أرشيف محلي

حوار الرياض بمن حضر... والحوثيون يناورون عسكرياً

شكّل اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد أمس في الرياض، وتصدره الملف اليمني، رسالة واضحة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بأن أفق الحوار معها مفتوح، في حال قبولها به، وفق الرسالة التي وجّهها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى السعودية، أي بالتراجع عن الانقلاب على مؤسسات الدولة.

في المقابل، حذرت دول مجلس التعاون، الحوثيين بأن لديها إمكانات لحماية حدودها وسيادتها، وذلك مع إعلان الجماعة أمس عن القيام بمناورات عسكرية "واسعة" على الحدود مع السعودية.

وتصدر موضوع اليمن اجتماع وزراء خارجية التعاون الخليجي في الرياض، أمس الخميس. وأعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية في ختامه، أن الحوار المقرر أن يرعاه المجلس، بناءً على دعوة من الرئيس اليمني، لا تستثني الدعوة إليه أيا من الأطراف اليمنية، بما في ذلك الحوثيون. وهي رسالة خليجية تفتح أفقاً أمام الحوثيين بالمشاركة السياسية، تكسر حاجز التصنيف لهم كجماعة "إرهابية"، حسب القائمة التي أعلنتها الرياض، وبعدها الإمارات، خلال العام الماضي.

ومثلما تكسر الدعوة الحصار الخليجي على الحوثي، فإنها في المقابل تستدرجه إلى طاولة حوار ترعاها الدول المعارضة لمشروع الحوثيين. وبالتالي، فإن مخرجات الحوار المقرر في الرياض قد لا تصب في خدمة انقلاب الجماعة، بقدر ما تضعها مكوناً سياسياً مثل بقية المكونات الأخرى. وهذا ما يعززه تصريح الأمين العام لمجلس التعاون، عبداللطيف الزياني، الذي كرر الأهداف الواردة في رسالة هادي للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، والتي تتضمن التمسك بالشرعية، وإعادة سيطرة الدولة اليمنية، وتسليم الأسلحة المنهوبة إليها، فضلاً عن المحافظة على أمن واستقرار اليمن.

ولم تعلن بعد كافة الأطراف اليمنية موقفها من الدعوة للحوار في الرياض. وكان ملحوظاً أن جماعة الحوثي تجنبت إعلان الرفض بموقف رسمي مباشر، على الرغم من أن تصريحات قيادة الجماعة كانت تؤدي إلى رفض الدعوة. من جهته، فقد تحفظ حزب "المؤتمر"، الذي يرأسه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، عن إبداء أي موقف رسمي رافض أو مرحب، ولا يزال يرفض الاعتراف بشرعية هادي.

وإزاء معطيات الواقع اليمني، فإن الأزمة لا تبدو في القبول بالحوار في الرياض من عدمه، بل في الواقع الميداني المرشح للتصعيد، في ظل غياب التوازن الضامن لتنفيذ أي تفاق.

وكانت جماعة الحوثيين قد استبقت انطلاق اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، بالإعلان أنها تستعد للقيام بمناورات عسكرية "واسعة" على الحدود مع السعودية. وحسب المصادر القريبة من الجماعة، فإن الحوثيين بدأوا منذ أيام استعدادات لمناورة عسكرية باستخدام مختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي سيطرت عليها الجماعة، وذلك في محافظة صعدة، معقل الجماعة، الواقع على الحدود مع السعودية، والتي دارت فيها ست حروب بين الحوثيين والقوات الحكومية بين عامي 2004 و2010، وشارك الجيش السعودي في الجولة الأخيرة منها ضد الحوثي أواخر عام 2009.

وأكد مصدر محلي في منطقة كتاف الحدودية مع السعودية لـ"العربي الجديد"، أن هناك انتشاراً مكثفاً للحوثيين بالآليات والأطقم والدبابات في منطقة "الوادي"، حيث بدأ الحوثيون بحشد قواتهم إليها منذ حو إلى أسبوع، وأشار إلى عدم وجود أي مناورة حتى عصر أمس الخميس.

ويمتلك الحوثيون ترسانة أسلحة سيطروا عليها من مخازن الجيش اليمني في المنطقة العسكرية السادسة، عبر مراحل، الأولى أثناء حروب صعدة، حين سيطروا على عشرات الدبابات والآليات، والثانية أثناء حروبهم التوسعية عام 2014، حين سيطروا على ترسانة اللواء 310 مدرع في عمران، وكذلك مخازن مقر قيادة المنطقة السادسة واللواء 314 مدرع في صنعاء، فضلاً عن وجود عدد من ألوية الجيش التي كانت مرابطة في صعدة، وأصبحت في حكم المُحاصرة، أو المُسيطرة عليها من قبل الحوثيين.

وكان لافتاً أن الحوثيين كانوا ينقلون أي أسلحة يسيطرون عليها، إلى محافظة صعدة معقل الجماعة ومنشأ الحركة، على الرغم من كونهم باتوا متحكمين في العاصمة صنعاء ومدن أخرى، ولا يضيرهم بقاء الأسلحة في المدن التي سيطروا عليها.

وهناك من لا يستبعد أن مناورات الحوثيين المزمعة في صعدة على الحدود مع السعودية، تهدف إلى التغطية على تحضيرات يعدونها لحرب في مناطق يمنية بعيدة عن الحدود، سواء في محافظة مأرب النفطية وسط البلاد، التي استعصت على توسعهم فيها حتى الآن، أو في محافظة عدن جنوب البلاد، معقل هادي التي تشهد تمرداً لقائد قوات الأمن الخاصة المحسوب على الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح.

وسبق هذا التطور، تصعيد مباشر في خطاب الحوثيين ضد السعودية، بعد فشل سياساتهم طوال العامين الماضين بتطمين الرياض التي تعتبرهم ذراعاً لإيران في خاصرتها الجنوبية، وتدرجهم ضمن لائحة الجماعات الإرهابية. وقد انتهت فترة المحاولات الحوثية لطمأنة السعودية بعد مغادرة هادي صنعاء إلى عدن، وهي الخطوة التي لاقت دعم الرياض، إذ ظهر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بعدها بخطاب وجّه فيه اتهامات مباشرة للمملكة بدعم التخريب و"القاعدة" في البلاد.

من جهة أخرى، ومهما كان حجم الترسانة المسلحة التي يمتلكها الحوثيون، يرى مراقبون أنها لا تؤهلهم لمواجهة الجيش السعودي أو استدراجه إلى مواجهة، خصوصاً أن جبهتهم الداخلية ليست على ما يرام، وما يزال وجودهم مهدداً في المحافظات التي توسّعوا فيها.

ويشير الباحث في شؤون النزاعات المسلحة، علي الذهب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن عزم الجماعة إجراء مناورة في صعدة على الحدود مع السعودية "يأتي بالتزامن مع تسريبات تشير إلى وجود نشاط حثيث لاستكمال تجهيز وافتتاح مطارها الذي قد يهيأ لأن يحوي مهابط ومدارج للطائرات الحربية المختلفة".

ويعتبر الذهب أن "المتتبع لهذه الأخبار يجزم بأنها في إطار التوظيف الإعلامي من قبل الحوثيين الذي يحمل رسائل معينة للسعودية تندرج في إطار الحرب النفسية للتأثير على موقفها تجاه هادي؛ لأن مثل هذه الأعمال جاءت كردة فعل لذلك الموقف، وليست ضمن الخطط التدريبية المقررة سلفاً من قِبل وزارة الدفاع". ويرى أنه "لا يمكن للحوثيين القيام بأي عمل عسكري، في الوقت الراهن، من شأنه المساس بسيادة وأمن السعودية، لاعتبارات داخلية وخارجية، وخصوصاً ما يتصل بوضع الجيش، كما أن الحوثيين يدركون فداحة ذلك على مستقبلهم".

زر الذهاب إلى الأعلى