تتركز الكثافة السكانية في اليمن في مناطق المرتفعات الوسطى والشمالية، لا سيّما الأرياف. ويتوزّع اليمنيون في الجبال والمرتفعات حيث السهول مناسبة للزراعة والرعي. لكن تنقل الناس بين القرى والمدن والأسواق ليس بالسهل، لا سيما مع الطرقات الوعرة في غالب الأحيان. وما يزيد من تعقيد التنقل هو عدم توفر وقود السيارات منذ بضعة أشهر، في حين راح الأمر يشتدّ سوءاً مع عمليات "عاصفة الحزم".
منذ بدء العمليات العسكرية في البلاد، تكثر طوابير السيارات أمام محطات المحروقات في ريف محافظة حجة (123 كيلومتراً شمال غرب صنعاء)، في انتظار تأمين البنزين والديزل والغاز بعد انقطاع. عبد الكريم إسماعيل تاجر خضار وفواكه، ينتقل يوماً بعد يوم مع ابنه البكر من قريته البعيدة إلى مركز المحافظة ليشتري بضائعه من سوق المدينة. لكن في المرة الأخيرة، عاد وحده إلى قريته. ويخبر أن ابنه الكبير بقي في مدينة حجة ينتظر دوره أمام إحدى محطات المحروقات منذ أكثر من أسبوعين، لكن بلا فائدة. يضيف: "وقد تكلفت حتى اليوم أكثر من 23 ألف ريال يمني (107 دولارات أميركية) على ابني المضطر إلى البقاء هناك"، مشيراً إلى أنه لا يستطيع إعادة السيارة إلى القرية لأنها خالية من الوقود كلياً. وهو يكتفي اليوم ببيع التمر لأهالي القرية شأنه شأن عدد كبير من تجار القرى المجاورة.
خالد الأشول وهو أحد سكان المحويت المعروفة بجبالها الشاهقة، متوقف عن العمل. فدراجته النارية خالية من الوقود منذ بدء "عاصفة الحزم". بالنسبة إليه، "انقطاع الوقود يشلّ المدينة حيث يعيش. فيشعر الأهالي بالعزلة والمعاناة في مناطقهم وقراهم في أعالي جبال المحويت. هم لا يستطيعون الخروج منها بسبب عدم توفر الوقود، وهذا يعطل مصالحهم".
يقول: "يقتضي عملي توصيل الأفراد بدراجتي النارية في مقابل أجر. وهذا الأجر بالكاد يساعدني على تلبية احتياجات أسرتي. لكن ومنذ انقطاع الوقود كلياً قبل أسبوعين، أصبحت عاجزاً عن توفير أي شيء لأطفالي الأربعة. لذا نأكل الخبز مع ما توفّره لنا الأغنام من حليب".
أما علي أبو حروب وهو مدرّس حكوميّ، فيعجز عن الالتحاق بمقرّ عمله لتوقّف المواصلات العامة. يقول: "منذ أسبوع وأنا متغيّب عن المدرسة. ما من سيارات توصلني إلى المدينة. وهذا أمر يسبّب تأخري في تقديم المنهج الدراسي للتلاميذ". ويوضح أن السبب نفسه يمنع بعض التلاميذ من الالتحاق بمدارسهم التي قد تكون بعيدة وتحتاج إلى وسائل مواصلات.
وفي السياق، يعجز أهالي القرى في أعالي جبال محافظة ذمار (مائة كيلومتر جنوب العاصمة) عن إرسال مرضاهم إلى مستشفيات العاصمة في هذه الأيام بسبب تعطّل حركة المواصلات.
من جهته، يعجز عبد الله محمد عن السفر إلى صنعاء بسبب ندرة الوقود، مشيراً إلى أن من يتوفّر لديهم الوقود، يطالبون بمبالغ كبيرة تصل إلى 10 آلاف ريال يمني (50 دولاراً) في مقابل نقل السكان من جبال عتمة إلى صنعاء.
إلى ذلك، يلفت الحاج عبد القادر إلى أن سكان الجبال لم يعودوا أشداء كما كانوا من السابق، وهم يتكاسلون بسبب وسائل المواصلات الحديثة مثل السيارات المختلفة والدراجات النارية. ويقول إنهم قديماً كانوا يتنقلون بين القرى والتجمعات السكانية من أعالي جبل إلى أخرى سيراً على الأقدام أو على ظهور الحمير. يضيف: "أما الآن، فبمجرّد انقطاع الديزل والبنزين والغاز، يعزل أبناء القرية أنفسهم في مساكنهم، ولا يخرجون من القرية".
ويكثر في المناطق الجبلية استخدام السيارات القديمة نسبياً وذات الدفع الرباعي القادرة على السير في الجبال والطرقات الوعرة، وهي سيارات في الغالب تستهلك كثيراً من الوقود. أما الفقراء فيستخدمون الدراجات النارية، نظراً لأسعارها المقبولة واستهلاكها المعقول للوقود. كذلك هي تشكّل إحدى وسائل كسب الرزق بالنسبة إليهم.
68% من اليمنيّين من سكان المرتفعات
تعدّ الجبال اليمنيّة الأكثر ارتفاعاً بين جبال شبه الجزيرة العربية، بمتوسّط ألفَي متر. أما قمة جبل النبي شعيب فتصل إلى ثلاثة آلاف و500 متر، وهي أعلى قمم شبه الجزيرة العربيّة. وتقدّر نسبة اليمنيين الذي يسكنون الجبال الشاهقة 68.3%، وهم يتوزّعون في محافظات صنعاء والمحويت وحجة وعمران وريمة وإب وذمار وصعدة، وكذلك في أجزاء من محافظة تعز والضالع والجوف.