فليعذرني معظم القراء على إيراد اللفظة-الخادشة في نهاية العنوان أعلاه ذلك أن روائع فنية لعثمان أبو ماهر وأيوب طارش جعلتني أشعر إزاء واقعنا الفني اليوم بالقرف..
بالأمس كانت هناك موجة مدروسة من الفن الموجه نحو الزارع والعامل والجندي والتلميذ تربط الإنتاج بالوطنية والحب بالبن والصبر بالنصر..
رائعة مطهر الإرياني وعلى الآنسي (الحب والبن) مثال على ذلك ..ضف إليها ومعظم أغاني أيوب الذي أنشد للزارع والراعي والمغترب والعريس بمفردات تنمي في المتذوق بواعث الوفاء وتقلل فيه نسبة الجزع :
" مهما يلوعني الحنين شاصبر واراعي لك سنين
وأعطيك كل العمر ما دامك على عهدك أمين"..
مثل ذلك أناشيد العمل والإنتاج والعصامية من نحو:
" أيا معين.. ألا يالله يارازق الطير..
أيا معين.. ألا ما في المقايل لنا خير..
ولا السؤال من يد الغير..
وأنشد أيوب: "اغر س وأنا بامعرق شاروي عروق امشجر"
أو حينما يمدح" حاملات الشريم" ليكون طلبه بعد ذلك: "هيا اسبقين الطيور وبكرين من غماشش"
فن هذه الأيام يكاد يقول لهن: " اسهرين واسمرين.. وتحبل بربح"
ثقافة الإنتاج هي أخت ثقافة الوطنية وأخت ثقافة الحشمة والصدق والوفاء وكلهن بنات الأدب الرفيع والقراءة العميقة لليمن المدفون في عيون الكتب وأشواق الناس.
أما اليوم فثمة هلع أصاب الأقلام الجميلة التي تركت مضمار نفوذها لتحاول اللحاق المحموم بعجلة المترفين..
اليوم..تعاني بلادي من سلبية المثقف الأصيل وحنكة المثقف الدعي..إلى أن تسيد السياسي على المثقف وأصبح الصحفي أسيراً في إبط الجنرال ووقع الفنان في قبضة تاجر الكحول، وبالتالي أصبح المحصول الثقافي والفني والإعلامي يصب في مشروع السياسي الفارغ الذي لا هم له غير تأمين مستقبل " الزغوات..والطيورعلى أشكالها تقع، وكلهم يرزقون فساد النية وسوء العاقبة.
على المثقف الحقيقي ألا ينسحب من ساحة الأحداث في اليمن..هنالك نماذج رخيصة من الناس عليها أن تنزاح من التدخل في حيواتنا.. وهنالك نماذج ناصعة لم تزل رئاتهم مليئة بالهواء النقي..وعلى هؤلاء أن يعودوا وأن يبدعوا من جديد. فعندما يغيب الأدب الأصيل يحضر الأدب الهزيل، وعندما تغيب ثقافة الثورة تعود ثقافة الخرافة والدجل والكهنوت.. وعندما تغيب ثقافة الوحدة تحل ثقافة التمزيق ..