[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الانفصال كارثة.. لكن بقاء الأوضاع كما هي عليه كارثة لا تقل خطورة

لا تبدو الأوضاع خطيرة فحسب، هي الآن على درجة عالية من الخطر. لم نلتمس ذلك من خلال صحوة السلطة المتأخرة التي دفعت الكثير من وسائل الإعلام العربية والدولية إلى التعامل مع ما يجري في جنوب اليمن كحقيقة واقعة بعد أن كانت "زوبعة" في نظرها و"نظرهم" على مدى الثلاث السنوات الماضية.

إحساس السلطة بالخطر خلق أيضاً شعوراً مماثلاً لدى كثير من الناس، وهؤلاء إما أنهم كانوا بعيدين عن تتبع الأحداث يغالبون لقمة العيش، وإما أنهم ركنوا على "خطابها" الذي أجاد إخفاء "الحقيقة" كما أبدع في صناعة الصدمة التي لطالما عادت بنتائج مدمرة. هناك أزمة أو مشكلة عويصة في الجنوب جاءت أحداث ردفان الأخيرة في 28 أبريل الماضي لتؤكد مدى عمقها وآثارها الكارثية على الوحدة المعمدة بالدم.

أقول الأخيرة هنا لأنها لم تكن الأولى، ففي ردفان سالت الكثير من الدماء ابتداءً من 13 أكتوبر 2007 أو ما يعرف بحادثة المنصة، مروراً بما حدث يوم 15 أبريل الماضي، وصولاً إلى ما هو عليه الحال الآن حيث ما تزال آثار المعارك في الجبال والشوارع باقية.

ظل الحراك الجماهيري يؤكد منذ أن بدأ قبل ثلاث سنوات على نهجه السلمي، إلا أنه بين الحين والآخر أخذ يلوح أن ذلك لن يظل خياراً وحيداً "إذا ما أوغلت السلطة في قمع الفعاليات واستمر سقوط الضحايا". كانت السلطة تدرك أن استخدام السلاح ضدها قد يحدث، وأن المسألة هي في التوقيت فقط، ومع ذلك لم تقم بأية إجراءات لتفادي ما حدث.. وفي الجانب الآخر للأسف، ظلت الأسباب المحفزة للصدام نشطة. استفسار: لماذا تمكنت السلطة من احتواء ما حدث في ردفان في يناير الماضي عندما باشرت جموع مسلحة بقطع الطريق العام والاشتباك مع الأطقم العسكرية بالسلاح (نتج عن ذلك إصابة جنديين) ولم تنجح في احتواء أحداث أبريل؟ هل فعلا ًتمادى المواطنون في أفعالهم كما تقول السلطات، أم أن التوقيت حينها لم يكن مناسباً لاندلاع "مواجهات مسلحة".

في يناير قام أهالي ردفان بقطع الطريق العام احتجاجاً على اعتقال عدد من المشاركين في إحياء الذكرى الثالثة لانطلاق "التسامح والتصالح" في عدن، وتلخصت مطالبهم حينذاك في: إطلاق المعتقلين الذين تجاوزوا الـ300 معتقل، وإلغاء النقاط الأمنية المستحدثة، ومعالجة الجرحى، وتقديم العناصر المتهمة بالقتل إلى النيابات والمحاكم. فما كان من السلطة إلا أن قامت بإطلاق كافة المعتقلين وأبدت اهتماماً كبيراً في تنفيذ الشروط الأخرى لتهدئة الأوضاع مقابل فتح الطريق. فتحت الطريق إذن، وعلى الرغم من أن الأهالي استمروا يطالبون بتنفيذ الاتفاقات الأخرى (إلغاء النقاط، معالجة الجرحى، تقديم بعض العناصر للمحاكمة..) إلا أن الكثير أشادوا بموقف السلطة يومها في تفادي الصدام، ولكن على ما يبدو أنه ظل مؤجلاً إلى حين.

الانفصال كارثة.. لكن استمرار الوضع كما هو عليه دون معالجات إيجابية وحقيقية كارثة لا تقل خطورة ستظل تحمل في رحمها –كما يرى كثيرون- الأسباب الكافية لصناعة مستقبل مجهول قد نجد أو يجد فيه من يأتي بعدنا أنفسهم أمام "دويلات أو نتوءات صغيرة" كما قال الأخ الرئيس. هل تفكر السلطة في مستقبل مواطنيها.. في مستقبل اليمن الموحد؟ دعونا نفترض أنها تفكر في ذلك. لكن ماذا بعد؟ ألم يكن من الواجب عليها الاستماع لصوت العقل داخل المؤتمر وفي داخلها، الاستماع إلى المعارضين الذين تجاهر اليوم بدعوتهم لتشكيل اصطفاف وطني لحماية الوحدة الوطنية والبلاد من التمزق، الكف عن توجيه الاتهامات للصحفيين والسياسيين لمجرد أنهم حذروها من الأخطار المترتبة على تجاهلها لمطالب الناس.. فإن كان الصحفي أو السياسي من المحافظات الجنوبية فهو يدعم الحراك "الانفصالي" إن لم يكن قد لحقته تهمه "الانفصالية" وإن كان من المحافظات الشمالية فهو "مأجور وعميل" وهكذا.

أصمت السلطة أذنيها، كما هو "الحراك" الآن، أصبح متشدداً في مطالبه الرامية إلى "استعادة الدولة" حتى أن أحدنا ليخشى من أن توجه له تهم "العمالة، والخيانة"، إذا ما عبر عن موقف أو رأي مخالف. إنها باختصار "الراديكالية" السم الزعاف بالنسبة لنا كيمنيين. عبثت في ماضينا، وها هي اليوم تحاصر الحاضر وتترصد المستقبل. يقال عن العقل العربي أنه إقصائي بطبعه ويتوق للمغامرات غير المحسوبة عادة. والإنسان العربي عاطفي كثيراً ما يكتشف أنه في المكان الخطأ ولكن بعد مرور وقت طويل.. ولطالما كانت تلك ثغرات حساسة أحسن غيرنا استغلالها.

آمل كغيري أن يوفق موفد الرئيس إلى ردفان عبدالقادر هلال في إيجاد حل نهائي لوقف إطلاق النار ومحاصرة التداعيات الناجمة عن ذلك، فلا أحد يتطلع إلى سفك الدماء وتوسع القتال لا سمح الله، لأنه في حال حدث ذلك سيكون الأمر أكثر تعقيداً على أن الخطورة تظل قائمة ولن يسهم في كبحها سوى الحلول الجذرية للأزمة مجتمعة التي أعتقد أن السلطة أحست بها وبخطورتها هذه المرة ودعت كثير من الكتابات في وسائل الإعلام العربية والدولية إلى حلها بالجلوس مع جميع الأطراف.. ما لم فإن "الراديكالية" ستواصل سيرها بالوطن والوحدة صوب المجهول! ولن نجد بداً بعدها من الاحتفاء بها كمنجز وحيد كونها هي من صنعت القسم الأكبر من تاريخنا المعاصر والمؤلم.

• باسم الشعبي
[email protected]
• صحيفة المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى