arpo28

البيض من حليف لإيران في "الحراك" إلى خصمها

عندما بدأت احتجاجات الحراك الجنوبي في اليمن، في العام 2007 كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح ما زال يحكم البلاد.

ونتيجة لتفشي الظواهر الإرهابية وإرساء تنظيم "القاعدة"، خصوصاً في الجنوب، أرضية له، استطاع صالح في حينه إقناع الغرب بدعمه في مواجهة التنظيم، وأن "هذا لن يأتي أيضاً إلا بدعمه هو، في تحجيم احتجاجات الجنوبيين".

حصل صالح على الدعم الدولي، لكنه لم يتمكن من تحجيم الاحتجاجات التي تزايدت في غياب أي تجاوب خارجي مع مطالبها التي كان الرئيس السابق يراوغ في تنفيذها.

لم يسمع المجتمع الدولي الأصوات المعارضة لصالح، تحديداً قيادات الخارج، سوى طهران التي فتحت أبوابها أمامهم، في وقتٍ كانت تعاني فيه مع نظام صالح، بسبب دعمها لمعارضيه الحوثيين.

وما لبث أن خرج نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض عن صمته في منفاه في العام 2009، حين فتح له الرئيس السابق علي ناصر محمد الطريق إلى طهران.

كانت العلاقة سرية في البداية، وكان دائما أنصار الحراك الجنوبي وقادته ينفونها، كما اعتبرتها السلطات اليمنية تهمة لهم.

لكن سرعان ما بدأت بوادر العلاقة تظهر إلى العلن بعد افتتاح مكتب للبيض في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد عودة عدد من الشباب من إيران، الذين خضعوا للتدريب ومراسم "التشيّع" ضمن اتفاق رعى إقامة هذه العلاقة.

فقد أكد عدد من الذين سافروا عبر مطار دمشق، أن "السفر كان يجري من دون إجراءات، وأن برنامج الزيارة يبدأ بطقوس دينية منذ اللحظة الأولى، عبر زيارة مدينة قم الدينية".

تبدأ المراسيم عبر إدخال الشباب إلى كهوف مجهّزة تقنياً، ومزيّنة بشاشات كبيرة. يُغلق الكهف، وتُطفَأ الأنوار، ويجري عرض طقوس دينية عبر هذه الشاشات لمدة تصل إلى ست ساعات متواصلة. ويتكرر المشهد في أغلب أيام الزيارة، ويتم غسل أدمغة وفكر الشباب الآتين من جنوب اليمن أو شماله.

وتُعتبر عملية التشيّع، التي تحدث عنها الشباب، بالنسبة إلى طهران شرطاً ملزماً، لإقامة أي علاقة معها. وهو ما أكده القيادي البارز في الحراك الجنوبي محمد علي أحمد مطلع العام 2013، بعد عودته من منفاه. وكان من ضمن الذين ذهبوا إلى طهران، التي اشترطت عليهم إرسال شباب لتشييعهم.

وكشفت ثورة التغيير عن تطوّر العلاقة ونموّها، وارتفاع نسبة سفر الشباب إلى إيران، واستغلّ أنصار الحراك هشاشة الدولة عقب اطاحة صالح، لإرسال المزيد من الشباب، كما بدأت تظهر أصوات كثيرة تدافع عن هذه العلاقة، إلى حدّ أن قناة "عدن لايف"، تلفزيون البيض في الحراك الجنوبي، باشرت في بثّ خطابات الأطراف الموالية لإيران كالرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله. كما يسوّق التلفزيون، ويتبنّى، الخطاب الإعلامي والسياسي لـ"محور المقاومة" في المنطقة، المدعوم إيرانياً.

بعد ذلك، عمدت القناة إلى محاربة المشاريع والقوى والمكوّنات الأخرى المنضوية تحت الحراك، بحجة حملها مشاريع "ناقصة"، وأن البعض منها مدعوم من السعودية.

كان واضحاً الأثر الذي ألحقته هذه العلاقة، وانعكاسها على الشارع، وعلى الحراك الجنوبي نفسه الذي انقسم على حاله إلى مكوّنات ومسميّات سياسية أخرى، وسهّلت من عمليات اختراق الحراك من قبل القوى السياسية في صنعاء، أكان صالح أم الرئيس عبد ربه منصور هادي.

وجد الحراك نفسه ومعه الشارع محاصراً، وجرت محاولات عدة لسحب البساط من تحت أقدام قيادته، في ظلّ إحباط القواعد التي شعرت في محطات كثيرة من نضالها، أنها من دون قيادة. كما اتهمت قياداتها بالفشل. وفي ظلّ هذا الوضع، تمكن هادي، المنحدر من الجنوب، من كسب ود الشارع، وأقام تحالفاً لتضييق الخناق على الفريق المتحالف مع طهران.

ويتفق أغلب الجنوبيين، كما المراقبين، على أن تيار البيض كان "ضعيفا" في هذه العلاقة التي خدمت طهران وحلفاءها الحوثيين في الشمال، على الرغم من الدعوات والتحذيرات التي أطلقها عدد كبير من الجنوبيين من مغبّة استمرارها، وسط مخاوف من إغراق الجنوب في صراعات المنطقة، في حال استمر إرسال الشباب إلى طهران واستمرار "أدلجتهم".

لكن الخوف الأكبر كان أيضاً من مدى صدقية هذه العلاقة في تحقيق الجنوبيين الأهداف التي قامت في سبيلها، في وقت يسود فيه الغموض في الموقف الإيراني مع رفع "تيار البيض" شعار المقاومة، وهو الخيار الذي لم تدعمه طهران.

كما أن هذه العلاقة، التي كان مؤيدوها يعتقدون أنها وسيلة للضغط على المجتمعين الإقليمي والدولي، زادت من تعنّت طهران تجاه مطالب الجنوبيين والتشكيك في صدقيتها. ولتجاوز الموضوع حاول بعض الجنوبيين التقرّب من السعودية، التي كانت قد أخذت موقفاً عدائياً من الحراك بعد تحالفه مع طهران، عدوّها التقليدي.

لذلك فإن إيران استغلّت مشاعر الجنوبيين، التوّاقة للحرية، مستفيدة من كرههم وغضبهم تجاه القوى السياسية في صنعاء، لتحييدهم عن تحرّكات الحوثيين في الشمال. وكانت تُقمع الأصوات التي كانت تندّد من داخل الحراك بهذه العلاقة.

ويشير الأمر إلى أن علاقة الحوثيين مع الحراك كانت تكتيكية، لا استراتيجية. إذ يستحيل على الحوثيين دعم انفصال الجنوب اليمني عن شماله، ولهذا جعلوا من نشاط الحراك عنصراً مساعداً لصالح توسّع مشروعهم في الشمال، في حين تنشغل السلطة المركزية بمشاكل أمنية وفوضى وضغط شعبي في نواح عدة من البلاد.

ويُعدّ الحراك الجنوبي في نظر طهران، مجرّد ورقة تلعبها لصالح الحوثيين، بالإضافة إلى طموحها التوسعي، والسعي إلى السيطرة على الممرات البحرية، خصوصاً مضيق باب المندب في عدن، الذي يُعدّ ثالث أهم ممر بحري في العالم.

فطهران تعلم، ويعلم أيضاً حلفاؤها الحوثيين، أن الجنوب يختلف كلياً عن الشمال. ففي الجنوب تتمركز الغالبية السنية الرافضة للمذهب الزيدي، كما يتحسس الجنوبيون من فكر طهران الشيعي وهو ما يعلمه الحوثيون جيداً.

لذلك ساءت الأمور في الفترة الأخيرة بين البيض وطهران، وهو ما كان متوقعاً لدى كثر نتيجة لعدم جدية العلاقة، وتردّد طهران في دعم مطالب الجنوبيين، وإجبار حليفهم الحوثي على دعمها. وفي السياق، أكدت مصادر مقرّبة من البيض، أنه غادر بيروت إلى النمسا، وأن العلاقة مع طهران تكاد تكون منتهية، بعد أن طلبت من الحراك دعم الحوثيين لإسقاط الحكومة. رفض البيض الطلب الإيراني، معتبراً أن طهران، استغلت الجنوبيين لتحقيق مكاسب لصالح الحوثيين، ومذكّراً أن مطالب الجنوبيين تختلف عن مطالب الحوثيين، تحديداً في مطالب استعادة الدولة الجنوبية.

وباتت العلاقة اليوم وسط الشارع الجنوبي، في أسوأ حالاتها، بعد اعتبار الجنوبيين أن الحوثيين يشنون حرباً ضد قوى دينية سنيّة بغطاء طائفي. وفي حال تمكن الحوثي من السيطرة على الحكم، لن يقبل الجنوبيون الخضوع لحكمه، وهي إشارة من الشارع إلى أن البعد المذهبي أخذ مكانه جنوبياً.

وبهذا تكون العلاقة مع إيران في حكم الميتة سريرياً مع الشارع الجنوبي، على الرغم من المعلومات الواردة عن عودتها كما كانت، في إطارها الشخصي القديم، منذ عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، مع الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد.

زر الذهاب إلى الأعلى