تحت حرارة شمس الظهيرة وجدنا الطفلة شيماء(7 أعوام) وهي تقف في طابور طويل، في انتظار أن يأتي دورها لتعبئة قارورة المياه، 5 لترات، من أحد آبار المياه الجوفية، والتي قرر صاحبها السماح لسكان حي المسبح، وسط مدينة تعز، بأخذ ما يحتاجونه بعد أن ضاقت بهم السبل.
"كل مشكلة في المدينة اليوم تؤدي إلى سيل من المشكلات العويصة، بدءاً من أزمة البنزين، التي نتج عنها توقف البوابير التي تساعد الناس في توفير ونقل المياه من مصادر المياه الجوفية بنسبة أكثر من 70 في المائة"، قال مصدر في مؤسسة المياه في المحافظة لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن مضخات الآبار توقفت عن التشغيل نتيجة اختفاء الديزل إلى جانب ما كان يصلهم من مشروع المياه الحكومي.
وارتفعت خلال اليومين الأخيرين موجة نزوح آلاف من سكان محافظة تعز هرباً من أصوات الضربات والمواجهات العسكرية، التي تندلع في أغلب الشوارع والأحياء السكنية، مما أدى إلى قطعها وإغلاق المنافذ والطرق في وجه النازحين.
الأستاذة نجوى محمد، موظفة في إحدى المدارس الأهلية، وتسكن مع عائلتها في منطقة المطار بالقرب من المواجهات، تتحدث عن معاناة الحصار فتقول:"أشعر بأن الموت أهون لنا، وأدعو أن نموت برصاصة أو قذيفة، أفضل من موتنا ألف مرة خلال اليوم الواحد". وتتابع: " نريد الانتقال إلى ذمار (جنوب العاصمة صنعاء) ولكننا لم نجد منذ يومين وسيلة مواصلات، وحتى فقدنا التواصل بأهلنا بسبب انطفاء هواتفنا المحمولة".
بقية الأسر، التي حالفها حظ النزوح من تعز إلى المناطق الريفية، تغادر عبر طرق فرعية بعيداً عن الطرق الرئيسية ومحيط المداخل الغربية للمدينة، والتي تتفرع منها الطرق المؤدية إلى بقية المديريات وتدور فيها حرب شوارع.
أما سائقو السيارات الخاصة، الذين يقلون النازحين، فقد أكدوا ل "العربي الجديد"، أنهم يشترون كل 20 ليتراً من البنزين بما يقارب 130 دولاراً أميركياً (30 ألف ريال يمني)، لذلك أصبح الراكب الواحد يدفع ثلاثة أضعاف ما كان يدفعه في الفترات الماضية.
الحياة في الأرياف
لا يعني نزوح المواطنين إلى مناطق الأرياف أنهم قد ضمنوا الأمان، فمحمد عبد الله عاد مع أسرته إلى منزل والده الصغير، الذي لم يعد يتسع لإقامة الجميع، خصوصاً بعد زواج بقية أخوته.
"حرب من الأرض وحصار من السماء. ستنفرج يا ابني" بهذا تحاول أم محمد طمأنة زوجة ولدها بعد وصولها وتبادل الحديث عن معاناة النزوح، حيث تخبرها بأنهم أيضاً في القرية يعانون مثلهم، في انحسار موسم الأمطار، بعد أن استهلكوا ما لديهم في خزان المياه خلال الشتاء، وانقطاع الكهرباء منذ أكثر من أسبوع.
بحسب محمد، فإن والدته أخبرته بأنها كانت تنوي الانتقال إليه من أجل العلاج في تعز، مما جعله يشعر بالقلق من أن يشتد عليها المرض، لكن دعاء والده، الذي يحرص على صلاة الاستسقاء، يجعله يشعر بالتفاؤل قليلاً.
ولا يستوعب توفيق الشرعبي - سائق سيارة أجرة - كيف انقلبت موازين الأمور، حيث أصبح المواطنون في الريف هذه الأيام يرسلون معه أكياس الدقيق إلى أهاليهم، الذين لا يزالون في تعز المدينة، نتيجة اختفائه تماماً من المحال التجارية، والتي أغلقت.
مخاوف من تفاقم الأزمة
يؤكد الخبير الاقتصادي في جامعة تعز، الدكتور محمد قحطان، أن الناس يعيشون في حالة هلع دائم وحرب بأدوات مختلفة، معتبراً أنه في حال استمرت الحرب أسبوعاً إضافياً في المدينة، فإنها ستكون مهددة بكارثة إنسانية أشد مرارة وأكثر خطورة من الأزمة المماثلة في المحافظات الأخرى، خصوصا أن تعز تعتبر المحافظة الأولى من حيث الكثافة السكانية(15 في المائة من إجمالي السكان).
ويشير الدكتور قحطان إلى أن الأنشطة الاقتصادية توقفت في كل المرافق الحكومية والخاصة، وأن الوضع في غاية السوء، والتدهور يزداد كل يوم نتيجة نفاد المواد الغذائية والخدمات الرئيسية، معرباً عن أمله في" الإسراع بإغاثة المواطنين في تعز، خصوصاً في ما يتعلق بالخدمات الرئيسية لدى بعض المستشفيات التي استنفدت كامل احتياطاتها، ومنها مستشفى الثورة الحكومي والذي أصبحت الأجهزة الخاصة بغسيل الكلى فيه مهددة بالتوقف في أية لحظة، مما يعني أن حياة العشرات من المرضى في خطر.
من جهته، يوضح الدكتور، معين عبد الملك سعيد، أنه "ما لم تتم معالجة الوضع الاقتصادي والأمن الغذائي، ستضرب البلد، من دون شك، مجاعة مروّعة"، مشدداً على "ضرورة تأمين خط لوجيستي فعّال بريًّا وبحريًّا، والتنسيق مع شركات الشحن لتأمين سلامة وصول الشحنات الغذائية، كونها ترفض توصيل ونقل الشحنات إلى اليمن، مما تسبب في انعدام وشحّ المواد الغذائية والتموينية في السوق الاستهلاكية داخل اليمن".
وكان خالد بحّاح، نائب الرئيس اليمني، قد أعلن في مؤتمر صحافي عقده في الرياض، يوم أمس، أن حكومة يمنية مصغّرة ستمارس مهامها، بشكل مؤقت، من العاصمة السعودية الرياض، داعياً إلى "تدخل دولي وإقليمي عاجل لتوفير المتطلبات الأساسية للشعب اليمني، الذي بدأ يعاني من أوضاع إنسانية صعبة، قبل أن تتفاقم الأزمة وتصل إلى مستوى الكارثة الإنسانية المحققة"، حسب وصف بحّاح.