أرشيف الرأي

إيران الدولة، تغييرٌ في الأنظمة وثباتٌ في السياسة والإستراتيجية

ابراهيم مهدي الفاخر

من الضروري والمفيد قراءة الأحداث والوقائع ضمن سياقها التسلسلي الزمني وارتباطها مع نظيراتها التي سبقتها في التاريخ والتي تلتها، بعيدا عن منطق القطيعة التاريخية والانفصال. ومن هذا الباب الكثير من المحللين للسياسة الإيرانية وعلاقتها مع العرب يرون من الضروري قرأتها وتحليلها ضمن منطق استمرارية سياسة الدولة الإيرانية من العهود القديمة إلى عهد الملالي.

و بغض النظر عن التقييمات الشخصية المؤدلجة وبعيدا عن الانسياق وراء العواطف والإحساسات والشعارات الحماسية. هذه قليل من الوقائع والحقائق السياسية من العهد القاجاري مرورا بالعهد البهلولي إلى مرحلة الملالي تتكلم عن اتجاه ومحتوى السياسة الإيرانية نحو العرب. وبعدها تبقى الأمة العربية هي الحكم وصاحبة قرار الفصل في تقييم مدى عدوانية السياسة الإيرانية أو العكس.

1 - في حقبة الحكم القاجاري في بلاد فارس
تم احتلال غالبية الساحل الشرقي من الخليج العربي، المتمثل بالعديد من الإمارات العربية في الجزء الجنوبي من بلاد الأحواز وذلك بمساعدة ودعم بريطاني ملموس. وهذه الإمارات هي إمارة القواسم احتلت سنة 1887 م ، إمارة المنصور احتلت في بدايات القرن العشرين، كما احتلت إمارة آل علي عام 1921 م ، إمارة المرازيق عام 1922 م وإمارة العبادلة عام 1923م. وهُجِر الكثير من الشعب العربي في الساحل الشرقي للخليج العربي إلى الساحل الغربي من هذا الخليج بغية تغيير الديموغرافية لبلاد الأحواز العربية وتفريس الساحل الشرقي للخليج العربي. ومارست الدولة الفارسية شتى أصناف الاضطهاد بحق الأحوازيين آنذاك.

2 – في العهد البهلوي(رضا خان وابنه محمد) استمرت السياسة الفارسية. وتم احتلال إمارة المحمرة الجزء الشمالي من بلاد الأحواز عام 1925 م بمؤامرة بريطانية إيرانية، وأيضا تم احتلال الجزر الإماراتية الثلاث عام 1971 م، وتدخلت إيران بالشأن الداخلي العراقي وقدمت الكثير من الدعم والمساعدات العسكرية والمادية لبعض المتمردين في العراق.

3 – في عهد الملالي لم تتغير سياسة الدولة الفارسية واستمر هذا النظام منفذا للمخططات والمشاريع التي خطتها العقلية الفارسية. وتمت إبادة الشعب العربي الأحوازي لمجرد إن هذا الشعب طالب بقليل من حقوقه، فذهب الكثير من الضحايا، الشهداء و الأسرى والمفقودين ناهيك عن الإعدامات العلنية بحق العرب في الشوارع وإشاعة الخوف والإرهاب بين المواطنين الأحوازيين التي تعبر عن مدى وحشية هذه الدولة وسياساتها.

ثم عملت إيران على تصدير الثورة للعرب متنكرة لسيادتهم ومتجاهلة لأنظمتهم الحاكمة. وشنت حربا ضروسا ضد العراق. ودامت هذه الحرب ثماني سنوات ذهب ضحيتها أكثر من مليون قتيل وخسائر مادية تقدر 1.19 تريليون دولار أميركي التي ترتبت على الطرفين وإعاقة مسيرة التقدم الصناعي عند الدولتين والكثير من الخسائر الأخرى التي لا تعد ولا تحصى. وتعاونت إيران، مع أميركا وسهلت احتلال العراق وذلك باعتراف نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي ابطحي عند ما قال لو لا التعاون الإيراني لما سقطت بغداد وكابول بهذه السهولة. كما إنها اليوم وبشهادة الكثير تعتبر شريكا لأميركا في احتلال العراق وأيضا تعتبر محتلة للعراق ثقافيا وأيدلوجيا واقتصاديا. وأثارت الفوضى وأشعلت الفتن الطائفة بين أبناء الشعب العربي العراقي و طمست كل ما يمت للهوية العربية بصلة. ومارست عملية اغتيال العقول والكفاءات والطاقات والكوادر العلمية والفكرية والعسكرية في العراق.

وكثفت إيران من دعمها لبعض الأحزاب الطائفية والمنظمات والمؤسسات داخل الوطن العربي على حساب دولها العربية ومدتهم بالدعم العسكري والمالي والإعلامي والمعنوي. والساحة اللبنانية واليمنية والبحرينية والعراقية تشهد بذلك.

شنت إيران وأذنابها حربا نفسية وإعلامية ضد الدول العربية. فسيرت مظاهرات واسعة ضد مصر ودعت فيها إلى إعدام الرئيس المصري حسني مبارك. وتنكرت لحق الإمارات العربية المتحدة باستعادة جزرها واعتبرت الإمارات العربية المتحدة محمية الإيرانية في السابق واعتبرت المطالبة الإماراتية بالتفاوض حول مصير الجزر المحتلة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، بالمطالبة الوقحة. وأيضا حذرت من المطالبات الإماراتية المستمرة بالجزر التي من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حرب بين إيران والإمارات حسب المسؤولين الفرس مذكرة الأذهان بحربها مع العراق.

و في عام 2007 م كتب حسين شريعتمداي مستشار المرشد الأعلى (خامنئي) ورئيس تحرير جريدة كيهان شبه الرسمية المحسوبة على تيار المحافظين (إن البحرين محافظة من محافظات إيران وإن البحرينيين يطالبون بعودة الجزيرة لوطنها الأم أي إلى بلاد فارس). وأيضا داريوش قنبري أحد البرلمانيين الإيرانيين قال ( إن البحرين قد کانت قبل 40 عاما أرضا إيرانية وانفصلت عن إيران عن طريق استفتاء مشبوه، وإذا ما اجري اليوم استفتاء نزيه في البحرين فإن شعبها سيصوت للانضمام إلى الوطن الأم). و رئيس مكتب التفتيش العام في مكتب المرشد الأعلى ادعى بتبعية البحرين التاريخية لإيران واصفا البحرين (كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشر و كان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني).

وعلى عكس رأي البعض الذين يحاولون تبرير هذه التصريحات الإيرانية والتقليل من أهميتها باعتبارها مواقف فردية لا تحسب على النظام الإيراني الرسمي، إن جميع هذه المواقف والتصرفات الإيرانية صدرت من شخصيات سياسية صاحبة مكانة ضمن المعادلة السياسية الإيرانية ولها تأثيرها على القرار الرسمي الإيراني فلا يمكن المرور عليها وتركتها دون الوقوف عندها وتمحصها لكشف نوايا إيران السياسية تجاه العرب.

إن الكثير من المحللين والمراقبين للوضع العربي يرون في هذه الوقائع والحقائق منذ العهود القديمة مرورا بالعهد القاجاري إلى عهد الملالي، هي الخطوط العريضة والاتجاه العام للعقلية الفارسية المنظرة لهذه السياسة العدوانية والتوسعية تجاه العرب، كما إنها تثبت لهم مدى جدية هذه الدولة في المضي قدما في تطبيق التنظيرات العنصرية والتوسعية الفارسية في سياساتها تجاه العرب. وإن الكثير من هؤلاء المراقبين يرون أن إيران دولة صاحبة مؤسسات قديمة أنظمتها قد تتغير وتتبدل و لكن سياستها وإستراتيجيتها تبقى ثابتة تجاه جيرانها وبالأخص تجاه العرب، لأن هناك اتجاه ومنطق عام يحكم العقلية الفارسية يتحدث عن تبعية دول الخليج العربي والعراق لإيران ويعتبر الوطن العربي مجالا حيويا للدولة الفارسية ويعمل على إعادة إمبراطورية الفرس الغابرة. لذلك يجب التعامل مع إيران من منطق الندية آخذين بعين الاعتبار إنها دولة صاحبة تراث توسعي وتطمح لاستعباد العرب.

و بعيدا عن الشعارات والخطابات التي يطلقها الساسة الإيرانيون، لتزييف الواقع وكسب أكبر قدر ممكن من الوقت حتى يتمكنوا من التغلغل في المجتمعات العربية وتسريب أفكارهم وأيدلوجيتهم بين الشعب العربي ليفرضوا أمرا واقعا على الدول العربية من داخلها. يجب التعاطي مع السياسة الفارسية من زاوية واقعية تأخذ بعين الاعتبار المصالح العربية وتبتعد عن سياسة الانبطاح والخنوع، لصد المشروع الفارسي وإعادة ما تم احتلاله من قبل هذه الدولة الفارسية غير المريحة.

* كاتب عربي من الأحواز

زر الذهاب إلى الأعلى