ها أنا في عدن.. في سماء طيرمانة تطل على البحر والبر.. وضخيخ المدينة هادئ في مسمعي رغم صخبه، ذلك أن روحي تحتدم وصدري يجيش بأشياء من ضمنها سيرورة الأوجاع وانتصار الأشواق وغيبوبة المجتمعات وانكباح الرموز وتهافت الوجاهات.
من على ارتفاع مناسب أحاول تأمل الخيوط المتشابكة التي تؤكد في النهاية أن الفرد هو الأمة وأن القرية هي الشعب.. وأنك أنت مبتدئ الحكاية ومعقد التغيير..
وعموماً تحركني حبيش (بلدتي) في كل صوب.. بلدتي التي أرى فيها اختزالاً كثيفاً لواقع الوطن الكبير.. وفي الفترة الأخيرة انتابني شعور أشبه باليقين أنه إذا تغير حال حبيش تغيرت اليمن كلها.. ذلك أن تروس الحكاية ستتحرك في كل الأنحاء على ذات النسق..
أنت الشعب.. والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وعلى هذا الأساس يجب أن ينادي القادرون.. وفي كل منطقة –ولاشك- هنالك أكثر من قادر.
وبهذه النفسية تحرك صديقي المترع بجسارة الحب وعبق الفروسية الشيخ عبدربه قاسم العواضي ليصنع شيئاً ما لحبيش أجمل مما هو الآن.. وبسبب إقدامه لازلت أكتشف (معه) كل يوم إلى أي حدٍ نحن مقصرون مع أريافنا وأوجاعنا المستدامة..
هذه المرة اصطحبت معي الصديق المضيء الزميل عبدالرزاق الحطامي إلى أبين وعدن ليشاهد حجم الوجع الحبيشي ومقدار المروءة والطيبة والخذلان المقيم..
مشكلتهم أنهم مكافحون في كل أرجاء بلاد الله.. همهم اللقمة الحلال ومتعة النضال وحلاوة البناء.. سُمعتهم أينما حلوا أطيب من المسك.. مع هذا يتعرضون للإيذاء الدائم وهم أكثر الناس انسجاحاً مع قيم المدينة والسلام والعيش النظيف..
جئنا في حادثة مقتل تاجر الخضار أحمد علي محمد مصلح الحبيشي الذي قتل بشجار مع أفراد نجدة في نقطة حسان.. الجناة معترفون ومودعون في السجن وليس وراءهم مراكز نفوذ.. بالتالي لا مقارنة بينهما وقضية "الحامدي" في حراج 45 قبل 3 سنوات تقريباً ونهايتها مخزية.. وقبل ساعتين –أثناء الاجتماع العام- كان معنا الأخ مطيع الحبيشي الذي اختطف في خولان العام الماضي لأكثر من شهرين..
وللتو، اتصل بي للمرة العاشرة أحد أبناء حبيش يذكرني بالوثائق والقضية الخاصة بسوق "قاع العلفي" وبطلها قيادي مؤتمري في المجلس المحلي بمديرية التحرير والذي يضايق أبناء حبيش بألفاظ مناطقية ويتوعدهم بأن يعيدهم إلى بلادهم.. والقضية مؤلمة برمتها عدا الموقف الإنساني النبيل للأديب محمد الغربي عمران وكيل الأمانة الذي استهجن هذه اللغة المناطقية المقيتة ووقف إلى جانب الآمال بوطن ما بعد الثورة والوحدة..
الإنهماك في أوجاع حبيش علمني أن مشكلة المؤتمر الكبيرة (وهو الحاكم لهذه البلاد) أن قياداته لا يتناهون عن منكر فعلوه.. لهذا فهم معرضون للعنة السرمدية على لسان أكثر من مؤرخ.. المؤتمر همه أن يظل وحده حاكما دائماً ولو بالأشخاص السرق وعديمي الكفاءة والرؤية والضمير.. والمشترك يؤجل إصلاح البلاد إلى ما بعد صعوده للسلطة.. وكلهم بحاجة إلى "فرمتة"..
سلامي لأصحاب الكمبيوتر.. وإكباري العميق للاشتراكي لأن له جراحه الخاصة.. وحالياً هو ليس في موقع المساءلة..