بالضبط في الساعة الثانية عشر ودقيقة ظهرا من يوم الثلاثاء 20 يناير علق مسؤول العمال والخدم، مرشد البيت الأبيض صورة الرئيس الجديد باراك أوباما ، احتراما لتقاليد عقود طويلة من السنين وفي هذا التوقيت جرت العادة أن يتم تعليق الصورة وإنزال صورة الرئيس السابق ، ومن ثم وضعها إلى جانب صور لـ42 رئيسا دخلوا البيت البيض وخرجوا ، فعبر 56 حفل تنصيب رئيس ووداع رئيس ، تطورت رموز دخول وخروج الرؤساء الأميركيين باب البيت الأبيض بطوابقه الستة والتي لا يرى منها سوى ثلاثة ، والبيت الأبيض رمز الحكم الأميركي الباذخ ،
بنته عقليه بيضاء ولكن بأيادي وأجساد السود في 1792 وعندما أتى موعد الصبغ صبغوه باللون الأبيض وتركوا اللون الأسود حبرا لقلم يتخذ به الرؤساء القرارات التي كان بعضها مدمرا.
والبيت الأبيض هو المبنى الشديد البياض في الولايات المتحدة كلها، وقد بني على موقع عسكري لجيش الاتحاد الفيدرالي الذي دك بزعامة أبراهام لنكولن الانفصاليين الجنوبيين الذين أرادو تقسيم أميركا في حرب الأربع السنوات بين 1861 و1865 فيما عرف بالحرب الأهلية.
ويقول بعض الأميركيون أن بركات الرب المقصود به هنا المسيح عليه السلام حلت عليه لأن أول من سكنه وقف بباه يدعو الرب بالجود والبركات لهذا البيت ، ففي أحد أيام نوفمبر 1800 ميلادي عندما انتهت كل تشطيباته وقف ثاني رئيس في تاريخ أميركا جون أدامز كأول رئيس ينزل فيه عند مدخل الباب الرئيسي حاملا كتبه وفراشه وبطانياته ومخداته وكل (عفشه) و قبل أن يدخل رجليه، دعا الرب قائلا أيها الرب أدعو أن تمنح بركاتك لهذا البيت ولكل من يتعاقب على سكناه وامنح الحكمة والأمانة كل من يمارس الحكم تحت سقفه ، وقد نقش هذا الدعاء في لوح وعلق في مدخل صالة المآدب الكبرى للضيوف الذين يستقبلهم البيت الأبيض ولازالت معلقة إلى اليوم ،ولا أعرف مدى تقبل الرب كان لهذا الدعاء أو الصلاة فقد أحرق الإنجليز البيت الأبيض بعد اثنا عشر عاما من بنائه ،في حرب خاطفة مع الأميركيين ، ونتيجة لإحراقه أعيد ترميمه وفي إحدى زيارات توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق للبيت الأبيض في 2003 مازح الرئيس الأميركي جورج بوش قائلا آسف ياصديقي بوش أن أجدادي احرقوا هذا البيت الذي تستقبلني فيه الآن.
ومع كل رئيس جديد يدخل البيت الأبيض هناك رموز لم يتخلى الأميركيون عنها وتتجسد كلها في حفل التنصيب الذي يبدأ بالذهاب إلى الكنيسة وينتهي مساءا برقص وحفلة سكر خفيفة، مع أن كثير من الرؤساء الأميركيين لا يشربون الخمر ومنهم كان بوش التائب.
ولكن لماذا الثانية عشر ظهرا ودقيقة ، لوضع الصورة وليس قبل وخصوصا أن الرئيس السابق وهو بوش في هذه الحالة كان قد خرج منه بلا عودة الساعة الحادية عشرة مع أوباما زائرة الأخير والذي قدم للذهاب به إلى حفل تنصيبه (مثل مخرج الحريوة من بيتها إلى بيت آخر) ، ولكن بوش سيبقى رئيسا حتى الساعة الثانية عشر ظهرا، ومع أنه لم ينص الدستور على وضع صورة أو عدم وضعها، إلا أن هذه التصرف مرتبط باللحظة الزمنية التي يصبح بها الرئيس الجديد رئيسا حتى وإن لم يؤدي اليمين الدستورية، فالدستور الأميركي حدد على أن الرئيس الجديد يصبح رئيسا فعليا تمام الساعة الثانية عشر ظهرا من يوم 20 يناير حتى وإن لم يؤدي اليمين الدستوري، وهو ما حدث فقد تأخر أداء أوباما اليمين نحو 30 دقيقة عن الساعة الثانية عشر ظهرا ، بسبب تأخر في إجراءات حفل التنصيب ، والعمال في البيت الأبيض يعون أنه في منتصف يوم 20 يناير من كل أربع سنوات فقط إذ لم يجدد للرئيس فترتة الثانية يصبح لدى أميركا صورة رئيس جديد.
وبين الساعة الحادية عشر وحتى عودة الرئيس الجديد هناك ست ساعات يتم فيها حفل التنصيب في مبنى الكونغرس ، ويقوم خلالها 93 عاملا وخداما وكلهم عمال البيت البيض الدائمين في إخراج عفش الرئيس القديم وإدخال عفش الرئيس الجديد ، بالطبع العفش ليس سوى كتب وملابس وربما لعب أطفال إذا كان للرئيس السابق والقادم أطفال، ولا يسمح لأحد من أقرباء أو أعوان الرئيس السابق والقادم القيام بالمهمة للمتطلبات الأمنية، ومن ثم يتم شحن حاجيات الرئيس القديم على متن طائرة عسكرية يتم إرسالها إلى حيث يسكن، وفي نفس الوقت يتم في الكونغرس وعلى منصة يتم إعدادها خلال شهر قبل يوم 20 يناير يجري حفل التنصيب ، وله ثلاث محاور بالإضافة إلى حضور كل الرؤساء السابقين الأحياء وكل أعضاء الكونغرس، والمحاور الثلاثة هي وعظ ديني مسيحي ومن ثم قصيدة شعرية وقصيدة أخرى ومن ثم دعاء ديني مسيحي ، ويأتي دور رئيس المحكمة الدستورية العلياء فيطلب من الجميع الوقوف ويدعو الرئيس الجديد أن يردد بعده اليمين الدستورية، وبوضع يده على إنجيل قديم يعود لأي رئيس تاريخي كواشنطن ولنكولن وقد جرت العادة أن يحلف الرؤساء الجمهوريون على أناجيل للرؤساء الجمهوريون التاريخيون والديمقراطيون على الرؤساء الديمقراطيون التاريخيون ، أما أوباما فقد حلف على أنجيل للرئيس الجمهوري لنكولن محرر العبيد ، ويعود تاريخية إلى أكثر من مائتي عام وينتهي الحفل هنا بخطاب الرئيس الجديد، وينزل الرئيس الجديد درجات الكونغرس برفقة الرئيس القديم إلى مروحية (مارين ون) الخاصة بالرئيس والتي تنتظر خلف مبنى الكونغرس ، لتنقله إلى قاعدة اندروز في ضواحي واشنطن في رحلة تسمى (مهمة) ويصعد بعدها طائرة (إير فروس ون) الخاصة أيضا بالرئيس وتسمى الرحلة أيضا حينها (بمهمة 2800) ولا تسمى بمارين ون وإير فورس ون إلا إذا كان راكبها هو الرئيس الفعلي وبوش لم يعد رئيسا ، وهذه واحدة من رموز نقل السلطات يوم تسلم الرئيس الجد يد لها. ويتوجه الرئيس بعد حفلة غداء في الكونغرس إلى بنسلفانيا أفنيو الذي يقع عليه البيت البيض في موكب رئاسي يسير ببطء إلى البيت البيض.
ويتجه عند دخوله البيت الأبيض مباشرة إلى غرفة مكتبه الأوفل أوفس ثم يذهب مباشرة إلى مكتبه حيث يفتح لأول مرة الدرج الأعلى بحثا عن ورقة صغيرة تركها الرئيس السابق وهي أخر شيء في تقليد متعارف عليه يتركها الرئيس القديم للجديد وتتلخص الكلمات في التشجيع والنصيحة وحتى الآن لم يطلع احد على هذه الكلمات رغم هوس الصحفيين الأميركيين بمعرفة الأسرار و الوحيدة التي تم الإطلاع عليها كانت من رونالد ريغان لجورج بوش الأب في 1999 ولم يكتبها ريغان بل قال إن كل مافعله هو أن تسلمها من كارتر واحتفظ بها نفهسا وبعد ثمان سنوات وضعها في الدرج لبوش الأب وتقول الورقة " انتبه أن ينال منك الديك الرومي" ولم يعرف من كان يقصد كارتر بالديك الرومي أما بوش فقد كتب ورقة لكلينتون ، وعندما حان رحيل كلينتون من البيت الأبيض أرفقها بعد ثمان سنوات بورقة كتبها هو لبوش الابن ووضعهما في الدرج .
ومن رموز الحكم المكتب أو الدرج الذي يمارس من خلاله الرئيس الحكم ، فهناك خمسة مكاتب تاريخية فقط يتم استخدامها من قبل الرؤساء أشهرها مكتب يسمى (ريسولت ديسك) ويعود عمره إلى 1850 ميلادي وقد صمم من خشب سفينة بريطانية وهذا بالذات استخدمه كل رؤساء أميركا المشهورين منهم كنيدي وكارتر وبوش وكلينتون ويستخدمه حاليا أوباما ، كما أن الرئيس الأميركي هو الوحيد الذي لديه شعار مرسوم على الأدوات التي يستخدمها والطائرة والمروحية التي لا يطير إلا بهما ويرفرف في مكتبه وعلى سيارته الحربية التي تبدوا سيارة عادية ، ويمكن ملاحظة الشعار في ميكرفون الخطابة الذي ينقله معه الرئيس إلى كل مكان فهو لا يخطب إلا منه خارج أميركا بالذات.
ولمن لم يتمكن من زيارة البيت البيض فإنه يتكون من 132 غرفة و35 حماما و412 بابا و174 نافذة وثلاثة مصاعد ومسبح وصالة سينما صغيرة وخط واحد للعب البولينغ ومساحة ليست صغيرة مخصصة لممارسة رياضية الجري وصالة طعام كبرى ، وهو في الحقيقة عبارة عن مجمع سكني كبير يمارس الرئيس الحكم فيه من الجناح الغربي وفي هذا البيت أيضا يسكن مع عائلته ، ونسال الله الحكمة لكل من يسكنه.
حسن الأشموري
______________
إعلامي يماني قطر