عندما بدأت معركة جماعة أنصار الله (الحوثيون)، في محافظة عمران (شمال صنعاء)، مع وحدات عسكرية ومسلحين مناهضين لها، كانت الآلة الإعلامية للجماعة قد بدأت بالتشديد على وصف خصومها ب"الدواعش". ولم يتوقف ذلك حتى بعد وصولها إلى عمق العاصمة عندما سيطرت عليها في سبتمبر/أيلول الماضي.
أدركت الجماعة وهي قوة سياسية - عسكرية صاعدة، أن للإعلام تأثيراً قد يمنحها "أفضلية" ضمن خصومات مركبة في بلد أوهنت المعارك الدائرة فيه منذ أمد سطوة الدولة، وأعطت للميليشيا والقبيلة ذات الطموحات السياسية القوة والتمدد أكثر.
ومع اشتداد المعارك وتمدد الصراع إلى مناطق أخرى، كان الإعلام الحوثي والموالي له قد أخذ بعداً آخر، من تغطية الأحداث إلى تشكيل قيادة ظاهرية للمعارك، وإدارة واجهة للدفاع وتقديم "تبريرات" لضرورة استمرار ذلك من بينها "تخليص البلاد من الدواعش والفاسدين".
مع ما شهدته البلاد من انتفاضة شعبية عام 2011، بدأ الإعلام الناطق باسم الحوثيين بالتشكل بوضوح أكبر، ورفعت الجماعة صوتها أكثر، متماهية مع الشعارات والمطالبات بتنحي صالح من الحكم، قبل أن يتحالفوا معه في النصف الثاني من العام الجاري.
أدوات إعلامية في ازدياد
ازدادت أدوات الإعلام التابعة للحوثيين، منها الورقي والإلكتروني والتلفزيوني والإذاعي، بعد الإعلان عن تنحي صالح عن الحكم، وظلت تغطيتها ترتكز حول الترويج لأنشطة الجماعة وخوض مداولات مع بقية الإعلام في الشأن السياسي بصورة خاصة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، ذكر مسؤول حكومي أن عدد الصحف الرسمية والأهلية والجماهيرية في اليمن بلغت نحو 397، منها 32 صحيفة رسمية حكومية و64 صحيفة حزبية و 245 صحيفة أهلية و 56 صحيفة جماهيرية تابعة للمنظمات.
وقال رئيس قسم الصحافة بوزارة الإعلام، حسين سلم، أن عدد الصحف الرسمية المتوقفة 19 صحيفة، والصادرة والمنتظمة في الصدور13 صحيفة، بينما وصلت الصحف الحزبية الصادرة والمتوقفة نحو 64 صحيفة، منها 15 تصدر بشكل منتظم، أما الصحف الأهلية فيصدر منها 51 صحيفة فقط.
وللجماعة محطتان تلفزيونيتان (المسيرة والساحات) وتتلقيان دعماً من حزب الله اللبناني، وتبثان من بيروت، كما أن الحوثيين أنشأوا محطة إذاعية (سام إف إم) في العاصمة صنعاء، وعدداً من المواقع الإلكترونية والصحف الورقية.
ويدير ناشطون في الجماعة صحفاً ورقية بعضها يعمل تحت يافطة "مستقلة" وعدداً من المواقع الإلكترونية، وآخرون يديرون صفحات على موقع "فيسبوك" أبرزهم أسامة ساري، وهو صحافي أشرف على "الملحق السياحي" لصحيفة "الثورة" الحكومية قبل أن يوقف عمله فيها.
وقبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كانت صحف موالية للحوثيين تتلقى دعماً حكومياً غير مباشر عبر نشر تهانٍ رسمية لمسؤولين حكوميين، فضلاً عن دفع اشتراكات مقابل بيع منتظم لها لعدد من المؤسسات، رغم مهاجمة تلك الصحف للحكومة.
وقال عبدالله صبري، وهو صحافي يعمل لدى موقع حزب اتحاد القوى الشعبية، الذي تربطه علاقات مع الحوثيين، أنه من الصعب تقييم إعلام جماعة أنصار الله (الحوثيون)، غير أنه بالإمكان القول إنه ولد من رحم المعاناة حيث شنت عليهم ست حروب ترافقت مع ضخ إعلامي رسمي ضد الحركة ومؤسسها وأتباعها.
وأضاف في حديث ل "العربي الجديد": "من هنا اتجه إعلام أنصار الله إلى الدفاع عن مظلوميتهم ومناشدة الرأي العام الوقوف إلى جانبهم وإيقاف الحرب العدوانية عليهم، ونجح -على محدوديته- في الرد على تهافت الإعلام الرسمي برغم تعدد وسائله وإمكاناته الكبيرة.
وتابع: "في الفترة الأخيرة وخاصة بعد ثورة 11 فبراير ظهر إعلام أنصار الله ضمن الإعلام الثوري، وبات للجماعة قناة فضائية تعبر عن ثقافتهم ومواقفهم السياسية والثورية، كما يمكن القول إن إعلامهم في هذه الفترة كان متأثرا بمناخ الإعلام المنفلت في ظل الفترة الانتقالية، فكان معبرا مثلا عن بقية المكونات الثورية التي رفضت المبادرة الخليجية مما جعله عرضة للإعلام الحزبي والأهلي المنسجم مع التسوية السياسية".
لكن صبري قال إن إعلام الحوثيين اعتمد في هذه الفترة على ردة الفعل تجاه الإعلام التوافقي، وعندما اختلف الإصلاح وأنصار الله وتقاتلا في الجوف، وجدت مصطلحات التحريض الطائفي طريقها إلى إعلام الطرفين".
وبخصوص مصطلحات "دواعش" وغيرها، قال: "عندما جاءت مواجهات عمران وما بعدها اتجهت سياسة أنصار الله وإعلامه إلى استخدام مصطلح الدواعش باعتباره الوصف الأنسب للجماعات الإرهابية والتكفيرية، غير أن حمى الصراع مع الإصلاح وقوى النفوذ أظهرت الإعلام الحوثي وكأنه يبالغ في استخدام هذه المصطلحات"، حسب تعبيره.
لكن تقريراً حقوقياً أطلقته منظمة "حرية"، رصد انتهاكات مهنية وخطاباً تحريضياً تصدرته وسائل إعلام الحوثيين، من بينها تلفزيون "المسيرة" وصحيفتا "صدى المسيرة" و"الهوية".
واعتبر صبري المسألة المهمة في الإشارة إلى أن إعلام الحوثيين لا يزال محدوداً من ناحية الكم والكيف، ولا يزال حديث عهد بالمهنة مقارنة مثلاً بإعلام خصومهم السياسيين، الذي يؤدي أداء إعلامهم الضاغط وغير المهني إلى خلق بيئة إعلامية غير منضبطة".
معركة الحوثيين والإعلام
منذ سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء، في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، شنت هجمات واعتداءات على مقرات إعلامية وصحافيين مناهضين لها، وصلت إلى حد التردد على منازلهم.
وفي أول شهر لاجتياح الجماعة العاصمة، رصد تقرير حقوقي 52 انتهاكاً ضدّ الإعلام المحلي والدولي في اليمن، وقال التقرير إن هذه الانتهاكات تفاوتت بين الخطيرة والمتوسطة والبسيطة، تعرّض لها 33 صحافياً وإعلامياً من الجنسين، و19 مؤسسة إعلامية وصحافية، حكوميّة وخاصة، 51 حالة منها في العاصمة صنعاء وحدها، وحالة واحدة في مدينة إب.
وتعرضت المحطات التلفزيونية الحكومية (اليمن – سبأ – الإيمان) لقصف مدافع الحوثيين في سبتمبر/أيلول الماضي، فضلاً عن اقتحامات تعرضت لها وكالة "سبأ" وموقع "الاشتراكي نت" ومحطة "سهيل" المملوكة لقيادي في حزب الإصلاح، وإذاعة "حياة إف إم" الأهلية، ولم تسلم وسائل الإعلام هذه من النهب.
وفي محافظة إب (وسط البلاد) تعرضت المحطة الحكومية للقصف المدفعي، وتعرّضت مكاتبها للدمار الجزئي، وتوقف بثها لأيام.
وأواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" جماعة الحوثيين تهديداً لحرية الإعلام واستقرار البلاد، بعد استغلالهم الانفلات السياسي والأمني لمواصلة تقدمهم، وقالت: "لا يتوانون عن الاستيلاء على مقار وسائل الإعلام واعتقال الصحافيين أو خطفهم".