باتت معاقل الصوفية في حضرموت، شرقي اليمن، هدفاً جديداً لمسلحي تنظيم القاعدة الذي يسيطر على مدينة المكلا عاصمة المحافظة منذ الثاني من أبريل/نيسان الماضي.
وتصاعدت وتيرة استهداف معاقل وأضرحة دينية يرتادها متصوّفو حضرموت من قبل القاعدة بشكل لافت خلال الأيام الماضية، ما يجعل استقرار حضرموت النسبي على المحك، ويضع التعايش الذي تعرف به المحافظة أمام امتحان صعب.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فقد أعلن أحد عناصر التنظيم في محاضرة له، عزم التنظيم هدم معاقل للصوفية، وحثّ على المشاركة في هذه العملية، من خلال تجنيد متطوعين لها. في هذا الاتجاه، قام مسلحون من التنظيم منتصف يونيو/حزيران الفائت، باقتحام فعالية "حضرة" التي تقام كل عام في أحد الأربطة الدينية التابعة للصوفية، كما أغلق التنظيم ضريحي "المحجوب وبازرعه" المشهورين، واللذين يرتادهما المتصوفون ويعود تاريخهما إلى مئات السنين.
وفي مدينة الشحر، والتي تقع على بعد 62 كيلومتراً شرق المكلا، يوضح مصدر محلي لـ"العربي الجديد"، إلى أن مسلحين مجهولين فجّروا يوم الأحد ضريحاً قديماً لشخص يدعى حمد بن صالح. وفي حين يعتبر تنظيم القاعدة أن هذه "القباب والأضرحة" تدعو إلى البدع والشرك، يرى محللون أنّ استهداف هذه الرموز التاريخية سيدخل المحافظة في أتون الصراع المذهبي.
وتنتشر في محافظة حضرموت، خصوصاً في كل من المكلا وسيئون وتريم، مئات الأضرحة التي تعود إلى رموز وعلماء دين، وتقام حولها فعاليات خاصة، وبقيت لمئات السنين من دون أن تتعرض لأي سوء. ويعيد استهداف الأضرحة والرموز الدينية في المكلا إلى الذاكرة، ما يقوم به (تنظيم الدولة الإسلامية) "داعش" في العراق وسورية من استهداف للآثار التاريخية والتماثيل التي تعود لشخصيات كبيرة.
في هذا الإطار، اغتال مسلحون مجهولون في 19 يونيو/حزيران الفائت، إمام جامع الحزم في مدينة شبام شرقي المحافظة، الشيخ حسين عبد البارئ العيدروس، وهو متصوّف، وذلك قبيل توجّهه لأداء صلاة التراويح، لكن لم تتبنّ أي جهة مسؤوليتها عن العملية. ولم تعلن أية جهة أو مؤسسة تعليمية تابعة للصوفية موقفها من هذه الأعمال، مكتفية بالصمت حيال ما يقوم به عناصر التنظيم.
متصوفو حضرموت يفضّلون، بحسب الشواهد التاريخية، الابتعاد عن الحديث السياسي، ويحذرون غالباً من المشاركة في الفعاليات السياسية وينأون بأنفسهم تجاه أي موقف. فظاهرة هدم معالم الصوفية ليس بجديد بالنسبة للقاعدة، إذ قام بهدم معالم صوفية أثناء سيطرته على مدينتي أبين وشبوة عام 2011، ما يفصل الحدث عن أي صراع سياسي بقدر ما يأخذ بُعداً دينياً بحتاً بحسب معتقداته، لذلك سيعمد القاعدة إلى نسف معالم صوفية أكثر في حضرموت، خلال الأيام المقبلة، بحسب ما يرى مراقبون.
واستنكر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، إقدام القاعدة على إغلاق الأضرحة والمعاقل الصوفية، محذرين من فتنة طائفية تجتاح المحافظة. وتتوقع مصادر سياسية في حديثها لـ"العربي الجديد" أن تسهم هذه الأعمال التي يقوم بها التنظيم في إدخال المحافظة في فوضى طائفية، وتعمل على تفتيت المجتمع، في ظلّ هذا الظرف الذي تمر بها البلاد. وتشير المصادر إلى أن تبعات هذه التطورات ستكون كارثية على المحافظة التي بقيت لسنوات طويلة يسودها التعايش، خصوصاً أن الصوفية يعتنقها عدد كبير من أبناء المحافظة.
وتبيّن المصادر أن هذه العمليات ستؤثر على هدوء محافظة حضرموت النسبي مقارنة ببقية المحافظات، غير أن بعض المحللين استبعدوا حدوث مواجهة حقيقية، باعتبار أنّ القوة حالياً تميل لصالح تنظيم القاعدة.