نصت "مبادرة السلام العربية" الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية بعد تقديمها إلى قمة بيروت 2002م من ولي العهد السعودي حينذاك (خادم الحرمين الشريفين الملك) عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على "دعوة إسرائيل إلى الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة" و"قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو - حزيران (1967م) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية".
وعندها ستعتبر "الدول العربية النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً"، وستدخل "في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة". وكذا "إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل". ودعوا "المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة".
تعاملت المبادرة مع الواقع القائم في الشرق الأوسط بشكل موضوعي، وهو التوطيد الإسرائيلي منذ عام 1948م، والمُنى الفلسطينية والعربية للعودة إلى حدود ما قبل 5 حزيران 1967م، وألزمت في الوقت ذاته كافة الدول التي لم تطبع بعد مع إسرائيل بعدم الذهاب إلى ذلك طالما لم يبرح المحتل مكانه، مع مراعاة من ذهبوا إلى ذلك مبكراً.
تداولت مؤخراً منابر إعلامية مختلفة أنباء عن طلب قدمه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الملك السعودي عند زيارة الرياض في 3 يونيو - حزيران 09م وقوبل بالرفض القاطع؛
محتوى الطلب: إبداء إشارات إيجابية دالة على تقارب السعودية مع إسرائيل.
موقف المملكة العربية السعودية من هذه المسألة هو ذلك الموقف الثابت والقائم على "فقه (المبدأ)"، لا على "فقه الضرورة" الذي ذهب ببعض الدول التي فرضت الظروف عليها ذلك (أو شاءته لنفسها)، ولا يملك أحد تقدير الظرف جيداً إلا من يقفه ويفقه أبعاده.
وليس في إبداء هذه الإشارات (المطلوبة أميركياً) من السعودية أمراً مغرياً أو مشجعاً. والذهاب إلى هذه الخطوة متعلق بانتفاء الأسباب الداعية إلى القطيعة العربية الإسرائيلية. وطالما لم تنتف الأسباب ولم ينته النزاع يزيد الموقف السعودي ثباتاً لا تزحزحه رسالة يرفعها مئات من أعضاء الكونجرس الأميركي إلى الملك السعودي يطلبونه إبداء الجدية وحسن النية والزعامة(...)!. وكأنه يفتقدها ولم يبدها منذ وقت مبكر إزاء هذا الأمر.
[لعل قمة الخريف المقبل بين الملك السعودي والرئيس الأميركي ستزيد في تحويل الانتباه إلى عجز إسرائيل عن امتلاك أسباب الزعامة، وإبداء حسن النية الحقيقية حيال السلام].
كما استنكروا الموقف الفيصل لسعود بن الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون، حيث أكد (أمير الدبلوماسية السعودية) "رفض" بلاده "القيام بخطوات بناء الثقة مع إسرائيل طالما لم تنسحب من الأراضي المحتلة، ولم تستجب لطلب أميركا بوقف الاستيطان"، ولفت إلى أن "ما يشق طريق السلام هو معالجة القضايا وليس الإعلان عن مبادرات من الجانب الإسرائيلي وتحويل الانتباه من لب القضية إلى قضايا ثانوية".
المكيال الأميركي لم يكل الأمر جيداً، حتى أوباما الذي أمل الناس فيه خيراً، ولم يخب الأمل بعد، اختل لديه ميزان الأمور وبدلاً من الضغط على إسرائيل يضغط على العرب، وعلى السعودية تحديداً، متجاهلاً ما ينجم عن خطوة كهذه من نسف للمبادرة العربية من أساسها.
لقد قوى العرب على تقديم مبادرة عملية روعي فيها حق إسرائيل كما روعي فيه حق الفلسطينيين والعرب جميعاً بما "يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلامٍ جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار"، وفيها قدر من المرونة العربية تتطلب مرونة مقابلة من الجانب الإسرائيلي المتعنت، وحددت السبل الكفيلة بالوصول إلى تطبيع يفرضه مسالمة الجيران، ونقاء جو هذا الجوار.
وطالبت المجتمع الدولي دعم المبادرة والتشجيع على تنفيذها لا تأجيلها والتحايل عليها، بجرِّ دولة من الدول إلى حقل التطبيع قبل إحقاق الحق وانتهاء النزاع. خاصة السعودية التي ألزمت نفسها بهذا الموقف المبدئي وفاءً واحتراماً لثوابتها ومبادرتها العربية.
وطالما لزم المحتل مكانه ولم يعر المبادرة اهتمامه. ولم يذهب إلى الممكن فيها فمن المستحيل تطبيع مصدر المبادرة معه.
القاهرة 3 آب - أغسطس 2009م