يوم السبت الماضي، تاريخ احتفال جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بالمولد النبوي، بدت صنعاء شبه خالية من مسؤولي الحكومة، ولم يكن ثمة إلا نقاط المسلحين والسفراء والبرد والرئيس عبد ربه منصور هادي والقماش الاحتفالي الأخضر الممتد على جانبي الشوارع تهزّه الرياح.
فالحكومة اليمنية نقلت منذ قرابة أسبوعين مكان انعقادها إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، وبذلك انتقل كافة الوزراء وحتى بعض أمناء عموم الأحزاب، بالإضافة لمسؤولين آخرين ترتبط معاملاتهم، في الغالب، بمسؤولين داخل كل وزارة إلى عدن.
كذلك خلت صنعاء من وزراء الحكومة السابقة التي كان يرأسها محمد سالم باسندوة والمسماة "حكومة الوفاق"، وانتقل نسبة من أعضائها للإقامة خارج البلاد، وبعضهم قرّر عدم العودة حتى يتغيّر الوضع الناشئ عن سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي وتمدّدهم بعد ذلك إلى محافظات أخرى من بينها ذمار والحديدة وإب والمحويت وحجة وريمة.
ومن بين الوزراء السابقين الذين غادروا البلد بعد حلّ حكومة الوفاق وتشكيل ما بات يعرف ب"حكومة الكفاءات"، وزير الدفاع السابق اللواء محمد ناصر أحمد الذي انتقل إلى دولة الإمارات، ووزير الداخلية السابق اللواء عبده حسين الترب الذي يقيم حالياً في مدينة نيويورك الأميركية، ووزيرا الإعلام السابق نصر طه مصطفى، والأسبق علي أحمد العمراني، وكلاهما فضّلا الإقامة في مصر، أحدهما في القاهرة والآخر بالاسكندرية.
القرار نفسه اتخذه أعضاء مجلس النواب (البرلمان)، وقادة عسكريون وأمنيون، لعلّ أبرزهم اللواء علي محسن الأحمر مستشار الرئيس عبدربه منصور هادي لشؤون الدفاع والأمن الذي غادر صنعاء عشية دخول الحوثيين في 21 سبتمبر، وانتقل إلى السعودية ليقيم في مدينة جدة، وقبله انتقل رجل الأعمال البرلماني والقيادي في حزب الإصلاح حميد بن عبدالله الأحمر الذي يتنقّل حاليا في عواصم أوروبية، بينما تعرّضت العديد من منازله وشركاته بصنعاء لاستيلاء ومصادرة الحوثيين، إضافة إلى الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان.
وتكرر الأمر مع الناشط الحقوقي خالد الآنسي، الناشط السياسي غائب حوّاس، الكاتب الصحفي عبدالفتاح البتول، وجزء من هؤلاء منتمون لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تعرّض كثير من مقاره للمداهمة والتفجير من قبل مسلحي جماعة الحوثيين.
وتقول مصادر "العربي الجديد" إن رئيس الهيئة العليا للحزب، محمد عبدالله اليدومي، غادر إلى السعودية قبل أسابيع لتلقي العلاج. والاستثناء في كل ما سبق هو بقاء رئيس الحكومة السابق وعدم مغادرته صنعاء.
وقد ردّ أحد الوزراء "النازحين خارج اليمن"، على سؤال "العربي الجديد" له عن سبب عدم عودته بالقول "بصراحة، لا أستطيع أن أتصوّر أن يفتشني مسلّح حوثي أو يُوقف سيارتي في أي نقطة".
وحسب أحد العاملين في إحدى وكالات السفر والسياحة فإن نسبة الركاب المغادرين من مطارات البلد صارت في الشهور الأخيرة أكثر بقليل من نسبة القادمين إليه، وقال إن المأساة لا تتمثل برحيل المسؤولين عن البلد بل برحيل رؤوس الأموال ورجال الأعمال، وكذلك الأكاديميين اللامعين.
ويعسكر أفراد من جماعة الحوثيين في مطار صنعاء الدولي ولديهم قائمة تسمّى قائمة الممنوعين من السفر وتشمل قادة عسكريين ومسؤولين وناشطين مناوئين للجماعة.
وحسب مصادر متطابقة فإن بعض وزراء حكومة الوفاق السابقة لم يتمكنوا من مغادرة البلاد جوّاً إلا بعد وساطات حثيثة مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي للسماح لهم بالمغادرة. وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن وزيرا انتظر لأكثر من أسبوع "حتى جاءت موافقة السيد (الحوثي) من مدينة صعدة على مغادرة البلد".
وقد أوضح أحد العسكريين لمراسل "العربي الجديد" أن لا شيء يمنعه من مغادرة البلاد إلا خشيته من أن يصل إلى المطار فيجد نفسه في قائمة الحوثيين الخاصة بالممنوعين من السفر، مفيدا بأن بعض المسؤولين استعانوا بأصدقاء لهم من السفراء الأجانب في صنعاء لضمان مغادرة آمنة لهم من اليمن ضمن تأشيرة طيران محدّد فيها موعد الذهاب، ومفتوح موعد الإياب.
وعدا عن قطاع المهاجرين اليمنيين الجدد خارج بلدهم، ثمة ما يمكن وصفهم بمنفيي الداخل الذين لا يقوون على تحمّل تكاليف الهجرة مفضّلين البقاء حبيسي البيوت.