ورقة خاصة حول الفرق بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية والحلول المقترحة للأزمة في اليمن
مقدمة:
دخل اليمن بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة في صراع سياسي حاد بين القوى السياسية، وأدى هذا الصراع الحاد طوال المرحلة الإنتقالية وما تلاها حتى تَفجُر الحرب إلى تحول كافة إمكانات الدولة ومؤسساتها إلى أدوات للصراع السياسي مما أدى إلى إنعكاس هذا الصراع بآثار مدمرة على البلاد في مختلف المستويات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، بيد أن هذا الخطر لم يتوقف عند حد تدهور أوضاع البلاد بل تجاوز ذلك إلى حد المساس بالثوابت الوطنية إستهدافاً للوحدة اليمنية نفسها والوحدة الوطنية.
وفي خضم هذا الصراع الحاد طُرحت العديد من الشعارات البراقة في الساحة السياسية، ظاهرها الحرص على المصلحة الوطنية وإقامة وبناء دولة اليمن الحديثة ومحاربة الفوضى الإدارية والفساد، وباطنها أهداف حزبية أنانية رخيصة تمس بثوابت البلاد والمصالح الوطنية وعلى رأس ذلك الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية.
ومن ضمن هذه الشعارات التي طرحت في الساحة وتم تعبئة المواطنين بها، شعار اللامركزية، حيث إستغلّت بعض القوى السياسية مقدرتها الإعلامية وأخذت تروج لهذا الشعار كحل سحري للأوضاع، عزز من ذلك الأوضاع المأزومة التي تمر بها البلاد وبحث الناس عن حل لهذه الأزمات. ووجه الخطورة في هذا الشعار يتمثل في أن اللامركزية لها صورتان:
- لامركزية إدارية.
- ولامركزية سياسية.
واللامركزية الإدارية هي مطلب الجميع باعتبارها خطوة على طريق الإصلاح الإداري، ولكن الخطورة كل الخطورة في اللامركزية السياسية أو الفيدرالية؛ لأن لها آثاراً مدمرة على الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية، ووجه الإشكالية التي نتحدث عنها أن المفاهيم إختلطت ولم تنضبط فحصل خلط بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية، وبالتالي لا بد – ونحن نتحدث عن اللامركزية – أن ندرك بدقة الفروق الجوهرية التي تفصل بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية أو بين الإدارة المحلية والفيدرالية، وإلا فإننا سنرتكب جريمة كبرى في حق الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية.
ولذلك فإننا في هذه الورقة سنحاول توضيح هذا اللبس وتحديد الفوارق بين اللامركزيتين والتنبيه إلى مخاطر الخلط بينهما على النحو التالي:
1- مفهوم المركزية الإدارية:
تعني المركزية الإدارية حصر الوظيفة الإدارية وتجميعها في يد سلطة واحدة رئيسية تنفرد بالبت النهائي في جميع الإختصاصات الداخلة في الوظيفة الإدارية عن طريق ممثليها في عاصمة الدولة أو في أقاليمها تسمى السلطة المركزية. ويحقق النظام المركزي بهذا المعنى الوحدة وعدم تجزأة السلطة الإدارية لأن سلطة التقرير النهائي تكون من إختصاص هيئات السلطة المركزية وإداراتها الموجودة في العاصمة وفروعها في الأقاليم التي ترتبط بها برابطة التبعية الإدارية وتخضع لسلطتها الرئاسية.
2- مزايا المركزية الإدارية:
كل دولة حديثة تحتاج إلى الأخذ بالمركزية الإدارية لتقوية نفوذها وسلطتها وبسط نفوذها على جميع أجزاء أقاليمها حتى تضمن تحقيق الوحدة الوطنية بين جميع فئات الشعب في جميع أنحاء البلاد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تكفل المركزية الإدارية إشراف الحكومة المركزية على إدارة المرافق العامة القومية في كل أنحاء الدولة على أفضل وجه لما تتمتع به من إمكانات مالية وإدارية وفنية لا تتوافر لدى الإدارات اللامركزية، ويؤدي ذلك إلى مساواة الأفراد في الإنتفاع بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة.
كما تحقق المركزية الإدارية وحدة النظام الإداري في الدولة، وتؤدي إلى وجود التنسيق والتجانس بين جميع الإدارات والهيئات والمرافق العامة في الدولة.
وأخيراً تمتاز المركزية الإدارية بأنها تؤدي إلى الإقتصاد في النفقات العامة بالمقارنة مع حجم ما تتطلبه الهيئات اللامركزية من نفقات.
3- عيوب المركزية الإدارية:
الأخذ بالمركزية الإدارية الخالصة يؤدي إلى إنفراد السلطة المركزية بسلطة التقرير والبت النهائي للأمور، حيث تتخذ القرارات المتعلقة بالأقاليم دون معرفة حقيقة المشاكل والصعوبات التي تواجهها وما ينتج عن ذلك من حرمان سكان الأقاليم من المشاركة في إدارة وتطوير أقاليمها.
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: صدور كتاب «الفيدرالية في اليمن.. تاريخ الفكرة ومؤشرات الفشل»
وقد أدت هذه المساوئ التي نتجت عن الأخذ بالنظام المركزي الخالص إلى إتجاه الدولة المعاصرة إلى التخفيف من حدته، إما عن طريق تطبيق أسلوب عدم التركيز الإداري أو الأخذ باللامركزية الإدارية بجوار النظام المركزي.
4- مبدأ التركيز وعدم التركيز الإداري:
أ- التركيز الإداري:
ويقصد به أن يستأثر الرئيس الإداري وحده بسلطة إتخاذ القرارات والبت في الأمور الداخلة في إطار إختصاصه دون أن يشاركه أحد من أعضاء السلطة الإدارية، وذلك سواءً أكان هذا الرئيس هو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو وزيراً أو رئيساً لإحدى السلطات اللامركزية المحلية أو المرفقية، أو غير ذلك من الرؤساء الكبار.
ب- مبدأ عدم التركيز الإداري:
يقصد به أن يتم توزيع سلطة إتخاذ القرارات والبت في الأمور بين الرئيس الإداري وبين أعضاء السلطة الإدارية، سواء وجدوا في العاصمة أو في خارجها، فيكون لهؤلاء الأعضاء إصدار القرارات الإدارية في بعض المسائل دون الرجوع إلى الرئيس.
5- مفهوم اللامركزية الإدارية:
تقوم اللامركزية الإدارية على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية وبين هيئات إدارية مستقلة تُمنح الشخصية الإعتبارية وتخضع لرقابة السلطة المركزية، وتأخذ هذه الهيئات الإدارية المستقلة في اللامركزية الإدارية صورتين:
أ- ما يعرف بالمجالس البلدية أو المحلية على مستوى المحافظات والنواحي، بحيث تكون رديفة لأجهزة السلطة المركزية الموجودة داخل المحافظات والنواحي ولا تكون بديلاً لها، وهذه الصورة تسمى اللامركزية الإقليمية أو المحلية.
ب- صورة اللامركزية المرفقية أو المصلحية، ويقصد بها الهيئات والمؤسسات العامة التي تُمنح شخصية إعتبارية وتكون مستقلة مالياً وإدارياً كالمؤسسة العامة للكهرباء والمؤسسة العامة للإتصالات.....الخ.
وينبغي في هاتين الصورتين ملاحظة عدة أمور:
1- اللامركزية الإدارية مرتبطة بمواضيع متعلقة بالنظام الإداري للدولة وليس لها علاقة بالنظام السياسي للدولة، ولذلك فدراستها تندرج تحت موضوعات القانون الإداري.
2- أن جميع علماء الإدارة متفقون على أنه لا يمكن أن يكون هناك لامركزية إدارية بدون مركزية، فالمركزية هي أصل في نظام الإدارة واللامركزية عامل مكمل لتلافي عيوب المركزية وليس عامل إلغاء للسلطة المركزية لأن هذا سيؤدي إلى تفتيت الدولة والمجتمع.
3- إن دور المجالس المحلية داخل المحافظات والنواحي هو أن تكون رديفة لأجهزة السلطة المركزية وليس بديلاً لها، بل وخاضعة لرقابة السلطة المركزية ممثلة في المحافظ أو مدير الناحية وليس العكس.
6- مفهوم اللامركزية السياسية:
اللامركزية السياسية أو الفيدرالية ليس لها علاقة بأي موضوع من مواضيع علم الإدارة، وإنما هي متعلقة بشكل الدولة السياسي وطبيعة النظام السياسي فيها، وهي تندرج تحت موضوعات القانون الدستوري والنظم السياسية وليس القانون الإداري. وتغيير شكل الدولة السياسي يتم بتغيير دستوري وليس قانوني ؛ لأن اللامركزية السياسية معنية بتوزيع الوظيفة السياسية وليس الإدارية، أي السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية للدولة الإتحادية والولايات المكونة لها، وهذا التوزيع للوظيفة السياسية هو ما يطلق عليه باللامركزية السياسية. ولذلك يفرق علماء القانون الدستوري والنظم السياسية بين نوعين من الدول:
أ- الدولة البسيطة أو ما يعرف بنظام الدولة الموحدة:
وهي الدولة التي تقوم على أساس وحدة الشعب والإقليم والسلطة السياسية، ولذلك يكون لهذه الدول بسبب تجانسها ووحدتها شعباً وأرضاً، نظام سياسي وطني موحد، أي سلطة سياسية واحدة على المستويات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية، ولا يتم في هذه الدول البسيطة تجزأة السلطة السياسية، أي لا علاقة لها باللامركزية السياسية لأنها في الدولة البسيطة ستؤدي إلى تفتيت الدولة والمجتمع.
ب- الدولة المركبة:
والتي يعنينا منها دول الإتحاد الفيدرالي، وهي الدول التي تتكون من عدة دويلات كالولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي سابقاً، ولذلك تتوزع فيها السلطة السياسية في كل من التنفيذ والتشريع والقضاء بين الحكومة الإتحادية وبين الولايات الأعضاء بسبب التنوع وعدم التجانس العرقي واللغوي والديني والثقافي، ولذلك يطلق على هذا النظام السياسي ما يعرف بالنظام الفيدرالي أو اللامركزية السياسية أو الحكم المحلي وهي معانٍ مترادفة.
فالفيدرالية تصلح أن تكون إطاراً سياسياً لمجموع الدول العربية الحالية وتعتبر في هذه الحالة خطوة نحو الوحدة العربية أما تطبيق الفيدرالية على مستوى دولة بسيطة كاليمن فهي خطوة عكسية نحو التجزأة وتمزيق الوحدة الوطنية.
7- الفروق الجوهرية بين اللامركزية الإدارية (الإدارة المحلية) واللامركزية السياسية (الفيدرالية):
- تعبر اللامركزية الإدارية عن نظام إداري يتم عن طريقه توزيع الوظيفة الإدارية بين الأجهزة المركزية وبين هيئات إدارية مستقلة (رديفة لأجهزة الدولة المركزية وليست ملغية لها) وتخضع لرقابة السلطة المركزية.
أما المركزية السياسية فتتعلق بالنظام السياسي لدول الإتحاد الفيدرالي (الدولة المركزية) وتوزيع السلطات بين الدولة الإتحادية والولايات التي تعتبر وحدات سياسية تتمتع بالاستقلال الذاتي.
وبناء على ذلك.. لا توجد اللامركزية السياسية إلا في الدول الإتحادية المركبة دون الدول الموحدة، بينما توجد اللامركزية الإدارية في الدول الموحدة وفي الدول الإتحادية.
- تخضع المحافظات والأقاليم في اللامركزية الإدارية لذات القوانين المطبقة في جميع أرجاء الدولة.أما الولايات في الدولة الإتحادية فتتمتع بالحق في تطبيق قوانينها الخاصة التي سنتها سلطتها التشريعية المستقلة عن السلطة التشريعية الإتحادية.
- تتمتع الدويلات أو الولايات الأعضاء في الإتحاد المركزي الفيدرالي بسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة عن الدولة الإتحادية تمارسها دون رقابة أو وصاية، هذا بالنسبة للّامركزية السياسية.. أما في اللامركزية الإدارية فليس لهيئاتها الإدارية المستقلة أي شأن بنظام الحكم السياسي في الدولة وبتوزيع الوظيفة السياسية فيها حيث لا يكون للوحدات المحلية (المجالس المحلية) أو المرفقية (المؤسسات العامة) أي إختصاص سياسي.
- يتولى الدستور الإتحادي في الإتحاد المركزي الفيدرالي مهمة توزيع الإختصاصات بين الدولة الإتحادية والولايات بالطريقة التي تلائم ظروف وأوضاع كل دولة، في حين يضطلع القانون العادي بتشكيل الهيئات اللامركزية (المجالس المحلية على مستوى المحافظات والنواحي أو المؤسسات العامة) ويحدد إختصاصاتها وكيفية مباشرتها لها.
- تقوم اللامركزية السياسية على أساس مشاركة الولايات في الإتحاد المركزي في تكوين الإدارة العامة للدولة الإتحادية، سواءً عن طريق ممثليها في مجلس الولايات الذي يتولى سنّ القوانين الإتحادية بالإشتراك مع مجلس النواب أو المشاركة في تعديل الدستور الإتحادي، وذلك على عكس الوضع بالنسبة للهيئات اللامركزية في نظام اللامركزية الإدارية لأن هذه الهيئات اللامركزية لا تمارس إلا الإختصاصات التي خولت لها من الدولة عبر القانون المنظم لعملها الصادر عن مجلس النواب.
8- طبيعة اليمن وما يلائمها من نظام سياسي والمخاطر المترتبة على تغيير النظام السياسي من نظام وطني موحد إلى نظام فيدرالي :
على ضوء المعايير السالفة التي أوردناها لا أظن أن أحداً يجادل في أن اليمن دولة بسيطة، بمعنى أنها دولة واحدة ومتجانسة أرضاً وشعباً، وبالتالي فالنظام السياسي الملائم لها هو النظام الحالي، أي دولة ذات سلطة سياسية واحدة على المستوى التشريعي والتنفيذي والقضائي، وإن النظام الفيدرالي أو ما يعرف بالحكم المحلي أو اللامركزية السياسية لا يلائمها! لأنها دولة موحدة شعباً وإقليماً وسلطة.
وإن أية محاولة لإعتساف الواقع اليمني وتطبيق الفيدرالية أو الحكم المحلي لتفتيت السلطة السياسية الواحدة إلى عدة سلطات سياسية على مستوى المحافظات والنواحي، إنما هي خطوة تراجعية عن الوحدة الإندماجية، أي إجهاض لمشروع الوحدة اليمنية وهذه الخطوة التراجعية هي أكثر خطورة من الإنفصال! لأنها مشروع تجزأة لليمن على مستوى المحافظات والمديريات.
وإن خطر تطبيق الفيدرالية أو اللامركزية السياسية لا يقتصر على إجهاض الوحدة اليمنية وإنما يتعدى ذلك إلى المساس بالوحدة الوطنية، حيث سيؤدي إلى تكريس الحس الشطري والمناطقي والطائفي والمذهبي والقبلي. ونحن نعلم أن التشطير والتجزأة الإجتماعية أكثر خطراً من التشطير الجغرافي، فاليمن تشطرت جغرافياً ولكن مع بقاء الوحدة الوطنية أمكن توحيد اليمن بسهولة، ولكن إذا وصل التشطير والتجزأة إلى النفوس فيصبح تحقيق الوحدة مستحيلاً.
وفي هذا الصدد نذكّر القوى السياسية الوطنية ونُخَبَنا المثقفة بأهم عبرة من عبر التاريخ اليمني المتمثلة في ما فعله الإستعمار البريطاني في المحافظات الجنوبية والشرقية والإستبداد الإمامي في المحافظات الشمالية! حيث عملا على رسم خارطة إجتماعية منقسمة ومجزئة في اليمن لتكريس نفوذهما وسيطرتهما، وحاربا بكل شراسة وقوة أية محاولات لليمنيين لتعزيز التلاحم الإجتماعي والوحدة الوطنية وإقامة دولة يمنية واحدة تعمل على معالجة الإنقسام والتفتت الإجتماعي والقبلي وإرساء دعائم المجتمع المدني، فالإستعمار البريطاني لم يستطع توطيد دعائم بقائه وإحكام سيطرته على عدن إلا بعدما فرض اللامركزية السياسية أو الفيدرالية في المحافظات الجنوبية أو ما يعرف بنظام السلطنات، حيث فتت الخارطة الإجتماعية وكُرّس الإنقسام القبلي وأخذ يضرب كل قبيلة بأخرى.
وقبل الإستعمار البريطاني سعى النظام الإمامي الكهنوتي لتكريس الإنقسام الإجتماعي وتعميق الخلافات القبلية بتعميق المشاعر المذهبية والطائفية والقبلية.وعبر الخارطة الإجتماعية الممزقة إستغنى الأئمة عن إقامة دولة، ومارسوا حكماً فردياً متعسفاً تجرع الشعب اليمني من خلاله صنوف الأذى إستبداداً وجهلاً وفقراً ومرضاً.
وبقيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر تحققت منجزاتهما المتمثلة في توحيد البنية الإجتماعية وتعزيز الإندماج الإجتماعي تدريجياً، وتتوجت جهود الثورة اليمنية رغم المصاعب التي إكتنفت طريقها بتحقيق الوحدة اليمنية.
وكان الواجب بعد هذه الخطوة الإستراتيجية الكبرى اتخاذ خطوات لتعزيز التلاحم والإندماج الإجتماعي ولكن بعض القوى السياسية مع الأسف بفعل الصراع السياسي الذي نشأ بعد الوحدة، تجاوزت ضوابط التنافس السياسي المتعارف عليه إلى حد الإستهداف للوحدة اليمنية والوحدة الوطنية، وبدأت في هذا السبيل بإثارة النعرات التي كانت قد خفقت قبل الوحدة فأخذت عبر إعلامها تكريس النزعات الشطرية شمال – جنوب، والطائفية شوافع – زيود، والقبلية حاشد – بكيل، وكل الموروث الذي كرسه الإستعمار البريطاني والتسلط الإمامي..
ثم أعقبت بذلك خطوة تالية وهي عقد المؤتمرات الطائفية والقبلية والشطرية لتعميق هذه الرواسب ذات الأثر الخطير على الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية، ثم تفتقت فكرة الفيدرالية أو الحكم المحلي أو اللامركزية السياسية كخطوة أخيرة لإجهاض الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية بتغيير بنية النظام السياسي اليمني من نظام سياسي وطني إلى نظام سياسي أو مشروع تجزأة يعمل على تفتيت وتمزيق اليمن على مستوى المحافظات والنواحي في شكل فيدرالي كهنوتي يفكك الدولة ويبعثر إمكاناتها وقدرتها إلى جوار مظاهر الإنفلات والضعف والفساد التي نعاني منها، ويعصف بالبنية الإجتماعية ويمزقها بما يؤدي إلى حدوث أزمة هوية بحسب تعبير علماء الإجتماع والسياسة..
أي تكريس الشعور بالهوية الشطرية والطائفية والقبلية والمذهبية وغلبة هذا الشعور على الشعور بالهوية الجامعة - الهوية اليمنية – أي أن الشعور بالإنتماء إلى صنعاء وإلى الحديدة وإلى تعز وإلى عدن وإلى حضرموت وإلى حاشد وإلى بكيل يكون أقوى من الشعور بالإنتماء إلى اليمن. وأزمة الهوية هذه، أي تفكيك البنية الإجتماعية، هي أخطر عوامل سقوط الدولة وأخطر عوامل إعاقة المشاريع النهضوية والتحولات الحضارية لأية مجتمعات تعاني من هذه الظاهرة الخطير.
وقد يقول قائل بأن مثل هذه الأطروحات هي أفكار حالمة ومثالية فالمواطنة غير المتساوية وعملية الإستبداد والإستضعاف للآخرين هي واقع قائم. ولمثل هؤلاء أقول هذه الأمور كما أوضحت كانت واقع تاريخي كرسه الإستعمار البريطاني والإستبداد الإمامي ضد اليمنيين بشكل عام ولم يمارسه اليمنيون فيما بينهم.
ومن الإنصاف القول بأن الثورة اليمنية بشقيها قد قطعت شوطاً بعيداً في هذا الإتجاه وأحدثت تحولاً إجتماعياً كبيراً بفعل التغيرات السياسية والثقافية والإقتصادية التي أحدثتها بحيث أصبح الشعور اليمني بوحدة النسيج الإجتماعي في النفسية اليمنية هو القاعدة والأصل، وإذا كان هناك بقية رواسب لمخلفات الإستعمار والإمامة فهي إستثناء وليست قاعدة.
إن بعض القوى السياسية لإعتبارات حزبية أنانية، سعت لتأجيج هذه القضية وتضخيمها بحيث يتحول الصراع السياسي إلى صراع إجتماعي لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة، وإذا إفترضنا صحة ما يقال في هذا الجانب، فأنا أقول ما هو دور القوى السياسية والنخب المثقفة؟ الإنطلاق من ردود الفعل اللاإنسانية بتكريس القيم المريضة الشطرية والطائفية والقبلية وتعميقها أم الوقوف بحزم أمام هذه الظواهر ومحاربتها والإنطلاق بمشروع وطني جامع يضم كل الشرفاء الوطنيين لتكريس القيم الصحيحة الجامعة التي تتسع لأبناء الوطن جميعاً، ويعزز من أهمية الشعور بالمشروع الوطني الجامع والمحافظ على الثوابت لو أدركنا أن المضي في سياسة تجزأة وحدة البلاد السياسية وما يترتب على ذلك من تصدع للبنية الإجتماعية لن يستفيد منها حتى من يغلّب المصلحة الشخصية أو الحزبية على المصالح الوطنية العليا لأنه ما الذي ستجنيه أية قوة سياسية بعد أن تُخرّب البيت اليمني دولة ومجتمعاً!؟
والشيء الجدير بأن يُلفت النظر إليه وهو مما يخفف ويهدئ من الشعور بالألم أن هذه الفكرة الشيطانية، فكرة الفيدرالية أو اللامركزية السياسية، هي فكرة التيار الإمامي الذي يسعى لتكريس نفس السياسات التي مارسها الأئمة من قبل، وليست وليدة القوى الجمهورية وإن كانت فُتِنَت بها بسبب براعة الإماميين في تسويقها من خلال قاعدة إبليسية إسمها (مخاطبة النزعات العصبية) وهي سرعان ما تستفز وصدق الله العظيم المبين للأساليب الإبليسية بقوله {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}الإسراء64، وتقديم هذه الأفكار مرتدية بثوب مصلحة الآخرين لا مصلحة التيار المروج لها ويعزز من هذا النجاح دخول التيارات الجمهورية في صراع فيما بينها، فالقوى السياسية الجمهورية (المؤتمر والإصلاح والإشتراكي والتيار القومي ناصرياً كان أو بعثياً) كل أدبياتها الفكرية والسياسية موجهة ضد مشاريع التجزأة سواءً على الصعيد اليمني أو الصعيد القومي العربي والإسلامي.
فقواعد وقيادات هذه الأحزاب الجمهورية تدرك جيداً مخاطر مشاريع التجزأة التي مارسها الإستعمار إبتداءً من إتفاقية سايس بيكو وما نتج عنها من تكريس للقُطرية في الوطن العربي كخط معاكس لإتجاه الوحدة العربية والإسلامية الجامعة وإنتهاءاً بالمشروع الصهيوني الحالي الذي يخطط لإعادة رسم خارطة الوطن العربي عبر مشروع فيدرالي ينتج عنه تقسيم الدول العربية إلى دويلات مذهبية وطائفية وقبلية على غرار النموذج اللبناني. وتدرك أيضاً هذه القوى الجمهورية مشاريع التجزأة التي مارسها الإستعمار البريطاني والإستبداد الإمامي داخل اليمن.
إن على القوى السياسية الجمهورية أن تنهض من غفلتها وتدرك مخاطر الإنجرار لأطروحات قوى معادية أثبت تاريخ اليمن عبر معاناته الطويلة كما أثبت واقعنا اليوم أنها لا ترى لنفسها إستقراراً إلا بعدم إستقرار هذا الشعب.
كما يتوجب على القوى السياسية الجمهورية أن تدرك أنه على الرغم من المخاض العسير الذي أعقب قيام الوحدة اليمنية المباركة بفعل الصراع السياسي الحاد الذي شهدته الساحة اليمنية طوال المرحلة الإنتقالية وما تلاها حتى تَفجُر الحرب، وما خلفه هذا الصراع السياسي والعسكري من آثار خطيرة على الصعيد الإقتصادي وعلى مختلف الأصعدة..
إن هذا المخاض يجب أن يحول دون إدراك أهمية تحقيق الوحدة اليمنية كنقلة إستراتيجية لا تقل عن أهمية الثورة اليمنية نفسها، وأنه على الرغم من واقع المعاناة إلا أننا يجب أن لا ننسى أن في اليمن اليوم عوامل إستراتيجية تختمر تجعل من مستقبل اليمن واعداً بالخير، هذه العوامل هي الثورة والثروة والوحدة والديمقراطية والموقع الإستراتيجي والكثافة السكانية والعمق التاريخي.
هذه العوامل لو تهيأت لها ظروف إستقرار سياسي ستجعل من مستقبل اليمن واعداً بالخير، وأن مسؤولية القوى الوطنية هو توفير هذه الأجواء، وإذا لم نساعد في تهيئة الإستقرار السياسي فأقل ما نقوم به ألا نتبنى أطروحات ومشاريع التنظيم الشيعي الإمامي اليمني الذي حذّرت من مخاطره بعد الوحدة مباشرة عبر الصحف والمؤدية إلى إجهاض الوحدة اليمنية وتمزيق الوحدة الوطنية.
وما نريد أن نخلص إليه في هذا الصدد هو أن أكبر مخاطر الخلط بين اللامركزية الإدارية وبين اللامركزية السياسية تتمثل في:
1- إجهاض الوحدة اليمنية بالتراجع عن صيغتها الإندماجية إلى الصيغة الفيدرالية، وهو تراجع لا يعود باليمن إلى مرحلة التشطير بل يقودها إلى ما هو أسوأ من ذلك، إلى مشروع تجزأة على مستوى النواحي والمحافظات كما هو مطروح إلى الآن في مشروع قانون السلطة المحلية وباطنه مضامين فيدرالية خطيرة.
2- تمزيق الوحدة الوطنية بتكريس الحس الشطري والمناطقي والطائفي، وهذا بدوره سيؤدي إلى أزمة هوية تتغلب فيها هذه المشاعر المريضة على الشعور بالهوية اليمنية الجامعة.
3- أن تطبيق اللامركزية السياسية سيؤدي عاجلاً إلى إنهيار الدولة إدارياً لأن الدولة ستتفكك حتى لو إكتفينا بتفكيك السلطة التنفيذية في المحافظات والنواحي، وهذا التفكيك في ضل وضع إداري مركزي مضطرب سيؤدي إلى المزيد من الإنهيار الإداري.
4- أن تطبيق الحكم المحلي أو اللامركزية السياسية في ظل التدهور الإقتصادي الذي تشهده البلاد سيعجل بانهيار الدولة إقتصادياً ؛ لأن الموارد الإقتصادية لليمن الموحد ستتفكك فضلاً عن النفقات الإقتصادية التي تحتاجها اليمن لإنشاء أجهزة إدارية جديدة على مستوى المحافظات والنواحي عبر إحلال المجالس المحلية محل أجهزة الدولة في المحافظات والنواحي، وبهذه الطريقة نكون قد قتلنا التجربة التعاونية الشعبية بترسيتها عبر المجالس المحلية، وسنقتل أجهزة الدولة في المحافظات والنواحي بتحويلها إلى أجهزة شعبية بإحلال المجالس المحلية محلها. ولكم أن تتخيلوا كيف ستكون العناصر المنتخبة التي سيوكل إليها إدارة المحافظات والنواحي في ظل واقع مازالت تحكمه ولاءات تقليدية ويفتقد إلى الوعي فسنلاقي الصراعات والحساسيات التي ستتولد داخل كل محافظة وناحية.
إن من يطرح موضوع اللامركزية السياسية يفترض أن اليمن تعاني من مشاكل سياسية وليست إدارية وأنها ليست مجتمعاً واحداً ومتجانساً، فهو يريد بدل الإندماج الإجتماعي للشعب الواحد تكريس المناطقية بحيث تصبح صنعاء لأبناء صنعاء وتعز لأبناء تعز وعدن لأبناء عدن وحضرموت لأبناء حضرموت. والمؤكد أن هذا المرض المتمثل في القيح والصديد الطائفي والشطري والقبلي الذي تنبعث منه روائح نتنة تزكم الأنوف وتولد الشعور بالغثيان والرغبة في التقيؤ بما يحمله من خطر على الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية، وإن كانت تحمله بعض النخب المثقفة أو القيادات السياسية، فهو غير موجود عند عموم الشعب اليمني، فهم يرون أن مشكلتهم إدارية ويريدون بدل الرجل الفاسد المسئول الصالح الكفء من أية منطقة من اليمن كان، فلماذا نفترض أمراضاً وهمية ونعالجها بحلول خطيرة تؤثر على مسار الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية ونترك المشاكل الحقيقية كمشاكل الفساد؟
9- طبيعة النظام الإداري في اليمن وحقيقة مشكلاته والحلول اللازمة لمعالجتها:
على ضوء المعايير التي ذكرناها المتعلقة بمفهوم المركزية الإدارية واللامركزية الإدارية، كما يشير إلى ذلك علماء القانون الإداري، يتضح لنا أن نظام اليمن الإداري هو كغيره من الأنظمة الإدارية في مختلف الدول، نظام يجمع بين المركزية واللامركزية الإدارية، فهو نظام مركزي لأن هناك سلطة إدارية واحدة على مستوى اليمن متواجدة في عاصمة الدولة وعبر ممثليها في المحافظات والنواحي، وهو نظام يعمل بمبدأ اللامركزية الإدارية من خلال وجود هيئات إدارية لها شخصية إعتبارية ومستقلة في صورتها المرفقية أو المصلحية عبر الهيئات والمؤسسات العامة، وفي صورتها المحلية عبر وجود المجالس المحلية في المحافظات والنواحي.
إذن لو سألنا أنفسنا ماهي المشكلة الإدارية التي نعاني منها؟ فإن قال البعض كما روج لذلك الإعلام الحزبي لبعض القوى، بأنها المركزية الخانقة، نقول له بأن هذا غير صحيح على المستوى النظري الأكاديمي وعلى المستوى العملي، فعلى المستوى النظري ؛ أن الذي يقول بأن مشكلتنا هي المركزية فهو يفترض أن النظام الإداري المعمول به هو النظام المركزي دون أن يكون هناك لامركزية إدارية، وهذا كلام غير صحيح ؛ لأن اللامركزية الإدارية موجودة بدليل وجود المؤسسات العامة والمجالس المحلية، وهذه هي أعلى صور اللامركزية الإدارية في أي نظام إداري.
وعلى المستوى العملي من يقول بأن مشكلتنا هي المركزية الخانقة، نقول له إن هذا غير صحيح أيضاً، فالجميع يشتكون من أن الدولة المركزية عندنا تعاني من حالة ضعف وتفلت وليس من سيطرة ومركزية خانقة ويرددون بأن الدولة عندنا ينتهي نفوذها في الخط الدائري لصنعاء وأنه في حالة نشوب مشاكل قبلية أو مشاكل مع الدولة والقبائل يتم حل هذه المشاكل بطرق قبلية وليس عن طريق بسط قوة الدولة ونفوذها.
فالمركزية الخانقة إن أردنا الإنصاف كانت قبل الوحدة موجودة في المحافظات الجنوبية لأن الحزب أمسك الدولة والمجتمع بقبضة حديدية ومعروفة لدى الجميع.
أما في المحافظات الشمالية قبل الوحدة، فكنا كما نحن اليوم بعد الحرب، نشكوا من حالة الإنفلات والفوضى الإدارية وضعف المركزية في الدولة وليس من مركزيتها الخانقة، أما بعد الوحدة فالمشكلة الرئيسية التي عانت منها اليمن لم تكن في المركزية أو اللامركزية وإنما كانت بشكل رئيسي متمثلة في الصراع السياسي الحاد الذي نشأ بعد التقاسم الحزبي لأجهزة الدولة وتمزق شبكة العلاقات الإدارية بفعل تسخير كل مؤسسات الدولة لعملية الصراع السياسي.
وما أريد التوصل إليه بهذا الطرح ليس الدفاع عن المركزية واللامركزية لأن النظام الإداري كنظام: موجود مركزياً ولا مركزياً، وإنما القول بأن الخلل في الممارسة والتطبيق وليس في الدستور والقوانين، والإماميون الذين روجوا لإشكالية المركزية الخانقة وصدّقهم مع الأسف الكثير من المثقفين بفضل الطرق الإعلامي فضلاً عن العامة، لم يكن هدفهم إصلاح الإدارة وإنما تغيير النظام السياسي والإداري في الإتجاه الذي أشرنا إليه سابقاً فيجمعون إلى جانب مشكلة ممارسة مسئولي الدولة إفساد الأنظمة والقوانين فيتجمع لليمن فساد الممارسة وإفساد الأنظمة فتنهار الدولة والمجتمع على النحو الذي فصلناه سابقاً.
وما نريد أن نخلص إليه في هذا الصدد هو أن المشكلة الإدارية الجوهرية التي نعاني منها ليست في طبيعة البنية الدستورية والقانونية للنظام الجمهوري الوحدوي وإنما في التطبيق لهذا النظام. إذن فالمعالجة تنصب على تصويب الأخطاء في الجانب التطبيقي بخلاف النظام الشيعي الإمامي الذي حكم اليمن قبل الثورة على قاعدة الحكم الفردي وتمزيق الوحدة الوطنية فإن إشكاليته في النظرية والتطبيق على النحو التالي:، وتبدأ هذه المعالجة بحل ما يمكن أن نسميه بالنزعة الفردية للمسئولين في كل مؤسسة حكومية والتي تسير في إتجاهين خاطئين :
- عدم الإلتزام بالقوانين والنظم واللوائح الإدارية من جهة.
- ونزعة التفرد بالقرار وصبغ العمل المؤسسي بالصبغة الفردية.
وعلاج ذلك بتطبيق مبدأ سيادة القانون من جهة، وبإحياء العمل المؤسسي الجماعي وإرساء تقاليده
الحلول المقترحة للأوضاع الحالية:
إن ما نحتاجه على مستوى إصلاح الأوضاع الحالية على مختلف الأصعدة السياسية والإقتصادية والإدارية فيمكن إجماله في الحلول التالية:
1- إعمال مبدأ عدم التركيز الإداري الذي هو شكل من أشكال اللامركزية الإدارية وذلك بنقل الصلاحيات الإدارية والمالية التنفيذية من العاصمة إلى مكاتب الدولة في المحافظات والنواحي لتسهيل إنسياب العمل الإداري ولتخفيف معاناة الناس من ربط معاملاتهم البسيطة بالعاصمة بحيث يتفرغ الوزراء والقيادات الإدارية لمهمة التخطيط والتوجيه والرقابة وتوكل للقيادات الوسطية القضايا التنفيذية.
2- على القوى السياسية الجمهورية في السلطة والمعارضة إقامة تكتل جمهوري لمواجهة المخططات الإمامية الشيعية المستهدفة للثورة اليمنية ووحدة اليمن السياسية والوطنية، وعلى الأخوة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج أن يدركوا أنه على الرغم من الخلاف الشكلي في النظام الجمهوري اليمني والنظام الملكي السعودي..
إلا أن الجامع بين النظامين هو المحتوى والمضمون السنّي، وأن النظام الملكي الشيعي الإمامي الذي حكم اليمن قبل ثورة سبتمبر هو أقرب لجمهورية إيران الشيعية على الرغم من الإختلاف في شكل الأنظمة (ملكي – جمهوري) لأن المضمون الجوهري لكلا النظامين هو المضمون الشيعي بدليل الدعم الجمهوري الإيراني لممثلي النظام الملكي الشيعي اليمني من عناصر التنظيم الشيعي في صعدة (الجناح العسكري) والجناح السياسي في العاصمة صنعاء المتوغل في مراكز المال والنفوذ والمعلومات في الدولة وفي داخل الأحزاب الجمهورية ويحيك أخطر الخطط السياسية والتآمرية على الإقتصاد اليمني لتقويض النظام من داخله، وبالتالي يتوجب على الأخوة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج دعم النظام الجمهوري السنّي ووحدة اليمن إقتصادياً وسياسياً باعتبار اليمن عمق إستراتيجي لهم.
3- يجب حل إشكالية صراع الأحزاب الجمهورية في الإنتخابات والوصول إلى صيغة مرضية لحل هذه المشكلة لتفويت الفرصة على التنظيم الشيعي الذي يستغل عامل الإختلاف هذا ويؤجج الصراع بين الأحزاب الجمهورية ويمرر مخططاته الإستراتيجية من خلال هذا الصراع.
بالوصول إلى صيغة مرضية لحل إشكالية صراع القوى الجمهورية تؤدي إلى رفد التجربة الديمقراطية في اليمن ورعايتها بحيث يتم تمثيل كافة الأحزاب الجمهورية بشكل معقول ومرضي لا سيما الحزب الإشتراكي باعتباره الشريك الرئيسي في تحقيق الوحدة اليمنية.
وهذا يحتم على المؤتمر عدم إستخدام الإنتخابات كسيف مُصلت على بقية الأحزاب عبر فكرة الأغلبية المطلقة، وتفاصيل هذه الفكرة يمكن مناقشتها لاحقاً بعيداً عن الأطروحات الإمامية الشيعية (اللامركزية – القائمة النسبية – التعديلات الدستورية).
4- يتم تشكيل حكومة وفاق وطني من المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والإشتراكي والتيار القومي (البعثي والناصري) على قاعدة حماية الثوابت الوطنية (الثورة – الوحدة اليمنية – التنمية – الأمن والإستقرار) ويتم عزل التنظيم الشيعي في المعارضة.
5- تكون مهمة حكومة الوفاق الوطني عبر هذا التكتل الجمهوري مهمة إقتصادية باعتبار أن جوهر الأزمة التي تعاني منها البلاد هي الأزمة الإقتصادية الناتجة عن الصراعات السياسية الحزبية والعسكرية التي شهدتها اليمن من بعد الوحدة وعن الفساد المالي والإداري وعن التآمر على إقتصاد اليمن بهدف إسقاط الأوضاع عبر الثورة الشعبية والعصيان المدني بعد أن فشلت محاولة إسقاط النظام الجمهوري والوحدة اليمنية في 94م عبر القوة العسكرية من خلال التخطيط الإمامي الشيعي والتنفيذ الإشتراكي الغبي لا سيما بعد نجاح إتحاد القوى الشعبية في إستقطاب علي سالم البيض وحيدر العطاس لصالح المشروع الشيعي بدغدغة أصولهم العرقية الهاشمية.
وعبر الجرعات الإقتصادية التي منعت الضروريات عن الشعب المتمثلة في المواد الغذائية الأساسية وحولت تلك المبالغ إلى نفقات كمالية ليست بأهمية الأمن الغذائي للمواطن.
ولحل الأزمة الإقتصادية تضطلع هذه الحكومة بوضع برنامج إقتصادي يكون هدفه الرئيسي هو تخفيف معاناة الشعب عبر تلبية حاجياتهم الأساسية من المواد الغذائية لا تعديلات دستورية لإلغاء الوحدة اليمنية عبر الفيدرالية لأن الشعب الجائع لن يأكل تعديلات دستورية بل إن التعديلات الدستورية ستصومل اليمن عبر تجزأتها إلى دويلات فتشتعل الحرب الأهلية فينتقل الناس من مرحلة الجوع إلى مرحلة الجوع والخوف كما هو الحاصل الآن في العراق
{وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112.
وأعظم نعمة في المنظور القرآني هي نعمة الوحدة لأنها توحد الدولة والمجتمع والطاقات البشرية والإمكانات المادية والكفر بها عبر الفيدرالية واللامركزية السياسية سيجعل البلاد على شفا حفرة من نار وينقلها من مرحلة الجوع إلى مرحلة الجوع والخوف {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103، وسأبين مقام الوحدة في المنظور القرآني بالتفصيل في الحلقات القادمة إنشاء الله.
وهذه الخطة الإقتصادية ترتكز على المحاور التالية:
1- تشخيص الموازنة العامة للدولة وإعادة النظر في أرقامها على قاعدة تقديم الضروريات وتأخير الكماليات.
2- معايير إعادة النظر في أرقام الموازنة على قاعدة تقديم الضروريات وتأخير الكماليات تتم على النحو التالي:
أ- الأولوية للمواد الغذائية وإطعام الناس من جوع.
ب- مشاريع البنية التحتية.
ج- النفقات الحكومية.
3- يتم إحلال مبالغ الدعم الخارجي التي أقرت في بريطانيا محل المبالغ المعتمدة في موازنتنا لمشاريع البنية التحتية ويتم سحب المبالغ من الموازنة لدعم المواد الأساسية.
4- تتولى الدول الشقيقة (دول مجلس التعاون) مساعدة اليمن لحل مشكلة غلاء الأسعار والجوع الذي قد يسبب إنهيار الوضع السياسي في إتجاهين رئيسيين:
أ- تزويد اليمن بمساعدة عينية بتغطية حاجة اليمن المحلية من البترول والديزل.
ب- إعتماد مبلغ مليار دولار سنوياً لدعم المواد الأساسية.
5- وضع خطة إصلاح إداري لحل مشكلة الفساد يكون هدفها زيادة إيرادات الدولة وحماية النفقات العامة من الإبتزاز والهدر والعبث.
6- تفعيل الرقابة الإدارية على العناصر الفاسدة عبر تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإعمال مبدأ الثواب والعقاب لا مبدأ مكافأة المسيء ومعاقبة المحسن.
وبهذه الكيفية تُحل أزمة البلاد الحالية.
فبحل مشكلة الصراع السياسي بين الأحزاب الجمهورية في الإنتخابات عبر التنسيق والتفاهم وقيام حكومة وفاق وطني تُحل المشكلة السياسية بين الأحزاب.
وبحل الأزمة الإقتصادية تُحل مشكلة الشعب، ويتم تفويت رهان التنظيم الشيعي المدعوم إقليمياً على تثوير المحافظات الجنوبية والشمالية وإيجاد ثورة شعبية وعصيان مدني لإسقاط الوضع السياسي، وتعود خفافيش التآمر والمكر إلى وكورها خائبة بتضافر الأحزاب الجمهورية وتغليبها للمصالح الوطنية العليا وبتعاون الدول الشقيقة والصديقة. ونسأل الله أن يحفظ وحدة اليمن وأمنها وإستقرارها.
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: ما هي الفيدرالية والأقاليم وتأثيرها على المواطنة المتساوية في اليمن (دراسة)