آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

القضية الجنوبية.. مقاربات موضوعية!

عبدالفتاح البتول

يوماً بعد يوم يزداد اليقين بأن ما يحدث من حراك في المحافظات الجنوبية يتجه نحو اللاعودة ويخرج عن نطاق السيطرة، وأن مرور الوقت دون معالجات جذرية وحلول حقيقية، يجعل هذه الحلول والمعالجات على المدى المتوسط غير نافعة ولا ناجعة، وأن ثابت الوحدة مع هذه المتغيرات الكثيرة والأحداث المتلاطمة والمستجدات المتتالية، يصبح غير مجدٍ ولا منجٍ من تداعيات خطيرة وآثار كارثية.

إن منطق العقل والشرع والواقع يؤكد على أن الأخطاء المتراكمة والسياسات الخاطئة والمعالجات الباطلة أوصلت الناس –عامة الناس- إلى قناعات لم تكن بالحسبان عند أصحابها فضلاً عن الآخرين، ودعونا نكون أكثر وضوحاً وصراحة: أن الحراك لم يعد نخبوياً ولا قيادياً وإنما جماهيرياً وشعبياً وأن المطالب التي تتجاوز سقف الوحدة لم تعد مطالب حقوقية ولا سياسية وإنما نفسية وفكرية ومعيشية وقانونية وأساسية والشيخ طارق الفضلي في بيانه الذي أعلن فيه انضمامه للحراك بدون شرط ولا قيد، قد تحدث عن الجنوب وأطراف شاركت في إقامة الوحدة..

والأهم من ذلك إشارته إلى قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت أثناء حرب 94م، وهذه إشارة غاية في الأهمية والخطورة باعتبار العقد –أي عقد- شريعة المتعاقدين وأن الوفاء بالعقود واجب قانوني وإسلامي وإنساني، وبما أن الوحدة قامت بين طرفين ودولتين وبناءً على وثائق قانونية وخطوات دستورية، فيلزم من ذلك الوفاء بالعقود والمواثيق من الطرفين ولا معنى للعواطف ولا أثر للمشاعر في مثل هذه الحالة، والأصل إما أن تتم معالجة القضية الجنوبية بصورة حقيقية وجذرية ترضي جميع الأطراف وتعطي كل ذي حق حقه.. وأما أن يتم العودة على الأسس والمنطلقات التي قامت عليها الوحدة، التي هي وحدة سياسية وقانونية، أما الوحدة الشعبية والاجتماعية والوجدانية فإنها قائمة من قبل 22 مايو ومن بعده ومن قبل الحراك ومن بعده.

إن الواجب شرعاً وعقلاً النظر للقضية من جوانبها المختلفة والتمعن في أبعادها وأسبابها ومقدماتها ونتائجها، ووضع الحلول والمعالجات للوضع الآني والمرحلي ومناقشة كل الخيارات والمآلات المستقبلية والاستراتيجية والتأمل في الخطوات السلمية التي تتم والمتغيرات الشعبية والنفسية والكتابات التي تطرح وخاصة تلك التي تتسم بالوضوح والمصداقية والتوازن والعقلانية، بالإضافة إلى ذلك ينبغي الاهتمام والالتفاف لما يطرح ويكتب في الجوانب القانونية والدستورية والجغرافية والتاريخية والواقعية لأن القفز على هذه الأبعاد وتجاهلها يؤدي إلى تعقيد المشكلة وتعميق الأزمة ويجعل منها أزمة مركبة ومعقدة ويصبح حلها أكثر تعقيداً وتأزيماً..!!

* * *

ومن المهم والهام التأكيد على أن استمرار الفتنة الحوثية والتساهل مع المتمردين والخارجين على النظام والدستور والتراخي والتباطؤ بحسم ما يحدث في صعدة.. ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على ما يحدث ويجري في المحافظات الجنوبية، والعجيب أن ما حدث في صعدة بداية كان تمردا مسلحا ومواجهات دموية وأعمالا إجرامية وتدميرية، أي أن البداية كانت برفع السلاح واعتماد القوة والتخريب، بعد ذلك بدأ الحوثيون المتمردون بالحديث عن مطالب أو أهداف أو مبررات لما قاموا ويقومون به، مع أن كل ما يطرحون من مطالب أو أهداف غير واضحة ولا جلية ولا واقعية، ومعظمها جاءت كنتيجة حتمية للحرب التي أشعلوها والفتنة التي قاموا بها، ومع ذلك فإن الدولة والحكومة والجهات الرسمية تتعامل مع ما يحدث في صعدة بكل أريحية ومرونة وبرود.. بل أخطاء وسلبيات تحدث عنها الأخ رئيس الجمهورية في حواره مع صحيفة الحياة اللندنية..

في المقابل نجد أن ما حدث في المحافظات الجنوبية بدأ بمطالب حقوقية وأخرى سياسية بإزالة آثار حرب 94، وما نتج عنها على كافة المستويات والمجالات، ومع رفع سقف المطالب والانتقال من مرحلة إلى أخرى إلا أن الأمور مازالت حتى اللحظة تسير في إطار سلمي وقوف وسائل سلمية، وإن كانت بعض هذه الوسائل تأتي في إطار من العنف اللفظي وحدية في الخطاب الإعلامي إلا أن ذلك لا يمكن مقارنته بلغة الرصاص والرشاشات والقتل والهدم والتخريب وسفك الدماء الذي يقوم به المتمردون الحوثيون، وبالتالي فإن التناقض والاختلال الحاصل في التعامل مع القضيتين يفرز نتائج كارثية ويسير بالبلاد والعباد نحو المجهول واللامعقول، حتى أحزاب المشترك ومنظمات المجتمع المدني تتعامل وتتعاطى مع القضيتين بنفس الصورة والطريقة التي تتعامل معها السلطة، بل أزعم أن بعض الأحزاب السياسية شكلت مظلة إعلامية وسياسية للتمرد الحوثي، في الوقت الذي لا تستطيع هذه الأحزاب حتى تعريف القضية الجنوبية وتشخيص ما يحدث في هذه المحافظات.. بل لا يوجد انسجام ولا تلاؤم ولا توافق بين هذه الأحزاب وأعضائها وفروعها في المحافظات الجنوبية، والأكثر غرابة وعجبا أن ترى موقع "الاشتراكي نت" الناطق باسم الحزب الاشتراكي اليمني يتحول إلى ناطق ومتحدث باسم التمرد الحوثي.. وترى أن أكثر من 80% من محتويات هذا الموقع مسخرة للدفاع عن الحوثيين ونشر بياناتهم ورصد أعمالهم والتبرير لجرائمهم!! ولهذا نجد أن الحزب الاشتراكي وقياداته في صنعاء خارج نطاق التغطية في المحافظات الجنوبية.

لأجل ذلك علينا جمعياً إعادة النظر كرتين في التعامل مع ما يحدث في هذه المحافظات والاعتراف بوجود قضية جنوبية وتعريفها والتعرف عليها والتعامل والتعاطي معها كما هي في الواقع لا كما نريد ونتخيل!!

*كاتب ومحلل يمني - الناس

زر الذهاب إلى الأعلى