آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

«الأيام» والسلطة.. قصة التحالف وآفاق الخلاف *عادل الأحمدي

في الأزمات الكبيرة تتغربل الأسماء والجهات، وفي ساعة العسرة يقول الناس من الحقائق ما لا يقال في الظروف العادية، أملاً في أن تخرجنا الصراحة إلى طريق.
ازدهرت صحيفة "الأيام" وتعملقت كواحدة من المشاريع غير البريئة التي ازدهرت على عاتق التخطيط القاصر لسلطة ما بعد 7/7/1994.

اليوم في عدن تشتبك العصابة مع أحد أذرعها وأنجب طلابها الذي شبّ عن الطوق وبدأ منذ سنوات يجسد قول الشاعر: أعلمه الرماية كل يوم...

يبدو سابق الأسطر فجاً وصادماً وكيدياً، لهذا تبدو التفاصيل مهمة لكي تتغير الصورة التي تبدو عليها الآن فقرة المقدمة.

بعد فوز "تحالف الشرعية" على الحزب الاشتراكي اليمني وإزاحته عسكرياً بحرب 94، ظل هاجس إزاحته شعبيا يشغل مخيلة السلطة.. وتم الاتفاق بينها وأسرة آل شراحيل (التي كانت لها صحيفة في عدن ما قبل الاستقلال) على إعادة الحياة للأيام، مقابل قيام الأخيرة بصناعة مزاج جديد في المحافظات الجنوبية غير موال للاشتراكي ويكسب انتشاره عن طريق انحيازه (اللفظي) لأبناء الجنوب وتمنعه الملموس على التنوع في طرح الآراء، إلا ضمن دائرة أبناء المحافظات السبع.

وعليه، تم دعم "الأيام" وإفساح الطريق لها لتقفز في فترة قياسية من أسبوعبة إلى مرتين فثلاث فأربع مرات في الأسبوع إلى يومية..

ولكي تنجح "الأيام" في مهمتها تم إضعاف كل الصحف العدنية الاخرى بما في ذلك دار الهمداني وصحيفة 14 أكتوبر الحكومية، كما تم الحيلولة مراراً دون صدور صحيفة يومية في المكلا.. هذا بعد أن دفنوا نهائيا منبري "المستقبل" و"صوت العمال" التابعين للاشتراكي ضمن طمس المزاج الشعبوي السابق ونجحت "الأيام" أيما نجاح في هذه المهمة.

علماً أن الظروف التي أوجدتها السياسات الخاطئة للسلطة بعد حرب 94 كانت تحول دون نجاح أي مشروع نظيف ووطني وشريف، ولو كانت "الأيام" كذلك لتم وأدها من البداية، لكنها كانت أنجب التلاميذ. وبدأت تكبر وتسبب للسلطة الكثير من الاحراجات جراء استغلال هذا النجاح في ابتزاز السلطة نفسها إلى جانب الإفراط في التهام الأراضي والتحالف مع مراكز قوى حكومية متسلطة فاحت روائح فسادها في الجنوب وأصبحت تزكم الأنوف لكنها غير مفضوحة لدى الرأي العام لأن الأيام لا تتناولها. والرأي العام أصبح أسيراً لدى الأيام، يؤمن بما تقوله، ويكفر بما عداه.

هذا الأسلوب القاصر في إدارة البلاد وإزاحة الخصوم والمعتمد على التمويه له جذره الممتد إلى آخر ملوك سبأ وهو عمرو بن ميزيقيا الذي أخبرته –حسب الروايات- إحدى العرافات بأن السد سينهار، لهذا طلب من ولده أن يصفعه أمام كبار الدولة وأعيان المجتمع، ليقسم على الفور ألا يقيم في بلد يهان فيها ويُصفع، لهذا قام ببيع جميع أملاكه وتهافت الناس على الشراء وكان أول الفارين وآخرهم من طوفان خراب السد.

ما كان على الجنوب أن يسلم رقبته لأحد.. وما أقبح منظر الوفود الشعبية المتضامنة مع شخص قاوم السلطات بالسلاح ورفض أن يسلم نفسه للتحقيق معه في قضية جنائية أزهقت فيها روح أحد المواطنين.

كيف تنادي الأيام وأصحابها بدولة نظام وقانون وهم أول من يتمردون على الالتزام بالنظام والقانون، وكيف ينادون بمجتمع مدني وهم مؤسسة مدنية تحتمي بقوة الرصاص!! وهاهنا يكمن مكر الله، إذ نسي أصحاب الأيام في ظل شعورهم بالذنب أن مصدر قوتهم الحقيقية هو جمهورهم وشعبيتهم، التي تجاوزت شعبية أكبر الأحزاب.

كان على صاحب الأيام أن يسلم نفسه إن كان بريئاً، وكان (كما حدث مع العديد من الصحفيين) سينتصر على الفساد القضائي بقوة الآلاف الذين يدافعون عنه وبعشرات المحامين وعشرات المنظمات الداخلية والخارجية التي ستنبري طوعاً للدفاع عنه.. وقبل هذا وذاك بقوة براءته ونظافة جانبه وتماسك براهينه، وهذا هو الدرب الذي انتصر فيه غاندي وأربكان وهو الأنجع في مثل هذا العصر.

أما محاكاة السلطة ومماثلتها بالتمرد على النظام والقانون، فهذا هو بالضبط الذي أفسد الصورة الجميلة لحلم الوحدة النبيل.

ولنراجع أداء الأيام بصدق وصراحة.. هل نشرت منذ صدورها دراسة واحدة كاملة شاملة تتحدث عن مظالم الجنوب، أم فقط مجرد مقالات وانطباعات تخاطب العاطفة وتنمي الاحتقان، لكنها لا تنور الناس ولا تناقش العقل ولا تكشف موضع الخلل، ولا تشير بأصابع الاتهام جهة اللصوص بالاسم والصفة.

الأيام.. شريك في كل عملية فساد ناجحة، داخل وخارج عدن، وعدا ذلك، فإن صفحاتها للنشر وأقلامها للسلخ. ووحدها بعض فعاليات الحراك من بدأ يشعر بأن الأيام تلعب.. أحياناً يفردون المانشيت الرئيسي لفعالية لا تستحق. وأحياناً أخرى يتجاهلون فعالية أكبر وأوسع وأهم!!

لقد كان النجاح الذي حصدته الأيام محصوراً في كونها اعتمدت أسلوب "الدغدغة" لعواطف أبناء الجنوب، وهي بالتالي أكسبتهم سلبية جاهزة للنهش والانفجار في أية لحظة.. زرعت لدى مواطن الجنوب شعوراً بالمظلومية والتوجس لكنها لم تنم فيه التفكير السليم ولم توقد في نفسه الأسئلة المضيئة.

إن رعاية الأيام من قبل السلطة يأتي ضمن أجندة ما بعد الحرب التي تنكرت فيها السلطات لكل ما هو وحدوي، وتحالفت مع كل ما هو رخيص وانتهازي ومساوم. والأيام هي من الصنف الأخير. لكنها تمتلك الموهبة عكس السلطة..

رئيس تحرير الأيام الذي قاوم السلطات في صنعاء في قضية أرض أزهقت فيها أيضاً نفس بريئة، والذي يقاوم السلطات اليوم في عدن بنفس أسلوب القبائل المختلفة وزهقت نفس بريئة هو نفسه مرشح رئيس الجمهورية في انتخابات نقابة الصحفيين عام 2004 لولا انسحابه في الأيام الأخيرة من الانتخاب.

لقد تركت السلطة الباب مفتوحاً لحيتانها يكبرون ويكبرون وينهبون ويلعبون كما يشاءون مقابل خدمتهم لها بأسلوب مموه في مشروعها غير النظيف. ثم لما كبر هؤلاء الحيتان وأصبحوا عبئاً يهدد مستقبلها، وصاروا يلعبون بالنار كما تلعب. تجد الآن صعوبة في إزاحتهم، وغالباً ما تخطئ التوقيت.

حدث هذا مع زعيم العصابة الذي لقي مصرعه أثناء مقاومته للسلطة في شارع الدائري بالعاصمة صنعاء ويدعى "المهرس"، ويومها ظهر الرئيس (بجلالة قدره)! على شاشة التلفزة، يتحدث عن خطورة "المهرس" وعصابته.. لينشد الشاعر الساخر:
آلآن تحصي ذنوب "المُهَرِّسْ" ... وأنت المربِّي له والمدرِّسْ؟!

* * *

على أن هناك تفسيرا لهذا الاختلاف ولهذه الأزمة بين "الأيام" والسلطة.. مفاده أن الأزمة ناتجة عن تضارب الإرادات مؤخراً في مركز الحكم بين وجهتي نظر أحدهما يشدد على ضرورة تغيير أسلوب التعامل مع الأمور بعد أن وصل التدهور حد المطالبة بالانفصال، وبالتالي يرى ضرورة إغلاق الأيام واقتلاع هذه الشجرة الخبيثة التي غرسناها وسقيناها بأنفسنا.. ووجهة نظر أخرى تقول، بأن وجود الأيام سيجعل الوضع أكثر أماناً منه حال غيابها، وبالتالي يرى التسوية مع صاحبها، وإعادة الأيام بعد اتفاق صارم بين الطرفين، تضمن السلطة من خلاله التحكم بالرأي العام للحراك عن طريق الأيام وتضمن الأيام إسقاط ملفها الجنائي.. ويقوّي هؤلاء وجهة نظرهم بأطروحة أن المواجهة مع الأيام في الظرف الحالي تثير زوبعة شعبية ومنظماتية مضرة في هذا التوقيت.

وآية هذا التصارع في وجهتي النظر داخل مركز الحكم حيال الأيام الارتباك الواضح والانسجام المعدوم، ليظل الباب مفتوحاً على جميع الاحتمالات.

مقاومة السلطة البلطجية لا يكون أبداً بالبلطجة.. بل بضرب نموذج يعكس عملياً ما تدعو إليه قوى المدنية والحداثة والتحضر، ولذا فمن البلاهة تضامن المجاميع الشعبية مع مثل هذا السلوك.. اتركوا العصابة تتصارع مع أحد أذرعها، وإن كان ثمة من يستحق تضامنكم فهو الرجل العجوز الصارطي ذي الـ60 عاماً الذي قتل بنيران أحد الأطراف المتبلطجة (السلطة أو الأيام).

ما الذي أّخر السلطات الغيورة على النظام والقانون وعلى دم المواطن الذي قتل في صنعاء، ومنعها من إلقاء القبض على شراحيل لولا تصاعد نبرة الحراك وخروج الأيام عن السيطرة إلى المساومة واللعب المنفرد!!

تتقاعس السلطات عن محاسبة الرجل لأنه شريك لها في كل المساوئ، ورغم كل هذا الخلاف الذي حدث بين الطرفين.. إلا أن لا أحد منهما سينشر غسيل الآخر كما يجب، لأن كلا اسميهما موجود في هذا الغسيل. وبالتالي فليس مستبعداً على الإطلاق أن يتفق الطرفان بسرعة، ويستفيدا مما حدث ليواصلا لعبة التمويه بعد أن يكونا قد توصلا إلى تسوية ما.

على الجنوب أن لا يسلم رقبته لأحد.. وعلى الحراك أن لا يكون أسيراً في زنزانة طرف سياسي انتهازي، أو صحيفة غريبة الأطوار,, ينبغي أن يدرس أوجاعه بنفسه وأن يصنع شعاراته بنفسه.. وأن يرسم جدوله الزمني بما يجعله نقطة مضيئة وناجحة في تاريخ حركات التغيير في العالم أجمع وبدون أجندة أنانية أو تمزيقية تجلب من الضرر عليهم وعلى غيرهم أكثر مما تدر من النفع. على أن السلطة وصحيفة الأيام لم يصلا إلى صيرورتهما بكل هذا التضخم سوى لانعدام النقد المنهجي الموجه لهما.. لم تتلق الأيام نقداً جاداً؛ إذ من ذا الذي يجرؤ على فضح صحيفة الأيام، حتى لا يخسر جمهورها. وإن كان ثمة استثناءات فهي لم تلامس جوهر الإشكال ولم تتجنب الوقوع في مستنقع السفاهة. تماماً كما حدث مع صحيفتي "الزاجل" و"الدستور"، حيث أساءت الأولى إلى الأمهات بينما شطحت الثانية شطحاً عظيماً، ونسبت أسرة شراحيل الحضرمية الأصيلة إلى الطريقة القاديانية الأحمدية في الهند.

وكل هذه الأشياء كانت تزيد الأيام لمعاناً وتغري أصحابها بالاسترسال في اللعب على الجميع. وعكس الأيام فإن السلطة، لم تفتقر إلى من ينقدها، فكل المنابر والأحزاب والنواب والمنظمات والتقارير تنقدها حقاً وباطلاً. الأمر الذي أكسبها مناعة ضد النقد وأفقدها حاسة الاستفادة..

ومجددا نقول: في الأزمات الكبيرة تتغربل الأسماء والجهات، وفي ساعة العسرة يقول الناس من الحقائق ما لا يقال في الظروف العادية، أملاً في أن تخرجنا الصراحة إلى طريق.

وفي الشهور القادمة نتمنى أن يحدث المزيد من الفرز، ذلك أن بقاء الوضع كما هو عليه.. مستحيل.

حكمة الختام:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً.. ويأتيك بالأخبار من لم تزود

بقلم: عادل الأحمدي
خاص ب"نشوان نيوز"

زر الذهاب إلى الأعلى