arpo28

أزمة في الأسواق اليمنية

لم تترك الحرب الأخيرة في اليمن فئة من فئات المجتمع إلا وطالتها. التجار الكبار والصغار وكذلك الباعة المتجولون، من هؤلاء الذين تضرروا من جرّاء الأزمة المرافقة لعمليات "عاصفة الحزم" ولعلمية "إعادة البناء" التي تلتها.

كثيرون هم أصحاب المحال التجارية الصغيرة الذين يعتمدون على ما يبيعونه يومياً لتوفير حاجيات أسرهم، وهؤلاء الذين لا يبيعون السلع الأساسيّة هم أكثر المتضررين. فالمواطنون يحجمون عن شراء كل ما يعدّ من الكماليات في هذه الأيام، حتى الملابس.

أمام محله في شارع هائل في العاصمة صنعاء، يقضي محمد عبد الباري معظم ساعات نهاره على مقعده الخشبي، وهو يلعب بهاتفه النقال ويراقب المارة، لعلّهم يقصدونه لشراء هدية أو قارورة عطر. يقول: "أبيع إكسسوارات النساء والعطور وأدوات التبرّج، لكن الحرب أبعدت عنا الزبائن بعدما كانت الحركة نشطة عندنا". ويشير إلى أن هذا المحل الصغير هو مصدر دخله الوحيد، وهو اليوم يراكم الخسائر.

يأسف عبد الباري لأنه اضطر إلى التخلّي عن العامل الذي كان يساعده، بعدما عجز عن توفير مرتّبه الشهري. ويقول: "العامل يعاني وعائلته من أوضاع معيشية سيئة. هو أب لطفلة لكنه يعجز عن توفير مأكله ومشربه من دون مساعدة بعض الأصدقاء والمعارف. لذا يمكنني القول إن وضعي المعيشي مقبول ومستقر إلى حد ما، بالمقارنة مع وضعه". لكن عبد الباري اليوم بالكاد يستطيع توفير قوت أسرته المكوّنة من سبعة أفراد. يضيف: "أنفق مما كنت أدخره في الماضي. وقد شارف ما ادخرته على الانتهاء". ويشير إلى أنه في كثير من الأحيان لا يفتح محله، نتيجة تراجع كبير في حركة شارع هائل، هذا السوق التجاري الذي اشتهر سابقاً بكثرة المتسوقين لا سيّما النساء.

من جهته، اضطر سمير الكوكباني إلى التوقف عن العمل كبائع متجوّل، بعدما تراجعت قدرة معظم السكان الشرائية، بحسب ما يقول. هو اعتاد التنقّل في الأرياف لبيع بضائع مختلفة من قبيل الحلويات وأدوات الخياطة والحلاقة، "لكن مثل هذا العمل لم يعد مجدياً، نظراً لتراجع الناس عن شراء بضاعتنا أو لشرائهم البضائع عن طريق الدين". ويلفت إلى أن الحرب أجبرت الناس على التريّث في إنفاقهم أموالهم، لمواجهة أي حالات طارئة، ولشراء المواد الغذائية والمحروقات التي تعدّ أولوية بالنسبة إليهم.

يضيف الكوكباني أنه "مع بداية عمليات عاصفة الحزم، رحت كعادتي أقصد مناطق ريفية مختلفة لتسويق بضائعي. لكنني كنت في كل مرة أعود إلى مقر سكني في العاصمة من دون بيع أي شيء. فعدت واستقررت في قريتي في منطقة كوكبان غرب صنعاء".

سمية الجرادي تعمل في مجال حياكة أحزمة "الجنابي" التي يضعها اليمنيّون حول خصورهم، لتثبيت الخنجر اليمني في مقدمتها. هي أيضاً تعاني اليوم. فالتجار الذين كانوا لسنوات يشترون ما تحيكه، توقفوا أخيراً عن التعامل معها بسبب تراجع المبيعات. تقول: "اضطررت إلى بيع ما أملك من ذهب على الرغم من أسعاره المتدنية في السوق، حتى أتمكن من توفير المال لمساعدة زوجي العاطل من العمل منذ بدء الحرب".

في هذا السياق، يحذّر مصدر مسؤول في وزارة الشوؤن الاجتماعية والعمل اليمنية، من استمرار الحرب والحصار المطبق على المنافذ البرية والبحرية والجوية. ويشير إلى أن الحرب تزيد من نسبة البطالة ومن أعداد الفقراء في اليمن، "فكثيرون فقدوا أعمالهم بسبب الحرب والمواجهات المسلحة في أكثر من منطقة. واستمرار الأوضاع على هذه الحال من شأنه أن يؤدي باليمن إلى كارثة على مختلف المستويات". ويؤكد أن "باعة الكماليات هم من أكثر التجار تضرراً، إذ الناس بمعظمهم يتجهون إلى شراء المواد الغذائية والسلع الضرورية حصراً، ويهملون تلك التي تعدّ ترفاً بما فيها الملابس والأثاث المنزلي".

61% من اليمنيّين بحاجة إلى مساعدة

في آخر بياناتها، أشارت الأمم المتحدة إلى أن أعداد اليمنيين المحتاجين إلى مساعدات إنسانيّة ارتفع إلى نحو 16 مليون يمني، أي ما نسبته 61% من مجموع السكان البالغ عددهم 26 مليون نسمة. وقد دعا منسق الشؤون الإنسانية الخاصة باليمن يوهانس فان دير كلاو أطراف الصراع إلى وقف الحرب سريعاً، من أجل إعادة الحياة إلى البلاد والسيطرة على الأزمة المتفاقمة التي تؤثر على حياة الناس صحياً واقتصادياً.

زر الذهاب إلى الأعلى