arpo28

سميرة.. رفيقة الدلو والأمية في اليمن

كالعادة، تواظب سميرة عبد الخالق (29 سنة) على جلب الماء يومياً، من إحدى العيون التي تفصلها عن منزلها الريفي طريق وعرة وموحشة، تخلو من المارة بطول كيلومتر واحد.

منذ الطفولة، دأبت هي وبعض صديقاتها غلى قطع الشِعاب والأحراج، حتى يصلن إلى نبع ماء مجاور لقريتها الصغيرة المحرومة من المشاريع التنموية، في منطقة ملحان الجبلية بمحافظة المحويت غربي اليمن.

تقف سميرة ودلو الماء على رأسها عند ذات ربوة، لتحدق عيناها بمنزل صديقة طفولتها "أروى"، وتشعر بالألم يعتصر قلبها، وهي تتذكر حينما ودعتها برفقة أهلها للعيش في المدينة، والتحقت بمدارسها وأعفيت من مهمة جلب الماء الشاقة.

اليوم، تسمع سميرة من بعض الجيران، أن "أروى" أصبحت مدرسة وستصل القرية مع زوجها المعلم بعد أسبوع، للتدريس معا في قرية مجاورة.

تقول سميرة: أشعر بالحزن عندما أجد بعض صديقاتي اللائي سافرن وتعلمن في المدينة، منذ صغرهن، وقد أصبح لبعضهن مهن، وبعضهن تزوجن وأصبح لديهن أطفال، وأنا هنا لم يتغير حالي وحياتي في أبسط تفاصيلها، حتى دلو الماء هذا يظل هو نفسه منذ سنوات.

تعمل سميرة في جلب الماء والحطب، وجز الحشائش وعلف الأبقار في ساعات النهار، الأمر الذي منعها من الذهاب إلى مدرسة القرية المجاورة. لكن هذه الأعمال ليست السبب الوحيد الذي حرمها من التعليم، فوالدها وإخوتها الستة أيضاً، منعوها من التعليم، لاعتقادهم أن المرأة خلقت للزواج وخدمة أسرتها.

مع ذلك، لم تتزوج سميرة حتى الآن، لأن زواجها يعني خسارة أسرتها ليد عاملة دؤوبة ومجتهدة، تساعدهم في أعمالهم الزراعية.

تقول: تقدّم لي أكثر من شاب من شباب القرية، لكن إخوتي رفضوهم، إما عبر وضع شروط وتكاليف مهر مرتفعة، أو بسبب مشاكل وخصومات سابقة بين أسرتنا وأسرة من تقدم لخطبتي.

وتعبّر سميرة عن حزنها بسبب خسارتها كثيراً من حقوقها، مثل التعليم وتكوين أسرة، أو الترفيه عن نفسها بأبسط الأشكال.

تنقطع الكهرباء أغلب ساعات النهار والليل، في ريف محافظة المحويت، الأمر الذي يقلل من إمكانية متابعة سكان هذه المناطق لشاشات التلفزيون، في ساعات الراحة ليلا.

تشير سميرة إلى "المذياع" الذي يعمل بالبطاريات، كأقرب صديق لها، يرافقها وهي تمارس بعض أعمالها، وفي ساعات فراغها. وتستمع إلى "البرامج الحوارية اليومية التي تبثها الإذاعات المحلية، بالإضافة إلى الأغاني اليمنية والعربية".

تقول: "كلما سمعت امرأة تتحدث في المذياع، أستغرب أن تكون هناك امرأة بهذه الثقافة والمنطق الذي يوازي الرجال، وباستمرار سماعي لغيرها، أشعر بالحسرة على مدى الظلم الذي وقع عليّ، عندما منعوني من التعليم".

غير أن سميرة سرعان ما تنسى همّها، عندما تجلس مع كثير من صديقاتها في القرية اللاتي يعشن نفس تفاصيل حياتها. تقول: ما يهون عليّ هذه العزلة هو مشاهدة التلفزيون لأوقات بسيطة، بالاضافة إلى الجلوس في المناسبات مع صديقاتي في القرية.

المرض أيضاً
تعاني سميرة من طفح جلدي، يأتيها في أشهر الصيف من كل عام، ولا تعرف ما هو وما أسبابه! حيث تعاني من حكة تتناوب على أنحاء جسدها في المساء، تمنعها من النوم في كثير من الليالي.

"طلبت مراراً من إخوتي أن يأخذوني إلى مستشفى مدينة الحديدة، لكنهم لم يكترثوا مرةً لتوسلاتي". مشيرة إلى أنهم يطمئنونها بأن هذه الحكة، عادة تظهر بعد العمل في المزرعة ومن الاقتراب من بعض النباتات والحشرات، ولا خوف منها.

لكنها تعلم في قراراة نفسها، بأن الداء الذي تعاني منه ليس كما يقال لها، وتشعر أنهم لا يريدون أخذها إلى المستشفى، كونها إمرأة في سن الزواج، ويشعرون بالعيب أن تنكشف على الأطباء.

وعمّا إذا كانت سميرة تحصل على مبالغ من المال، يمكنها من شراء ما تحتاجه من الباعة المتجولين في القرى، أو بعض النساء اللاتي يبعن مقتنيات نسائية، تؤكد بأن إخوتها ووالدها الكهل لا يحرمونها من شيء، وتتلقى مبالغ منهم "في الأعياد والمناسبات".

حقوق مهضومة
وتعاني أغلب النساء في اليمن، وخاصة في الريف، من غمط في حقوقهن، مثل حق الالتحاق بالتعليم، وتلقي الرعاية الصحية، وحق اختيار أو الموافقة على الزوج.

كما تشير إحصائيات مختلفة وصادرة عن منظمات دولية، إلى أن نسبة مشاركة المرأة اليمنية في صناعة القرار ضعيفة، إن لم تكن معدومة تماماً.

وتؤكد إحصائيّة صدرت حديثاً، في النشرة التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة في اليمن، إلى أن 800 ألف فتاة في سن الدراسة، يبقين في البيوت للمساعدة في الأعمال المنزليّة.

وكان اليمن قد حصل على آخر مرتبة في عدم المساواة بين الجنسين، من بين 136 دولة شملتها الدراسة للعام السادس على التوالي، وفقا لمؤشر فجوة النوع الاجتماعي للعام 2013، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

ويعمل هذا المؤشر على قياس مشاركة المرأة إلى جانب الرجل، في أربعة مجالات رئيسية هي: المشاركة والفرص الاقتصادية، والتمكين السياسي، والصحة والتحصيل العلمي والمشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص الاقتصادية.

زر الذهاب إلى الأعلى