arpo28

محاكم "الحوثيين" الخاصة في اليمن: قضاء الأمر الواقع

تصبح الأماكن التي يسيطر عليها مسلحو جماعة الحوثي، في معظمها، إن لم يكن كلّها، تحت إمرتهم قضائياً. يقضي الإجراء الأول بإنشاء محاكم قضائيّة بديلة عن القضاء الرسمي.

حدث ذلك في صعدة بعد سيطرتهم عليها، ثم في عمران، وصولاً إلى العاصمة صنعاء، حيث باتت أحياء عدّة فيها خاضعة لسلطتهم.

ويسعى الحوثيون من وراء إقامة هذه المحاكم، إلى تحقيق أكثر من هدف، لعلّ أبرزها إشاعة صورة عن عدالتهم قياساً بواقع المماطلة والتسويف الذي تأخذه المنازعات في أجهزة القضاء الرسمي.

وتكمل هيمنتهم القضائية نقاط التفتيش التي ينصبها مسلحو الجماعة، أو ما يسمى ب"الأمنيّات"، الموزّعة في المناطق التي يسيطرون عليها.

وتعدّ محاكم الحوثيين بمثابة قضاء موازٍ و"محاكم مستعجلة"، إضافة إلى قيام بعضها في الوقت ذاته بدور أقسام الشرطة.

يقول محمد علي الرازحي، من أبناء محافظة صعدة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ظاهرة محاكم (الحوثيين) بدأت تتمدّد على رقعة سيطرتهم العسكرية، وبدأت في مديريات صعدة قبل سقوط مركز المحافظة بأيديهم في مارس/ آذار2011".

وتأتي القضايا إلى هذه المحاكم بإحدى طريقتين: الأولى أن يتقدّم شخص من أنصار الجماعة بشكوى ضد شخص آخر إلى هذه المحاكم، سواء كان الآخر مناصراً للجماعة أم شخصاً عادياً، ويجري استدعاء الشخص المشكو به، بإحضار خطي، وإذا امتنع يتم المجيء به بالقوة.

أما الطريقة الثانية، فتحصل بواسطة أشخاص مناصرين للجماعة، موزعين على أبواب بعض المحاكم وأقسام الشرطة، يلتقطون المتنازعين الذين يبدون تذمّرهم من مماطلة الأجهزة الرسمية في البتّ بالقضايا، وينصحونهم بنقل قضيتهم إلى محاكم "الحوثيين"، ويضربون لهم الأمثال عن سرعة البتّ في حال التقاضي لدى "الحوثيين".

وتقوم المحكمة التابعة للجماعة، في معظم الأحيان، بالفصل في النزاعات العادية بشكل سريع. كما تصدر أحكاماً متعددة، تتدرّج من الغرامة إلى السجن، ليصل بعضها إلى الإعدام، وفق ما توضحه مصادر حقوقية لـ"العربي الجديد".

وفي سياق متصل، أصدر محام عيّنه الحوثيون قاضياً في إحدى هذه المحاكم في محافظة عمران، في أغسطس/ آب الماضي، حكم الإعدام على المهندس فواز صالح سريع، بتهمة قتل زميله في العمل، لكنّ مصادر حقوقيّة تؤكد أنّ لديها ما يثبت أن الوفاة نتجت من جراء حادث عَرَضي بصعقة كهربائيّة وليس بجريمة جنائية.

في المقابل، يبدي كثيرون ارتياحهم لمحاكم "الحوثيين" ويروّجون للتقاضي فيها. يقول حمود ناصر، وهو أحد المواطنين، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لم نجد العدل والإنصاف إلا عند أنصار الله، لأنهم يبتّون في القضايا بسرعة، عكس القضاء الفاسد الذي تمتد فيه إجراءات التقاضي لسنوات".

بينما يرى صالح عبد الله، من أبناء صنعاء، أنّ "أنصار الحوثيين، وهم موظفون داخل أجهزة القضاء، كانوا جزءاً ممّن يتسبّب بالمماطلة والتسويف في الكثير من القضايا، وهؤلاء الأشخاص أنفسهم صاروا يبتّون في النزاعات داخل محاكم الحوثيين بشكل سريع". ويفسّر صالح هذه المفارقة بأنّها "تصرّف مقصود منذ سنوات، من أجل إفشال الدولة الحاليّة وزيادة شعبيّة الحوثيين كنظام حكم بديل"، حسب تعبيره.

وتتبع لهذه المحاكم شرطة خاصة بها، من مسلحي الجماعة، تقدم على اعتقال الأشخاص المشكو منهم أو المتهرّبين من التقاضي إلى هذه المحاكم، كما تتولى الإشراف على السجون التابعة لـ"الحوثيين".

وحسب ناشطين حقوقيين، فإنّ بعض الأشخاص المعتقلين في سجون الحوثيين، ينقلون من سجن لآخر، في عملية شبيهة ب"إحالة القضيّة إلى النيابة".

وتظهر وثيقة، حصل عليها "العربي الجديد"، طلب استدعاء من قبل "الحوثيين" للطبيب محمد الكمالي، وهو أحد القاطنين في العاصمة صنعاء، للردّ على الشكوى المقدمة من كمال شمس الدين.

وقد كتب الكمالي معلّقاً، عقب استدعائه، أن جماعة "الحوثي" تقوم "بتطبيق تجربة جماعة (الشباب المؤمن) في الصومال، بإنشاء محاكم إسلامية في صنعاء، شبيهة بتلك التي ظهرت في مقديشو، وبإرسال استدعاءات للمواطنين للحضور أمام اللجان الشعبية لترسيخ هذا المفهوم".

وتساءل: "على أيّ مذهب أو عُرف قبلي أو مناطقي ستكون محاكمهم العرفيّة؟"، ليخلص إلى القول إنّ "الحوثيين" يجبرون المواطنين أو الرعايا للتعامل بطريقتين: "إما الاعتراف بهم كسلطة احتلال تلغي القوانين وتطبّق أحكامها العرفيّة والعسكريّة، وهنا نذكّرهم أنه حتى في حالات الاحتلال هناك قوانين دولية ناظمة ومسؤوليات يجب على قوات الاحتلال الالتزام بها وفق المعاهدات الدولية.

أو نطبّق مبدأ (الحوثي) في الدفاع عن النفس، ويشكل المواطنون ميليشيا خاصة بهم للدفاع عن أنفسهم، في ظلّ إنهاء صورة النظام والقانون كسلطة حاكمة بين المتخاصمين".

وتفيد المعلومات بأنّ هذه المحاكم تتخذ تسميات عدة، فمنها ما يدخل ضمن مسمّى هيئة "العدالة والإنصاف"، وهي بمثابة جهاز قضائي موازٍ للقضاء الرسمي، وتجري إدارتها بواسطة مجموعة من الأشخاص بعد تعيينهم كقضاة من قبل قيادة الجماعة.

إضافة إلى الهيئة، ثمّة ما يُطلق عليه "الدواوين الشعبية"، ومهامها تشبه إلى حدّ ما، مهام المخافر وأقسام الشرطة، وعادة ما تكون أماكن وجود مثل هذه الدواوين بالقرب من المحاكم وأقسام الشرطة الرسميّة. لكنّ الظاهرة لم تتبلور في إطار مبانٍ رسميّة مختصة بهذه المحاكم والدواوين، إذ يجري أحياناً الفصل في النزاعات داخل مقار تابعة لـ"أنصار الله"، وأحياناً أخرى في منازل الأشخاص المكلّفين بالحكم، وفي حالات قليلة يجري الفصل بالنزاعات على أيدي "الحوثيين" في الأسواق العامة أو على متن سيارات.

وبالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع بعد تهاوي العديد من مؤسّسات الدولة في صنعاء بيد الحوثيين، في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن التساؤل عن موقف السلطات الرسميّة تجاه انتشار ظاهرة المحاكم الحوثيّة يبدو أقل أهميّة من تساؤل أكبر منه، وهو صمت الدولة عن انتشار المسلحين في العاصمة ومدن أخرى، وبقاء المؤسسات والدوائر الحكوميّة بأيديهم، وتركهم يسحبون السلاح الثقيل من معسكرات في العاصمة إلى خارجها.

ولا يقتصر دور "الدواوين الشعبية" على الفصل في النزاعات، بل قد تقوم بمهام أخرى، مثل إبرام عقود القِران والطلاق وبعض عقود المعاملات التجاريّة.

وفي سياق متّصل، يقول المواطن محمد الرازحي، لـ"العربي الجديد"، إنّ وجود القضاء الموازي التابع لـ"الحوثيين"، إلى جانب نقاط التفتيش التابعة لهم، "هما مظهران من أبرز مظاهر عدم الاعتراف بالدولة، وأبرز الدلائل على سعي الجماعة لإفراغ السلطات الرسميّة من مهامها السياديّة، مستنتجاً: "الآن يمكن القول إنّ خلافنا معها ليس فقط سياسياً إنما سيادياً".

زر الذهاب إلى الأعلى