آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حرب صعدة.. الجذور التاريخية والأبعاد الفكرية (1-8)

إن الفتنة والتمرد الذي قاده الجناح العسكري لحزب الحق وإتحاد القوى الشعبية في صعدة يعتبر مؤشراً خطيراً على استهداف النظام الجمهوري والثورة اليمنية ومنجزات الوحدة، وفي نفس الوقت يعتبر هذا التمرد العسكري خروجاً وتحدٍ صارخ للشرعية الدستورية وللمسار الديمقراطي الذي استفاد منه الإماميون قبل غيرهم فلولا الحرية السياسية والديمقراطية والتعدد الحزبي لما عبر التيار الإمامي الكهنوتي عن نفسه عبر أحزاب وصحف معلنة ولما نشطوا هذا النشاط في مختلف الاتجاهات سياسياً وتعليمياً وأخيراً تمرد عسكري.

ولمّا كان الإماميون العنصريون هم مشكلة اليمن التاريخية وأعداء أي نهضة وتقدم للبلاد فمن الطبيعي أن يفهموا الحرية والتعددية السياسية كفرصة ومنطلق لمزيد من الهدم والتآمر والمكر والخداع، فنشاطهم السياسي من بعد الوحدة تركز في التغلغل داخل الأحزاب الجمهورية وإثارة الفتنة والصراع فيما بينها وفي التغلغل داخل أجهزة الدولة والعمل على تخريبها من الداخل من خلال إشعال الفتن والحرائق على مستوى الوطن كله فقد كانوا المحرك الرئيسي للفتنة والحرب في صيف 94 التي أرادوها حرباً للإطاحة بالنظام الجمهوري وأرادوها وسيلة لضرب الوحدة اليمنية وتمزيق الوحدة الوطنية عبر وثيقة العهد والاتفاق التي هي في حقيقتها أفكار إمامية خالصة لكن طموحاتهم فشلت وجاءت الحرب لترسيخ الوحدة اليمنية ولمزيد من القوة للنظام الجمهوري.. وكلما أوقدوا ناراً للفتنة والحرب أطفأها الله..

ولكنهم بنفسياتهم الشيطانية، كلما فشلوا في التآمر والفتنة لجأوا للتآمر بشكل آخر ويزداد الجناح السياسي جرأة كلما اشعلوا فتنة، ووجدوا تسامحاً وعفواً من القيادة السياسية.

وفي أجواء الصراع السياسي بين الأحزاب والتنظيمات السياسية بعد الوحدة نجد حزب الحق(الجناح العلمي) للتيار الإمامي ينشط تعليمياً عبر المدارس المذهبية وحلقات التعليم في المساجد لتهيئة عناصر مقاتلة من أبناء اليمن لتتكرر نفس المشاهد التاريخية (التمرد العسكري من صعدة) ثم مواصلة اتساع دائرة التعليم والتمرد لتشمل مناطق أخرى ثم إغراق اليمن في بحار من الدماء ولكن بحمدالله أن الفتنة والتمرد ظهرت في نطاق محدود من صعدة قبل إستفحال الخطر لتكون مؤشرات أحداث صعدة السياسية أخطر من الأحداث العسكرية نفسها لأنها تدل على أن الإماميين مازالوا بتلك العقلية والنفسية التاريخية يحلمون بإسقاط النظام الجمهوري وبعودة اليمن إلى الوراء إلى عهود الإمامة البغيضة.

الإمامة الممارسة والعبرة التاريخية :

من هذا المنطلق لا بد من التذكير بالملامح العامة لحكم الطاغوت الإمامي البائد ولطبيعة الفكر والمذهب الهادوي الإمامي الذي يخفي من وراءه مطامعهم وأهدافهم السياسية .

فالإمامة في تاريخ اليمن هي أكبر نكبة في تاريخ شعب ذلك أن مجموعة من الأغراب جاءوا إلى اليمن من طبرستان والديلم يلبسون أثواب الإسلام وعمائم العلماء ويخفون تحت عمائمهم قرون الشيطان بمنهجيته الإستعلائية الإستكبارية منتحلين للنسب النبوي الكريم كذباً وزوراً وصدق الشهيد الزبيري عندما قال:

حاشا لله أن يكونوا لطه بل وحاشا أن ينتموا ليزيد
لو يصح إنتسابهم لعلي كرم الله وجهه في الخلود
لاقشعرّت دماءهم من حياء وأبت أن تجري لهم في وريد

ولما كان الشعب اليمني يحب الإسلام إستقبلوا هؤلاء الأغراب بحسن نية وقبلوا بهم كمواطنين لهم ما لليمنيين من حقوق وعليهم ما على اليمنيين من واجبات ، لكن الإمامة لما توطدت في اليمن مذهباً وتوطدت نظاماً رفضت الإعتراف بحقوق اليمنيين السياسية والإجتماعية بل رفضت إعتبار اليمنيين مجرد مواطنين أحراراً بل خدماً وعبيداً بدليل ما كان يكتبه اليمنيون للإمام في رسائلهم حيث فرض عليهم تذييل آخر كل رسالة بعبارة (خادم تراب نعالكم) ، وبدليل رسائل الإمام إلى القبائل اليمنية حيث كان يفتتح رسائله بقوله (خدّامتنا أرحب – خدّامتنا خولان – خدّامتنا حاشد – خدّامتنا بكيل -.....الخ).

لكن أكبر دليل على النهج الإستكباري الإستعلائي الذي مارسه الإماميون في اليمن عبر فترة حكمهم يتمثل في الملامح العامة السياسية الثابتة لحكمهم المتمثلة فيما يلي :

1. إختكار السلطة السياسية .
2. التقسيم الطبقي البشع للمجتمع اليمني إلى (سادة) (عبيد).
3. سياسة الفقر والجهل والمرض .
4. سياسة (فرّق تسد) عبر إثارة مختلف النعرات العصبية القبلية والطائفية والمذهبية.
5. سياسة إشعال الحروب المتواصلة بين العصبيات القبلية لضرب قبيلة بقبيلة على حد تعبير أحد الأئمة بقوله :

ولأضربن قبيلة بقبيلة ولأتركن بيوتهن نياحا

هذه هي ثوابت السياسة الإمامية في حكم اليمن وهذا ما قام به الأئمة بالفعل عبر تاريخ حكمهم .

فعندما تعمق التعليم الإمامي بنظرية الإمامة في المذهب - القائمة على أساس التفسير العنصري الإستكباري الإستعلائي للدين – إحتكر الإماميون السلطة السياسية وتم حرمان اليمنيين من حقوقهم السياسية تحت شعار حصر الولاية العامة في البطنين ووصل هذا الإحتكار السياسي للدولة إلى حد العقيدة عند كثير من اليمنيين حتى أنهم كانوا لا يرون لأنفسهم حقاً في الوصول إلى منصب الإمامة مع أن الإسلام أقام الخلافة والولاية العامة على أساس العقيدة والإيمان {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }النور55 وليس على أساس النزعة العنصرية الشيطانية {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }ص76 .

وهكذا تحول أبناء اليمن الذين كانوا قادة عبر التاريخ وأرسوا دعائم حضارات عظيمة شهد لها التاريخ وشهد لها الوحي السماوي تحولوا إلى عبيد مستضعفين عند هؤلاء الأغراب المستكبرين وصدق الله العظيم القائل : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }سبأ15.

وبموجب هذا المذهب العنصري لم يتم حرمان اليمنيين من حقوقهم السياسية فحسب بل حرموا من حقوقهم الإجتماعية بشكل عام حيث لم يكتفي الإماميون بإحتكار السلطة السياسية بل قاموا بتقسيم المجتمع اليمني تقسيماً طبقياً إستكبارياً شيطانياً إلى طبقتين :

* طبقة المستكبرين السادة .
* وطبقة المستضعفين أبناء اليمن .

مع أن الإسلام لا يؤمن بالطبقية ويعتبر المؤمنين طبقة واحدة وأنهم جميعاً إخوة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .

(طبقة السادة) لهم السلطة والثروة والعلم (وطبقة العبيد) أبناء اليمن ليس لهم أي حقوق سياسية واجتماعية بل إن الإماميون رفضوا قوله تع إلى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) حيث حصروا هذا المصطلح القرآني (إخوة) في طبقة السادة وفرضوا على اليمنيين إطلاق كلمة (سيدي) على من ينتمي للطبقة الأولى وكذلك تقبيل ركبهم وإذا أخطأ أحد اليمنيين وقال لأحد من السادة : (يا أخي) يجيب عليه السيد : (أخوك الكلب . سيدك وعينك).

فهل هذا الكبر والإستعلاء له علاقة بالإسلام حاشا لله ، لأن الكبر والإستعلاء هو مذهب الشيطان لا مذهب القرآن بل إعتبر القرآن كبر إبليس على آدم {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }ص76 سبباً لكفره ولعنه وطرده من رحمة الله بصريح قوله تع إلى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }البقرة34 .

وقد يقرأ البعض من شباب ما بعد الثورة السبتمبرية المباركة هذا الكلام ويستغربون ولا يصدقون ولكن مع الأسف إن هذا الكبر والإستعلاء الإمامي قد مورس بالفعل تاريخياً وما عليهم إلا أن يسألوا آباءهم بل لعل الكثير يدركون أننا ما زلنا نعاني من آثار اللوبي الإمامي الأعجمي الإجتماعية والسياسية حتى اليوم وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }النمل34.

ولو تدبرنا القرآن لأدركنا أن معايير الرفعة درجات ومعايير الهبوط دركات (العزة – الذلة- التكريم) قد أقامها الإسلام على أساس العقيدة والإيمان والعلم والعمل الصالح وليس على أساس الأفضلية السلالية والعرقية بصريح قوله تع إلى {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8 ، فالعزة بصريح الآية لله ولرسوله وللمؤمنين والذلة للمنافقين ، وليست العزة لبني هاشم والذلة للمؤمنين كما فعل أئمة الدجل في اليمن حيث جعلوا العزة لبني هاشم والذلة لليمنيين حقيقة تاريخية عبر إحتكارهم للسلطة وتقسيمهم للمجتمع إلى سادة أعزاء مستكبرين ويمنيين أذلاء مستضعفين والأخطر من ذلك هو إلباس هذه النزعة الشيطانية الإستكبارية لبوس الدين عبر المذهب الهادوي .

فإذا كان الله سبحانه وتع إلى قد أخرج الشيطان ولعنه وطرده لكبره بقوله تع إلى {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ }الأعراف13، فنحن نقول لهؤلاء المستكبرين إما أن تقبلوا بالإعتراف بحقوق اليمنيين السياسية والإجتماعية وبمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات كما قبل بكم اليمنيين وأنتم غرباء عندهم وإلا (فاخرجوا من أرض اليمن فما يكون لكم أن تتكبروا فيها) .

وبهذا يتضح أن العزة قائمة على أساس الإيمان والعمل الصالح وليس على أساس النزعة العنصرية الشيطانية والمكر الشيطاني {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }فاطر10.

والرفعة في القرآن أيضاً تقوم على أساس الإيمان والعمل الصالح وليست الرفعة درجات على أساس النزعة العنصرية بل الهبوط دركات لقوله تع إلى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة 11 .

وكذلك التكريم الإلهي القرآني قائم على أساس التقوى لقوله تع إلى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13، وهذا التكريم الرباني لآدم بإعطائه ولبنيه الحق السياسي في الخلافة والولاية رغم وضاعة نسبه (وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) على أساس الإيمان والعلم هو الذي أغضب الشيطان فقال {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }الإسراء62.

وبعد أن أوضحنا طبيعة حكم الطاغوت الإمامي المحتكر للسلطة السياسية وعلى سياسة التقسيم الطبقي للمجتمع إلى مستكبرين ومستضعفين نوضح الأساس الثالث من أسس الحكم الإمامي الطاغوتي وهو سياسة الجهل والفقر والمرض :

حيث لم يكتف أئمة الدجل والضلال عبر التاريخ بحرمان الشعب اليمني من حقوقه السياسية والإجتماعية فلو أنهم حكموا واحتكروا السلطة وأحدثوا تنمية ونهضة لكانت الآثار لنزعتهم العنصرية الشيطانية أخف ، ولكن نفسياتهم الطغيانية لم تكتف بإحتكار السلطة والمعاملة الإجتماعية الدونية لأبناء اليمن عبر التقسيم الطبقي البشع (سادة – عبيبد) وإنما حكموا وفرضوا على الشعب اليمني ما نعرفه جميعاً سياسة (الفقر – الجهل – المرض) فلم يكن في يمن ما قبل الثورة طرق مسفلتة ولا مدارس ولا مستشفيات ولا كهرباء ولا مياه عدا مدارس تعد بالأصابع تعلم وفقاً للمذهب العنصري لتخريج موظفين لخدمة الإمام ، بل إن الأئمة قاموا بهدم كل الآثار الحضارية الضخمة حتى لا يتذكر اليمنيون أمجادهم التاريخية ، كما قاموا بمصادرة وحرق كتب التاريخ التي تتحدث عن الحضارات اليمنية السابقة أهمها كتاب الإكليل للهمداني الذي أخفوا أهم أجزائه مصداقاًُ لقوله تع إلى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{206}) البقرة .

فالإسلام من أهم مقاصده على مستوى الدول والحضارات هو الاصلاح في الارض وعدم الفساد فيها بالتنمية والحضارة ازدياد العمران، لكن انجازات الأئمة تتلخص في الآية السابقة التظاهر بالتدين وخداع الناس بالعمائم الكبيرة والكلام المزين فإذا حصل على شئ من القوة سعى في الأرض فساداً إحتكار السلطة السياسية، التقسيم الطبقي البشع إجتماعياً إهلاك الحرث والنسل عبر سياسة الفقر والجهل والمرض.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ{8} يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ{9} فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ{10} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ{12} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ{13} وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ{14} اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{15})

ولو نظرنا لواقع اليمن اليوم قياساً على ما كان عليه قبل الثورة ولظروف الجهل والمعاناة التي عاشها شعبنا لأكثر من ألف عام وعلى الرغم من أن اليمن بعد الثورة مرت بحرب أهلية طويلة بسبب الإماميين سنجد يمن ما بعد الثورة حققت الكثير من الإنجازات قياساً بما كنا عليه أضف إلى هذه الإنجازات أهم منجز تحقق بعد الثورة وهو الوحدة اليمنية وعلى الرغم من الصراع السياسي المرير الذي شهدته اليمن بعد الوحدة بفعل دسائس ومكر الجناح السياسي والعلمي للإمامة الذي هو أكثر خطراً من الجناح العسكري الموجود في صعدة الآن. ومع هذا نجد ثورة في التعليم آلاف المدارس قياساً بما كنا عليه قبل الثورة لا بما نطمح له مستقبلاً وثورة في الطرقات وثورة في المواصلات والكهرباء والمياه وفي مختلف المجالات أقول هذا حتى تدرك الأحزاب التي شاركت عبر صحفها وإعلامها في إشاعة أجواء الإحباط عن الأوضاع القائمة وفي النظرة السوداوية للواقع لخدمة اللوبي الإمامي الذي كرس حملته الإعلامية عبر صحفه وصحف الأحزاب الأخرى وعبر عناصره حتى في الصحف الرسمية لايجاد هذه النظرة السوداوية وأنا هنا لا ادافع عن الفساد ولكن أنبه وأرفض النقد الإمامي البارع في الترويج الإعلامي الذي ينقد ليس من موقع الاصلاح وحب الخير ولكن بهدف تهيئة النفوس للعودة إلى ماقبل الثورة، فنحن يجب ان نمارس النقد الايجابي وهو النقد الذي ينتقد الحاضر واخطاءه بهدف الوصول إلى مستقبل أحسن وليس التهيئة للماضي البغيض. ومن هنا يجب ان يكون نقدنا مصحوباً بالمقارنة بانجازات الثورة والوحدة قياساً بيمن ماقبل الثورة واستطيع القول بكل ثقة ان اليمن من بعد الثورة وبعد الوحدة لوسلمت من مؤامرات اللوبي الإمامي العنصري(الجناح السياسي) المتغلغل في داخل الدولة وفي داخل الأحزاب وفي داخل القبائل يشعل بينها الحروب لكان الوضع الإقتصادي والتنموي أفضل بكثير مماهو عليه حالياً.

أعود لتوضيح الملامح العامة لطبيعة الفكر الإمامي وللنظام الإمامي فأقول أن الائمة لم يكتفوا بإحتكار السلطة السياسية وإعتبار أي يمني يصل إلى رأس الدولة خارج عن الاسلام كما يعتبر الإماميون اليوم النظام الجمهوري خارجاً عن المشروعية لا لشيء وانما لأنهم ليسوا على رأس السلطة السياسية ولم يكتفوا بالتقسيم الطبقي البشع وإشاعة «الفقر والجهل والمرض».

بل إلى جانب ذلك هناك واحد من أبرز ملامح حكمهم لليمن وهو تمزيق الوحدة الوطنية وإثارة مختلف النعرات المذهبية والطائفية والقبلية، فالائمة القدامى والجدد لديهم قناعة أنه لا استقرار لهم الا بعدم استقرار هذا الشعب ولذلك يقومون بإثارة هذه النعرات ثم بإشعال الحروب الاهلية المتواصلة فالعقلية الإمامية العنصرية تنظر لليمن بنفس نظرة العقلية اليهودية العنصرية، فاليهود عندهم قناعة أن لا استقرار لهم في المنطقة إلا بالتجزئة وإثارة مختلف النعرات لذلك قاموا اولاً بضرب الخلافة العثمانية تخلصاً من الكيان السياسي الجامع للأمة الإسلامية وأقاموا الدولة القطرية بقوة الاستعمار واليوم عبر المشروع الشرق أوسطي يريدون انهاء الدولة القطرية لأنهم مازالوا يشعرون بخطرها وإقامة الدويلات المذهبية والطائفية كما هو حاصل في العراق الآن.

والائمة القدامى مزقوا البنية الاجتماعية عبر التقسيم الطائفي والمذهبي والقبلي واشعلوا حروباً أهلية متواصلة والائمة الجدد قدموا بعد الوحدة اليمنية مشروعاً فيدرالياً لايؤدي إلى إلغاء الوحدة الإندماجية بين شمال وجنوب فحسب وإنما تمزيق الخارطة الإجتماعية اليمنية إلى ثلاثه آلاف كانتون سياسي (بحسب ماطرحه زيد الوزير في كتابه نحو وحدة يمنية لامركزية) وروجت له العناصر الإمامية في كافة الأحزاب وتبنت هذا المشروع كافة القوى.

ولم تدرك كثير من القيادات الحزبية خطورة هذا المشروع الفيدرالي ولا ابعاده لان اللوبي الامامي لديه مقدرة في تلبيس الحق بالباطل في السياسة بنفس المقدرة في هذا التلبيس الابليسي باسم الدين كغطاء لتحقيق مطامع الإمامة السياسية الذي جوهره نظرية الإمامة وبموجبها يتحول الإسلام من رحمة للعالمين إلى قطاع خاص لبني هاشم والبطنين لهم السلطة والثروة والعلم وبقية العالم (خادم تراب نعالكم) مع أن القيادات الامامية لمن يعرفهم لايؤمنون حتى بالمذهب الهادوي لانهم كتبوا هذه الافكار وفصلوها ليؤمن بها العامة والقبائل (والذين في قلوبهم زيغ يتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) وقد نطق بهذا المضمون القرآني كثيراً من الحركات الشيعية إثر سقوط الإمبراطورية الفارسية وعجزهم عن مواجهة الإسلام من خارجه قالوا (عجزنا عن مقاتلتهم على التنزيل فسنقاتلهم على التأويل).

من هنا ينبغي ادراك خطر التعليم المذهبي وخطر المذهب بصورة خاصة لأنه مذهب سياسي عنصري ملفق وليس كبقية مذاهب أهل السنة، فهو ليس مذهباً معتدلاً كما يشيع عنه الاماميون، فالتعليم المذهبي عبر التاريخ هو شريان الحياة الذي كان يعيد الأئمة للحكم كلما سقطت دولتهم، أما الصورة العامة لطبيعة حكم الإمامة التاريخي من خلال المذهب وملامحها الرئيسية الكلية الثابتة فهي ما اوضحناه بإيجاز، ولذلك نجد القرآن الكريم يشدد بصورة خاصة على الذين يؤولون الإسلام ويفسرونه وفق مصالح شخصية تخدم طائفة أو عنصر( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً) (والذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلا) (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وماكانوا مهتدين) فذاك هو أسلوبهم في التلاعب بكتاب الله وسنة رسوله (تفصيل المذهب لمصالح الإمامة) وتلك هي النتيجة(واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل).

مسئول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح

زر الذهاب إلى الأعلى