يبدو أن تصريحات رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، حول عزمه على استخدام كافة الصلاحيات التي منحها الدستور لرئاسة الجمهورية قد تحققت، إذ قام أردوغان، يوم الإثنين، باستخدام آخر صلاحيات رئيس الجمهورية الموجودة في البندين 104 و116 في الدستور والتي لم يستخدمها أي رئيس جمهورية قبله، عبر دعوته، يوم الإثنين، إلى إعادة الانتخابات وتشكيل الحكومة المؤقتة.
وأعلنت رئاسة الجمهورية، في بيان لها يوم الإثنين، عن الدعوة إلى إعادة الانتخابات البرلمانية، إثر اللقاء الذي جمع أردوغان مع رئيس البرلمان التركي عصمت يلماز. وبررت رئاسة الجمهورية الخطوة بالقول إنها تأتي "بعد فشل التشكيلة البرلمانية التي أفرزتها انتخابات يونيو/حزيران الماضي، بالتوصل إلى تشكيل الائتلاف الحكومي"، لكن هذا الخيار لا يبدو أنه سيكون سهلاً.
وبعد رفض حزب العدالة والتنمية حتى فكرة تشكيل الائتلاف الحكومي مع غريمه حزب الشعوب الديمقراطي (ذي الغالبية الكردية) سيكون عليه هذه المرة التشارك معه في الحكومة المؤقتة، بعدما كان صعود الأخير سبباً رئيسياً في خسارة العدالة والتنمية للأغلبية البرلمانية التي أتاحت له التفرد بالحكم لما يقارب 13 عاماً.
وبحسب الدستور، فإنه يحق للرئيس التركي الدعوة إلى تشكيل الحكومة المؤقتة، وإعادة الانتخابات في حال فشلت الأحزاب السياسية بتشكيل الحكومة خلال مدة 45 يوماً من تاريخ انتخاب مجلس رئاسة البرلمان. وهي المدة التي انتهت يوم الإثنين، إثر فشل رئيس الحكومة الانتقالية، زعيم العدالة والتنمية، أحمد داود أوغلو، في تشكيل الائتلاف الحكومي وإعادته التكليف لرئاسة الجمهورية، بعد أكثر من شهر من المفاوضات مع حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، وأيضاً بعد رفض العدالة والتنمية للشروط التي وضعها حزب الحركة القومية (يميني متطرف).
ويجري توزيع حقائب الحكومة المؤقتة على الأحزاب البرلمانية بحسب حصتها من مقاعد البرلمان، على أن تكون كل من وزارة الاتصالات والداخلية والعدل من حصة المستقلين، ولا تخضع الحكومة إلى تصويت الثقة. كما لا تمتلك الأحزاب سوى حق الرفض أو الانسحاب من المشاركة، ليتم منح حقائبها لمستقلين من داخل أو خارج البرلمان.
وبما أن الدستور لا يضع قواعد لطريقة توزيع الحقائب البرلمانية، فقد أعلن داود أوغلو، المكلف بتشكيل الحكومة المؤقتة، أنه سيتواصل مع نواب من أحزاب االمعارضة الثلاثة في البرلمان بشكل مباشر، من دون المرور برئاسات الأحزاب، إذ من غير المرجح أن يقبل أي من نواب الحركة القومية والشعب الجمهوري أي مناصب وزارية بعد إعلان الحزبين عدم مشاركتهما في الحكومة.
كما سيقطع داود أوغلو بذلك الطريق على الشعوب الديمقراطي للقيام بأي ترشيحات للمناصب الوزارية، إذ من المرجح أن يتم التواصل مع نواب بعيدين عن الجناح اليساري المتشدد أو جناح العمال الكردستاني في الحزب، من أولئك الذين تم ترشيحهم لأسباب عشائرية أو من البروقراطيين السابقين أو من البراغماتيين الذين لهم باع في العمل السياسي ممن كانوا في أحزاب أخرى قبل الانضمام للشعوب الديمقراطي.
ويرى العدالة والتنمية ومؤسسه أردوغان، في إعادة الانتخابات، المتوقعة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فرصة لاستعادة الغالبية الكافية للتفرد بالحكم، ولا سيما أنّ ما ينقصه الآن هو 18 مقعداً.
كما يراها فرصة لإعادة المحاولة وإحياء حلم التحول نحو النظام الرئاسي. وهو الأمر الذي لم يخفه أردوغان ولا حتى قيادات العدالة والتنمية في خطاباتهم، لكن هذ الحلم لا يبدو قريب المنال.
ستكون الحملة الانتخابية على أشدها هذه المرة، وبالذات حملة "العدالة والتنمية"، ولا سيما أنّ معظم استطلاعات الرأي تشير حتى الآن إلى أنه لن يكون هناك تغيير كبير في المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات الماضية. وتبدو فكرة استعادة "العدالة والتنمية" لليمين الكردي من الشعوب الديمقراطي بعيدة، الأمر الذي يؤكده لـ"العربي الجديد" فاروق أجار، رئيس شركة "أندي أر" لاستطلاعات الرأي.
ويوضح أجار أنّ "تجاوز الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية عبر حصوله على أصوات الناخبين التقليديين للعدالة والتنمية من الأكراد، وعلى الرغم من خسارته أخيراً للأصوات في الغرب التركي، إلا أنه وبحسب الأبحاث التي أجريناها أخيراً في جنوب شرق الأناضول، فإن الشعوب الديمقراطي يحتل المرتبة الأولى في 16 ولاية".
ووفقاً لأجار، فإنه "مقارنة بنتائج الانتخابات الماضية، فقد أضاف الشعوب الديمقراطي لرصيده في بعض المناطق بين ثلاث وأربع نقاط".
من جانب آخر، يبدو التعويل على أخذ أصوات من قاعدة حزب الحركة القومية، غير مُجدٍ لقلب النتائج، كما يؤكد أجار. وبحسب رئيس شركة "أندي أر" لاستطلاعات الرأي "لا نستطيع القول إنّ العدالة والتنمية استطاع الحصول على إعجاب القوميين الأتراك بعد الحملة العسكرية التي شنها على العمال الكردستاني، وبالتالي فلن يكون هناك انتقال كبير من الأصوات من الحركة القومية للعدالة والتنمية عبر اتخاذ سياسات أكثر قسوة "ضد الإرهاب"، لأنه مهما قست مقاربة العدالة والتنمية ستقوم الحركة القومية بالمزايدة عليه". ويضيف أجار "هذا الأمر خبرناه في الانتخابات السابقة عندما أعلن أردوغان عدم وجود قضية كردية ولم يغير ذلك من النتائج شيئاً".
حديث أجار عن مزايدة الحركة القومية على العدالة والتنمية ترافق مع إعلان نائب رئيس الحركة أوكتاي فورال، عن أحد هتافاته حزبه للانتخابات المقبلة، موجهاً كلامه لحزب العدالة والتنمية بالقول "أنت ترفض شروطنا لتشكيل الائتلاف الحكومي، وها أنت تشكل ائتلافاً مع الشعوب الديمقراطي"، في إشارة إلى مشاركة الأخير في الحكومة المؤقتة.
وفي مواجهة ذلك، يعمل "العدالة والتنمية" على محورين. الأول هو الدفع بقانون للبرلمان يتيح تحويل أصوات الناخبين الأتراك في الخارج إلى دائرة انتخابية مستقلة بـ15 نائباً، ويمنحهم حق التصويت في أي مكان خارج البلاد، إذ يصل تعداد الناخبين المسجلين من المغتربين 2,8 مليون ناخب، حصل "العدالة والتنمية" منهم في الانتخابات الأخيرة على 49 في المائة. وبناء عليه قد تؤمّن أصوات الخارج للحزب بين سبعة وثمانية مقاعد، ليلزمه 10 مقاعد أخرى للعودة والتفرد بالحكم.
أما المحور الثاني، وبحسب ما علمت "العربي الجديد"، فيتركز على إدخال تغييرات على قاعدة منع الترشح لأكثر من ثلاث دورات انتخابية، في مؤتمر الحزب المقبل المقرر في 12 سبتمبر/أيلول. أي أن الباب سيعود مفتوحاً لعودة ما يقارب 70 نائباً من مشايخ الحزب إلى الحياة السياسية من الذين انسحبوا في الانتخابات السابقة. ومن بينهم المؤسسون مثل نائبي رئيس الحزب بشير أتلاي ومحمد شاهين، فضلاً عن نائبي رئيس الوزراء كل من بولنت أرينج وعلي باباجان. كما سيسمح هذا التعديل لـ26 نائباً من المتواجدين حالياً بالترشح على الرغم من أنّ الدورة الحالية هي دورتهم الثالثة في البرلمان، من بينهم 7 وزراء أهمهم وزير المالية محمد شيمشك ووزير الصحة محمد مزين أوغلو.