية. وأكدت مصادر أمنية وعسكرية متطابقة لـ"العربي الجديد" أن الحوثيين يقومون بأنشطة شبه استخباراتية تجري خلالها دراسة وجمع المعلومات عن المواقع العسكرية ومحاولة التواصل مع قادة المعسكرات وعلى مستوى قادة الكتائب والسرايا والمسؤولين عن المواقع العسكرية لإيصال رسائل ترغيب وتهديد، مشيرة إلى أنه عندما يعجز الحوثيون عن التواصل مع بعض القادة، يحاولون إيصال رسائلهم بالاستعانة بأقارب لهم.
وعلم "العربي الجديد" من مصادر أمنية وعسكرية متطابقة أن العديد من الإجراءات اتُخذت في معسكرات أمنية وعسكرية لحصر المتعاطفين أو المترددين في مواقفهم تجاه الحوثيين، من منتسبي هذه القوى، وذلك لوضعهم تحت المراقبة أو استثنائهم من بعض المهام. وفي هذا الإطار، أعلن الحوثيون أكثر من مرّة عن اعتقالات أو تسريحات جرت في بعض المعسكرات لعناصر في الجماعة. وبسبب واقع الدولة اليمنية الهش ومخاوف اليمنيين من المزيد من التدهور في المؤسسة العسكرية والأمنية، لاقت محاولات الحوثيين إحداث انشقاقات في صفوف الجيش والأمن انتقادات واسعة من كتاب الرأي والناشطين السياسيين الذين يرون أن إضعاف الجيش يزيد من تدهور وضع الدولة ويضيف مزيداً من الشروخ.
وتتزامن الحملة الدعائية الحوثية تجاه الجيش، مع تكثيف القيادات العسكرية زياراتها الميدانية للمعسكرات والألوية، إذ زار السبت قائد المنطقة العسكرية الخامسة اللواء الركن محمد راجح لبوزة، اللواء 167 طيران واللواء 130 دفاع جوي في قاعدة الربيعي الجوية، للإطلاع على مستوى الجاهزية القتالية والفنية للأسلحة والمعدات وسير تنفيذ برامج وأنشطة التدريب والتأهيل.
ووفقاً لوكالة "سبأ" الحكومية، أكد اللواء لبوزة "أهمية الدور الماثل أمام منتسبي القوات المسلّحة تجاه الوطن والشعب في الإسهام الفاعل إلى جانب الأجهزة الأمنية في حفظ الأمن والاستقرار والتصدي بحزم وقوة لكل من يحاول زعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في أوساط المواطنين".
وعن ظاهرة الاستقطاب الحوثي لأفراد من الجيش، يقول العقيد نجيب محفوظ المنصوري، الأمين العام الملتقى العام لمنتسبي القوات المسلحة والأمن الذي تأسس قبل أشهر، إن الاحتجاجات "ليست احتجاجات حوثيين فحسب وهدفنا التحام الشعب والجيش والأمن في الثورة الشعبية السلمية". المنصوري، الذي أعلن تأييده لمطالب الحوثيين، يعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن انضمام العسكريين إلى تحرك الحوثيين يأتي "لأن العسكر أكثر الناس معاناة وفقراً، فهي ثورة الفقراء والعسكري أفقر الموظفين وأكثرهم بئساً".
وعن تأثير ذلك على المؤسسة العسكرية ومدى إسهامها في تفكيكها، يقول إن "الهيكلة الحزبية الظالمة هي التي فككتها وليست ثورة الجياع بل هذه الثورة السلمية سوف تعيد لحمة المؤسسة العسكرية".
من جهته، يرى الخبير العسكري محمد علي الذهب في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "يمكن تفسير وجود عسكريين، ضباطاً وأفراداً، في أوساط المحتجين الحوثيين، أو ما يشاع عن انضمام البعض من العسكريين إليهم، بأن الأمر لا يخلو من حقيقة، لكنه في ذات الوقت أحد أساليب الحرب النفسية، التي تعتمد الشائعة ونوعيتها ودرجة تأثيرها، خاصة عندما تكون تلك الشائعة متصلة بالقوات المسلحة التي يتسابق عليها الخصوم السياسيون في ظروف الصراع السياسي".
ويعتبر الذهب أنه يمكن "تصنيف أولئك المنضمين أو من قيل بانضمامهم، بأنهم من ذوي المظلوميات، سواء ممن تركوا الخدمة تحت ظرف ما، أو ممن أحيلوا إلى التقاعد، أو ممن لا يحترمون قواعد وشرف الجندية وهم لا يزالون في الخدمة العسكرية، خاصة المنخرطين سياسياً، أو أيديولوجياً، أو ممن لديهم خصومات مع قادتهم سببها مصادرة الحقوق التي تخصهم".
وبرأي الذهب، فإنّ ما "شجع على ذلك، غياب مبدأ الثواب والعقاب، وتراجع أداء العمل الاستخباري في وحداتهم العسكرية، فضلاً عن الفساد الذي يعشش في بعض الوحدات العسكرية". ويشير إلى أن هناك "تدليساً في عرض بعض تلك الأخبار، إذ ينتحل مدنيون الرتب والبزات العسكرية في محاولة لجذب البعض إلى صفوف الحوثيين موهمين أولئك بأنهم من منتسبي القوات المسلحة، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك"، حسب تعبيره.