لم تستعد العاصمة اليمنية صنعاء، هدوءها التام، اليوم الإثنين، غداة توقيع اتفاق تسوية لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، حيث انتشر عناصر جماعة أنصار الله (الحوثيون)، في مختلف أحياء ومناطق المدينة، ونصبوا حواجز تفتيش، وسط غياب قوات الأمن والجيش. واحتفل الحوثيون بما سمّوه "انتصار الثورة"، مساء اليوم، بإطلاق الألعاب النارية والرصاص في أرجاء صنعاء، وسط مخاوف من حدوث إصابات وفوضى.
وأصدرت جماعة "أنصار الله"، بياناً هنأت فيه "الشعب، بانتصار الثورة والإطاحة بحكومة فُرضت من الخارج"، في إشارة إلى حكومة الوفاق الوطني. واعتبرت أنّه يحق للشعب اليمني أن "يطمئن إلى أن أهداف ثورته المباركة، قد تبلورت إلى اتفاق بين جميع القوى السياسية لبدء مرحلة جديدة من الحكم الرشيد، يستند إلى ما كتبه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني، وظلت مخرجاته حبراً على ورق، نظراً لعدم جديّة وقدرة أطراف السلطة على تجاوز مصالحها، وتغليب مصلحة الشعب".
وفيما اقتحم الحوثيون منزل مستشار الرئيس اليمني لشؤون الدفاع والأمن، علي محسن الأحمر، ونهبوا محتوياته، تضاربت الأنباء حول مصير الأحمر، وإمكانية مغادرته إلى خارج البلاد، في وقت نفت فيه صحف السعودية أنباء عن توجّهه إليها، علماً أنّ الأحمر يُعدّ من ألدّ أعداء الحوثيين، وكان قد غادر، أمس الأحد، مقرّ قيادة المنطقة السادسة، مع دخول الحوثيين.
واقتحم الحوثيون أيضاً، منزل القيادي في حزب الإصلاح، حميد بن عبد الله الأحمر، في منطقة حدة، ونهبوا محتوياته، في وقت شهدت فيه صنعاء أعمال نهب لبعض المقرات الحكومية والمعسكرات ومقرات حزب الإصلاح. ومساء، اقتحم مسلحون حوثيون مبنى تلفزيون سهيل وسط صنعاء، التابع للإصلاح، ونهبوا عدداً من محتوياته.
وقال أحد العاملين في المحطة لـ"العربي الجديد" إنّ مسلحون اقتحموا المبنى، وحطموا بعض محتوياته، في وقت بثّ الحوثيون، الذين باتوا يديرون التلفزيون الرسمي، مباشرة الاحتفالات بإطلاق الأعيرة النارية والمفرقعات في سماء صنعاء.
في موازاة ذلك، أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن، أنّ "عدد القتلى، الذين انتشلت فرق الطوارئ التابعة للوزارة جثثهم من الأحياء، حيث دارت مواجهات مسلحة، بدءاً من منتصف الشهر الحالي حتى اليوم، بلغ 200 جثة، إلى جانب إسعاف 461 مصاباً".
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) عن مدير عام الطوارئ والإسعاف، في وزارة الصحة العامة والسكان، علي سارية، قوله إنّ "طواقم الإسعاف التابعة للوزارة، انتشلت اليوم 53 جثة من ضحايا المواجهات من حي النهضة ومقر قيادة المنطقة السادسة وحي السلام وجامعة الإيمان، وتمّ نقلها إلى ثلاجات المستشفيات الحكومية التابعة للوزارة والمستشفيات العسكرية".
وأكدت الوزارة أنّ "بعض الجثث ما تزال مرمية في بعض الأحياء والمواقع"، داعية المواطنين إلى "الإبلاغ عن الجثث لعمليات الوزارة".
هادي يعتبر الاتفاق مشرفاً
سياسياً، أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، "أهميّة الاستعداد الكامل واليقظة العالية من أجل الحفاظ على محتويات وممتلكات الدولة، سواء في الوزارات أو المعسكرات وفي كل مؤسّسات وهيئات الدولة والحكومة".
واعتبر هادي، في أول اجتماع لمجلس الوزراء، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، أنّه "جرى تلافي المزيد من التداعيات بالتوقيع على الوثيقة الوطنية، التي تمثل مخرجاً وطنياً مشرفاً وملائماً من أجل تجنيب اليمن المزيد من التدهور والأزمات".
من جهته، رحّب المجلس الوزاري، لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالاتفاق، لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، داعياً كافة الأطراف إلى تغليب المصلحة الوطنية.
وأكد المجلس في بيان أصدره، عقب اجتماعه، الذي عقد في نيويورك، أمس الأحد، دعمه للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، معرباً عن "أسفه العميق وقلقه البالغ من الأحداث الأخيرة في الجمهورية اليمنية الشقيقة"، ورحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه".
وفي السياق ذاته، دعت الدول العشر، الراعية للتسوية السياسية في اليمن، إلى "الوقف الفوري وغير المشروط" لإطلاق النار في صنعاء، ومحافظتي الجوف ومأرب (شمال ووسط البلاد)، لحماية حياة المدنيين الأبرياء.
ودعت في بيان مشترك صادر عن سفرائها في صنعاء، إلى "التنفيذ السريع والكامل لجميع بنود اتفاقية حل أزمة السلطات اليمنية مع الحوثيين، والتزام جميع الأطراف بمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، وآليتها التنفيذية، ومُخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة".