[esi views ttl="1"]
الفكر والرأي

حرية التفكير والاعتقاد والتعبير في الإسلام

حرية التفكير في الإسلام : -

أعلت الشريعة الإسلامية – بنص القرآن العقل على التقاليد والخرافات وحثت الإنسان على إعمال الفكر والتدبر في آيات كثيرة نكتفي بإيراد قوله تع إلى : ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا الله مثنى وفرادى ثم تتفكروا . . الآية ) سبأ 46 ، قد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها حض على التفكر وإبانة لما فيه من فضل وثواب .

حرية الاعتقاد في الإسلام : -
وألزمت الشريعة الإسلامية أتباعها – بنص القران – احترام حق الغير في الاعتقاد فلا إكراه ولا ضغط ولا حجرن قال تعالى: ( لا إكراه في الدين ) البقرة 256 وقال جل شأنه ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) الغاشية . . أما من أبى فحسابه على الله ، وقال تع إلى ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) يونس 99 ، وفي آيات .

حرية التعبير في الإسلام
وأباحت الشريعة الإسلامية حرية التعبير وجعلته حقاً لكل إنسان أياً كان دينه أو عقيدته، قال تعالى:

أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. النحل 125 .
خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين . الأعراف 199 .
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.ً الفرقان 13 .
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم . الأنعام 180 . لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم . النساء148. وفي آيات كثيرة غيرها .

كما حث الله المؤمنين بل أوجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيات كثيرة وهو المبدأ المعبر أفضل تعبير عن حرية التعبير والقول في الإسلام ضمن الضوابط التي بينتها الآيات ومنها التي ذكرنا آنفاً .

ولكن كثيراً من المتأولين والفقهاء حولوا هذا المبدأ العظيم إلى أساس للحجر على الأفكار، والافتئات على حقوق المخالفين في الاعتقاد والتعبير التي أباحها الشارع الكريم.

ومن البديهي أن الأمر بالجدل بالحسنى، يفترض بداهة أن هناك أناسا نجادلهم، وهم يعبرون عن عقائدهم إلى درجة إمكانية أن يسبوا الله عدوا بغير علم.. وهذا أكبر دليل على أن الإسلام يبيح للناس كافة حرية الاعتقاد وحرية الدعوة إلى معتقداتهم، والجدال والمنافحة الفكرية عنها.

وقبول الإسلام بأهل الذمة من أكبر الأدلة على ذلك، وهم القائلون إن الله ثالث ثلاثة، وأن عزير ابن الله ، وبأن الله له صاحبة وولد. وهم المكذبون للرسول "صلى الله عليه وسلم" ،ولعيسى عليه السلام، بقولهم أنهما مدعيان للنبوة، وهم المكذبون للإنجيل والقرآن، ومع ذلك أمر الشارع بتركهم وشأنهم. فهل هنالك دليل أبلغ من هذا على أن حرية الاعتقاد والتعبير مكفولة في الإسلام كفالة تامة دون قيد أو شرط ؟.

الخلط وسوء الفهم:
لقد خلط الكثيرون بين الحريات التي كفلها الإسلام بحكم النصوص الكثيرة، وظنوا أنها نسخت بالآيات التي تحض على قتال الكفار وأهل الكتاب والمشركين. مع أنه من الواضح لكل ذي عينين، أن القتال المأمور به في الشريعة الإسلامية، إنما هو قتال يستهدف الظالمين المانعين الحاجرين لحرية الاعتقاد والتفكير، الذين بدأوا المسلمين بالقتال وظلموهم لأنهم قالوا ربنا الله.

الغلو وحكم الردة:
إن الحرفية والنصوصية قد جعلت الفقه الإسلامي الذي أنتجه أئمة المذاهب الكبار متوافقا مع فقه الخوارج.. فقد سوى فقه أئمة المذاهب عمليا بين موقف الخليفة أبي بكر الصديق من مانعي الزكاة، وبين موقف الخوارج القائل بكفر مرتكبي الكبيرة وضرورة قتلهم حدا. وذلك لعدم قيام أئمة المذاهب بتوضيح أن موقف الخليفة أبو بكر الصديق من مانعي الزكاة، إنما كان في حقيقته تطبيقا لحكم خاص على مانعي الزكاة من العرب، ورد في سورة التوبة، لا ينسحب على غيرهم.

فقد اشترط الله لقبول توبتهم شرطين هما: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فمنعوا الزكاة فوجب قتالهم بنص القرآن فقاتلهم الصديق، وللسبب ذاته كان بن أسيد والي الرسول على مكة يقتل من أهل مكة من تخلف عن صلاة الجماعة. فلم يكن موقف الصديق-والحال هذه- اجتهادا منه كما سيأتي بيانه. ولعدم تمييز الفقهاء بين الموقفين، وجدت ظاهرة الخوارج وكل ظاهرة متطرفة في التاريخ الإسلامي أسس مشروعيتها في فقه أئمة المذاهب المشهورة.

سورة التوبة وحكم الردة:
الخوارج القدماء والمحدثون الذين فتنوا بحروب الردة لم يعلموا – لأنهم لا يتدبرون - أن قتل مانعي الزكاة من العرب- على الرغم من أنهم شهدوا شهادة الإسلام - إنما كان أمرا خاصا بهم أنزله الله فيهم في سورة التوبة، التى أعلنت في يوم عرفة وأن الله تع إلى قسم فيها المشركين إلى أربعة أقسام فنصت الآية "5" على قتال المشركين غير المحاربين- وهو ما يفهم من السياق- بمجرد انتهاء الأشهر الحرم أي بنهاية محرم فكانت مهلتهم شهرا وعشرين يوما.

أما الصنف الثاني من المشركين فقد كانوا أولئك المعاهدين الذين سبق أن قاتلوا المسلمين فكانت مهلتهم أربعة أشهر وهذا الحكم ورد في الآية "2".

أما الصنف الثالث فكانوا أولئك المشركين المعاهدين الذين لم يسبق أن قاتلوا المسلمين ولم يعينوا عليهم أحدا فأمر الله في الآية "4" بأن يتموا عهدهم إلى مدتهم.

أما الصنف الرابع فقد كانوا أولئك الذين عاهدهم المسلمون عند المسجد الحرام فأمر الله المسلمين أن يستقيموا لهم على العهد ما استقاموا لهم وذلك حسب نص الآية "7".

ثم جاء حكم من قوتلوا على الزكاة في حروب الردة وهم المشركون الذين قوتلوا بعد نزول سورة التوبة فتابوا واسلموا أو خافوا فاسلموا دون قتال، قال تعالى: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلمهم ينتهون ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أو مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يعذبهم الله بأيدكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" الآيات 10-13، وقد تحقق وعد الله ونصر المسلمين على الناكثين المرتدين أو الناكثين الذين منعوا الزكاة وإن لم يعلنوا كفرهم بل قالوا: "زكاة أغنيائنا نردها على فقرائنا". وهو قول لا غبار عليه لولا الآيات التي سبق نزولها فيهم، فهذا حكم خاص بهؤلاء.

والدليل على ذلك أن المنافقين في المدينة الذين حكم الله بكفرهم في أكثر من آية، وتبين كفرهم في أكثر من موقف، سخرية من المسلمين، وإيذاء لهم، وخذلانا لهم في مواطن القتال الخطر، كيوم أحد، والأحزاب، وتخلفهم عن غزوة تبوك، وإشاعة من التحق بالغزوة منهم الفتنة بين المسلمين، لم يقتلهم الرسول، ولم يقتلهم خلفاؤه على الرغم من أنهم كانوا معروفين بأسمائهم، ورغم ارتكابهم كبائر لا تقل عن منع الزكاة بل تفوقها خطرا على المسلمين، وذلك لأن الأصل في الإسلام "لا إكراه في الدين"، "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، "ادفع بالتي هي أحسن" ولو كان كل من تأول أو ارتكب كبيرة لابد من تكفيره وقتله لكان المنافقون أولى بالقتل من غيرهم،

ولقام الإمام علي بقتل الخوارج لتكفيرهم إياه ومن معه من المسلمين، ومفارقتهم للجماعة، ونكثهم للبيعة- وهو لم يقاتلهم إلا بعد أن قتلوا ابن خباب وامرأته ورفضوا تسليم قاتليهما قائلين: "كلنا قتله"- ولكان الرسول صلى الله عليه وسلم قتل أصحاب مسجد الضرار الذين أخبر الله في القرآن الكريم أنهم اتخذوه كفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل .

الرأي الفقهي السائد:
جاء في كتاب الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني "فتح القدير- الجزء الثاني ص383"، في تفسير قوله تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير، يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير" 73-74.

قال المصنف رحمه الله: الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الجهاد أمر لأمته من بعده، وجهاد الكفار يكون بمقاتلتهم حتى يسلموا، وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم حتى يخرجوا عنه ويؤمنوا بالله ((…))

ثم يقول : وقد اختلف العلماء في قبولهم من الزنديق لأنه لا يعلم صحة توبته إذ أنه في كل حين يظهر التوبة والإسلام ( وإن يتولوا ) أي يعرضوا عن التوبة والأيمان ( يعذبهم الله عذاباً أليما في الدنيا ) بالقتل والأسر ونهب الأموال ( و ) في ( الآخرة ) بعذاب النار " انتهى كلام المصنف .وهذا التفسير للآيات يتفق معه عليه من سبقه من المفسرين.

وأقول وبالله التوفيق. إن هذا التفسير وما يترتب عليه من حكم بالنسبة لهذه الآية بالذات، لا أصل له ولا سند له ولا دليل عليه، وذلك لأنه لو كان معنى الجهاد في هذه الآية هو القتال لفعله النبي عليه الصلاة والسلام بالمنافقين، لأن الحكم شملهم دون تمييز بينهم وبين الكفار في الحكم، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يفعل ما أمره به ربه .

إذن فإن ذلك التفسير للآية وما يترتب عليه من حكم لا يصح نقلاً ولا عقلاً ، والتفسير الذي يتوافق مع أحكام الله الواردة في كتابه ومع سيرة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام هو : أن المقصود المجاهدة باللسان واليد دون القتال، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين أمر بهدم مسجد الضرار وتحريقه، والغلظة على الكفار والمنافقين في القول وذلك رداً على شبهاتهم وتبياناً لشناعاتهم وانحرافاتهم، حتى يعرفوا بذلك. ويضئ تفسيرنا هذا لكلمة الجهاد في هذه الآية ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم : "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " .

هل المنافقون مرتدون؟
لقد حكم الله تع إلى بردة المنافقين صراحة في قوله تع إلى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون . لا تعتذروا قد كفرتم بعد أيمانكم …ألآيه) التوبة 65-66 وقوله تع إلى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير . يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم . . الآية ) التوبة 73-74 .

وقد احتج فقهاء المذاهب الإسلامية المختلفة على حكم قتل المرتد بقوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزناً بعد إحصان ونفس بغير نفس" وجعلوا علامة الكفر جحد كل معلوم من الدين بالضرورة. وقد وردت عشرات الأقوال والأفعال الموجبة للردة في كتب الفقهاء تدخل كلها تحت هذا التعريف الواسع الفضفاض. ولكن العجيب أن أحداً منهم لم يسأل نفسه: لم لم يقتل الرسول المنافقين وقد حكم الله تع إلى بردتهم .

هل يجوز قتل المرتد والزنديق ؟
إنهم لم يفكروا ملياً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحدد مستحق القتل، بأنه التارك لدينه المفارق للجماعة. مع أن تدبر الحديث يرينا أنه أوسع دلاله من حديث "من يدل دينه فاقتلوه "وأن هذا النص بالذات يبين أن المفارق للجماعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا بد له أن ينضم إلى الكافرين المحاربين للمسلمين وإلا فأين يذهب ؟ وأن هذا هو من يجب قتله من المرتدين بمقتضى هذا الحديث وذلك لمحاربته وليس لارتداده . فقد أرتد المنافقون ولم يقتلهم الرسول ولا خلفاؤه من بعده كما أن الرسول قتل اليهود وأجلى بعضهم لمحاربتهم ونقضهم العهد وليس لكفرهم .

لقد أدت النصوصية في هذه القضية بالذات إلى معظم الفتن التي عاني منها عالم الإسلام، فرأينا فتاوى توجب قتل طوائف بأكملها كالنصيرية والإسماعيلية وغيرها من فرق الشيعة بعد أن تم تكفيرهم واعتبروا مرتدين، وتناسي أو تجاهل أصحابها أن الاختلاف من حكم الخلق بنص القرآن لقوله تعالى:( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)هود118-119.

ثم إن أحاديث الرسول الثلاثة التي ذكرنا لم تشمل حكم الحربي وهو المستحق للقتل بنص القرآن فدل ذلك على أنه المقصود بالكفر بعد الايمان، وذلك دليل آخر على ان المرتد لا يقتل إلا إذا نبذ الشهادتين وحارب، وأما بدون توافر هذين الشرطين فلا .. وهو ما يعضده ويؤكده عدم قتل الرسول للمنافقين المرتدين الثابتة ردتهم بنص القرآن. والثابت أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يأمر بقتل المنافقين لأن الله تع إلى لم يأمر بقتلهم، والدليل قوله تع إلى : ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا أنا معكم متربصون ) التوبة 52 . وهذه الآية ضمن أواخر التنزيل.

وقوله تع إلى : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً ) الأحزاب 60 61–

وقد أنزل الله الحكم باليهود وهم من المقصودين بهذه الآية، فمنهم من قتل ومنهم من أجلي عن المدينة، ولم ينزله الله بالمنافقين ولذلك لم يقتلهم الرسول ولا خلفاؤه من بعده، فكلهم وقاف عند أوامر الله ونواهيه .. ومع ذلك، فان الفقهاء في أحكامهم حكموا بقتل من هو مثل المنافقين من المرتدين والزنادقة ولو لم يحاربوا، وهذا الحكم - فيما يظهر مما استعرضناه - لم ينزل الله به سلطاناً وليس لهم فيه سند قاطع، وأن الأمر لا يعدو أن يكون اجتهادا غير مصيب، وقد كانت نتائجه وخيمة جداً على مجتمعات المسلمين لما أشاعه فيها من الإرهاب الفكري نتيجة التوسع في تعريف الردة والزندقة، فأصبح هذا الحكم من أهم وسائل الظلمة في فرض الإرهاب وحكم الجور والاستبداد، وتهديد حياة كل مجتهد أو مفكر لا يرضي الظلمة عن فكره واجتهاده .

القتل نهيأ عن المنكر
لقد اعتبر الفقهاء حديث تغيير المنكر باليد أوالقلب أو اللسان تصريحاً بالقتل والعدوان، حتى لقد أباح فقهاء المذاهب لآحاد المسلمين إنفاذ الحدود والقتال نهيا عن المنكر، بما في ذلك قتل المرتد.

ولم يروا على القاتل عقوبة إلا التعزيز لافتئاته على السلطان، محتجين في ذلك بقصة الزوجة التي قتلها زوجها الأعمى في منزله ليلاً لأنها سبت الرسول صلى الله عليه وسلم، فأهدر دمها . .

مع أن في ذلك الحديث الكثير من العلل التي تقدح في صحته، وإن لم يكن فيه إلا إعفاء القاتل من العقوبة بناء على دعواه دون بينة لكفي به قادحاً لمخالفته الصريحة للكتاب والسنة، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيز ذلك حكما عاما. فمن الثابت أن العقوبات لا تنفذ إلا بإقرار أو بينة، ومن البديهي أن مناط ذلك ومكانه مجالس الحكم لدى القضاء، وإلا أصبح الأمر فوضى يعمل فيه كل امرئ ما يحلو له حتى القتل وهو ما لا يستقيم عقلاً ولا نقلاً ويجافي كل منطق سليم .

إن حكم قتل المرتد أو الزنديق أو الكافر من غير المحاربين ليس له سند صحيح من كتاب الله ولا سنة رسوله، وهو لا يعدو كونه سوء فهم كلف هذه الأمة غالياً، والحكمة من عدم قتل غير المحارب واضحة جلية بعد هذه القرون التي مرت على الأمة الإسلامية. فقد فتح باب قتل المخالفين غير المحاربين أبواباً للاستبداد والجور للمستبدين والجائرين من الحكام والظلمة وأهل الأهواء.

وأدى إلى استحلال ما حرم الله على المسلين أشد التحريم وأغلطه من الدماء والأموال والأعراض، وقاد إلى قمع المعارضين، وقتل المخالفين، وإلى الحجر على حرية الناس في التفكير والتعبير، وسوغ لكل مجرم إرهابي ضيق الأفق الولوغ في الدماء باسم الدين، فكانت نتيجة ذلك كله تخلف الأمة وتقهقرها في العالمين.

وحق أن الله يؤاخذ الإنسان بما يقول، إلا أن ذلك لم يرتب حكماً يحجر على حرية الإنسان في التفكير أو التعبير في الدنيا ، فكل له أن يعبر عن أفكاره وحسابه على الله .

والثابت أن الله تع إلى حرم الدماء سواء كانت دماء الكافرين أو المسلمين إلا بحقها، وحقها رد العدوان والمحاربة والنفس بالنفس والزنا بعد الإحصان .

قتال المسلمين دفاعي
إن آيات القتال الواردة في القرآن وكذلك آية السيف، لا يمكن فهمها فهما صحيحاً إلى على ضوء الآية الأساس التي تحدد طبيعة قتال المسلمين وأنه قتال دفاعي محض قال تع إلى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) البقرة 190 .فهل يزعم أحد،أن الله بدا له أن يحب المعتدين فنسخ هذه الآية بغيرها ؟

وليس من الإسلام أن ينهى المرء عن المنكر بقتل المخالفين دون حق، أو بالعدوان المادي عليهم.

فإذا كنا ستقتل كل من خالفنا فمن سندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؟ .
قال تع إلى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول . . ) الآية النساء 59 . وقال عز من قاتل : ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة في أمرهم ) الآية الأحزاب 26 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن حديث معقل بن يسار رضي الله عنه " اعملوا بالقرآن احلوا حلاله وحرموا حرامه واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه وما تشابه عليكم فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كي ما يخبروكم ، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنه أول شافع مشفع وما حل مصدق وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى و أعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش " قال الحاكم في اخراجه : صحيح الإسناد .

وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت وحسبي الله ونعم الوكيل وهو الهادي إلى سواء السبيل .

زر الذهاب إلى الأعلى