آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حرب صعدة.. الجذور التاريخية والأبعاد الفكرية (2-8)

لما كان جوهر الإسلام قائماً على مقاصد الحرية والشورى والمساواة في الجانب السياسي وهذا ماطبق في فترة الخلافة الراشدة، حيث تم اختيار الخليفة في أول مؤتمر شوروي في ذلك العصر واختير أبو بكر الصديق عبر الشورى وهو ليس من البطنين وبعده عمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم، قام الإماميون بالتشكيك في الفهم الصحيح للإسلام القائم على مبدأ المساواة السياسية والشورى، فطعنوا في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وكفروهم وطعنوا في كتب السنة حتى يقوموا بتأويل الاسلام بحسب الهوى وتظاهروا بحب الإمام علي وآل البيت وهم منهم أبرياء.

والإمام الهادي الذي وفد إلى اليمن هو أول من قال بأن الإمام علي هو الخليفة بعد رسول الله(ص) بالنص الجلي مع ان الجاروديه وتعتبر فرقة متطرفة لم تقل بالنص الجلي وانما قالت ان الإمام علي تم النص عليه بنص خفي بوصفه لا باسمه ومع ذلك كفروا الخلفاء والصحابة.

أما الهادي والمذهب الهادوي فهم يقولون إن إمامة علي بعد رسول الله هي بالنص الجلي بل جعلوا الإمامة أصلاً من أصول العقيدة وبالتالي يكفرون من لم يؤمن بحصر الإمامة في البطنين، يؤكد ذلك ما ورد في كتاب الأحكام في بيان الحلال والحرام للامام الهادي نفسه حيث ورد في المجلد الأول ص11 مانصه:(إن ولاية امير المؤمنين وإمام المتقين علي ابن ابي طالب عليه السلام واجبة على جميع المسلمين فرض من الله رب العالمين لا ينجوا أحد من عذاب الرحمن و لا يتم له إسم الإيمان حتى يعتقد بذلك بأيقن الإيقان) إلى أن يقول (فمن أنكر أن يكون علياً أولى الناس بمقام الرسول (ص) فقد رد كتاب الله ذي الجلال والطول وأبطل قول رب العالمين مخالفاً في ذلك ما نطق به الكتاب وأخرج هارون من أمر موسى كله وأكذب رسول الله (ص) وأبطل حكمه في أمير المؤمنين فلا بد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجراً وعند جميع المسلمين كافراً).

ومن هنا نجدهم يكفرون الصحابة والخلفاء بل نجد الأئمة يكفرون أهل السنة أبناء المناطق الشافعية تاريخياً وعاملوهم معاملة سيئة واعتبروا أرضهم خراجية.

كما يقول الإمام الهادي في المجلد الثاني من كتاب الأحكام ص360 مؤكداً نزوعه الثيوقراطي الرافض للشورى فيما تثبت به الإمامة للإمام ممن كان من البطنين بأنها تثبت من الله وليس من الناس أي تفويض إلهي (وتثبت الامامه للامام وتجب له من الأنام فيمن كان من اولئك (اي من البطنين) كذلك (اي من الله).

- فقد حكم الله له بذلك رضي الخلق أم سخطوا وليس تثبت الامامة بالناس للإمام كما يقول أهل الجهل من الانام).. انتهى كلام الهادي.
ومن هنا فلا علاقة للإمام زيد بالمذهب الهادوي وإنما ينسبون أنفسهم إليه.

فالإمام زيد يرى أن الإمامة شورى وعقد بين الأمة والخليفة ولا يقول بالوصية ونظرية التفويض الإلهي المجافية لروح الإسلام كما أن الإمام زيد هو أول من أطلق على القائلين باحتكار السلطة في بني هاشم لفظ الرافضة الذين طلبوا منه سب أبي بكر وعمر لأنهم أخذوا الخلافة من علي فرفض طلبهم وأثنى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقال لهم: إذهبوا فأنتم الرافضة.

- وإن علماء الإمامة اليوم يدرّسون أبناء اليمن في مدارسهم المذهبية وفي المساجد هذه الأفكار والكتب ومن ضمن كتبهم «مصباح العلوم في معرفه الحي القيوم» المعروف بالثلاثين مسألة فيعلمونهم أن الامام بعد رسول الله هو الامام علي منكرين شريعة الخلفاء الثلاثة. مع أن الامام علي هو رابع الخلفاء الراشدين وتولى الخلافة عبر الشورى وليس النص الالهي حيث ورد في كتاب الثلاثين مسألة في ص 21 تحت عنوان المسألة السابعة مانصه (الامام بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو علي (بن ابي طالب) مسقطين شرعية الخلفاء الثلاثة.

وفي ص 22 تحت عنوان المسألة الثامنة ورد ما نصه (أن الإمام بعد علي عليه السلام ابنه الحسن ثم أخوه الحسين عليه وعليهم السلام).

مع أن الإمام علي أكثر من جسد مبدأ الشورى فعندما طلب منه البعض أن يرشح أحداً للخلافة قال لا آمركم ولا أنها كم وفي رواية قال (لن أوصي فلعل الأمة تجتمع على خيرها بعدي كما اجتمعت على خيرها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وفي نفس الصفحة من كتاب الثلاثين مسألة تحت عنوان المسألة العاشرة ورد ما نصه (أن الإمام بعد الحسن والحسين عليهما السلام فيمن قام ودعا الخلق إلى طاعة الله وكان من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام).

هذا ما يلقنه حملة العمائم الامامية للمغرر بهم من اليمنيين الذين يقاتلون بهم " اليوم ويثيرون الفتنة كما فعلوا عبر التاريخ.

وما يطرحه بعض علماء الإمامة من أنهم أفتوا بعدم حصر الولاية العامة في البطنين كذب وتقية لأن هذه الفتوى قديمة للمزايدة أمام المثقفين وعبر الصحف ولكن ما يدرسونه لليمنيين من الطلاب الصغار في المساجد هو هذه الأفكار ولو كانوا صادقين فليؤلفوا كتباً جديدة تتحدث عن المساواة والشورى وعدم حصر الولاية العامة في البطنين وعدم جواز إطلاق كلمة «سيدي» وينزلون إلى المساجد بها للتعليم.

وكما كان المذهب الهادوي ونظرية الإمامة فيه سبب احتكار السلطة وعدم الاعتراف بحقوق اليمنيين السياسية والاجتماعية، نجد أن نظرية الإمامة أيضاً إلى جوار احتكار السلطة في البطنين كهدف قد تسببت في إدخال اليمن في حروب أهلية متواصلة عبر ألف عام بسبب الوسيلة المعتمدة من نظرية الإمامة في المذهب للوصول إلى السلطة وهي خروج الإمام عبر التمرد والسطو المسلح على السلطة وهو ما يعرف في المذهب بشرط(خروج الإمام شاهراً سيفه).

فإذا كان شرط احتكار السلطة في البطنين قد حرم اليمنيين من حقوقهم السياسية والاجتماعية فإن شرط السطو المسلح على السلطة (خروج الإمام شاهراً سيفه) قد تسبب في حرمان اليمنيين من الحياة نفسها حيث تسبب هذا الشرط في حروب أهلية متواصلة أدت إلى قتل وإزهاق حياة مئات الآلاف من اليمنيين عبر التاريخ.

هذه باختصار الملامح العامة الثابتة للفكر والمذهب الإمامي وللممارسة الإمامية عبر التاريخ وباسم الإسلام ولذلك ليس من المبالغ إذا قلنا أن الإمامة في تاريخ اليمن هي أكبر نكبة في تاريخ شعب ومن هنا نفهم قوله تعالى(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل)

ولابد لنا في هذا المقام من الإشارة إلى مدى النزعة الاستكبارية الطاغوتية في الأئمة عندما يمسكون بموازين القوى في أيديهم وما يسببونه من حروب ومدى رفض الأئمة لمبدأ المساواة السياسية وإصرارهم على احتكار السلطة في البطنين بحسب المذهب.

وننتزع من التاريخ مشهداً من مشاهد هذا الصلف الإمامي والنزعة العنصرية الشيطانية وعدم شعور الأئمة بالانتماء والمواطنة، رغم هذا الزمن الطويل لهم في اليمن: هذا المشهد هو أرجوزة وقصيدة الإمام عبد الله بن حمزة الشهيرة التي أكد فيها ما جاء في المذهب وما حفظه عن أجداده من عدم جواز تولي اليمنيين لرئاسة الدولة ممّن لا ينتمون إلى البطنين.

واخطر من الأرجوزة المناسبة التي قالها هذا الإمام فيها، فكما حدثتنا كتب التاريخ أن مجموعة من أبناء اليمن تعلموا وهم فرقة المطرفية وشعروا بحرمانهم من حقوقهم السياسية وبالتمييز العنصري الاجتماعي فطالبوا بجواز الإمامة في أبناء اليمن، فقام عبد الله بن حمزة بتكفيرهم باعتبار أن حصر الإمامة في البطنين الحسن والحسين أصل من أصول المذهب العقائدية لا التشريعية فحسب بحسب فتوى الهادي الآنفة الذكر وجرّد جيش لهذه الفرقة المطرفية وذبح منها مائة ألف ثم انشد هذه الأرجوزة وهو يسبح في نهر من دماء أبناء اليمن وقال متهكماً وساخراً في صيغة فتوى لأحد من اليمنيين من هذه الفرقة الذين طالبوا بجواز الإمامة فيهم فلنسمع إلى ما قال:

ما قولكم في مؤمن قوّام
موحد مجتهد صوام
حبر بكل غامض علام
وذكره قد شاع في الأنام
لم يبق فن من فنون العلم
إلا وقد أضحى له ذا فهم
وهو إلى الدين الحنيف ينتمي
محكم الرأي صحيح الجسم
وماله أصل إلى آل الحسن
ولا إلى آل الحسين المؤتمن
بل هو من ارفع بيت في اليمن
قد استوى السر لديه والعلن
ثم انبرى يدعو إلى الإمامة
لنفسه المؤمنة القوامة
ماحكمه عند ثقات الفضل
لما تناءى أصله عن أصلي
ولم يكن من معشري وأهلي
أهل الكسا موضع علم الرسل
أما الذي عند جدودي فيه
فينزعون لسنه من فيه
وييتمون جهرة بنيه
إذ صار حق الغير يدعيه
ياقوم ليس الدر قدراً كالبعر
ولا النضار الأبرزي كالحجر
كلا ولا الجوهر مثل للمدر
فحاذروا في قولكم مس صقر
حمداً لمن أيدنا بعصمته
واختصنا بفضله ورحمته
وصير الأمر لنا برمته
من كل من أظهر من بريته
صرنا بحكم الواحد المنان
نملك أعناق ذوي الإيمان
ومن عصانا كان في النيران
بين يدي فرعون أو هامان
العلم في آل النبي من صغر
نص عليه جدهم خير البشر
وغيرهم ليس بمغنيه الكبر
لو شاب رأس شعره أو انتثر

هذه القصيدة تجسيد لمعالم الفكر السياسي الامامي العنصري الإستكباري الإستعلائي، فكر يضرب مبادئ الإسلام الأساسية في العمق الداعية للحرية والمساواة والعدالة والشورى.

فما قاله هذا الدجال الإمامي هو ملخص لنظرية الامامة احتكار السلطة والعلم مصحوبا بمنطق الكبر والاستعلاء الشيطاني ونظرته الدونية لأبناء اليمن أبناء الحضارات المشهود لها قرآنيا سبأ ومعين وسليلي الأقيال الذين كانوا ملوك الأرض.

ولو تمت المقارنة بين النزعة العنصرية الشيطانية الإستكبارية بقول الشيطان (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وبين النزعة العنصرية الشيطانية الإمامية من خلال ما قاله دجال الإمامة عبد الله بن حمزة.

ياقوم ليس الدر قدراً كالبعر
ولا النضار الأبرزي كالحجر
كلا ولا الجوهر مثل للمدر
فحاذروا في قولكم مس صقر

سنجد التطابق بين منطق شيطان الجن وشياطين الإنس الإستكبار والإستعلاء على أساس النزعة العنصرية السلالية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112، بل في حقيقة الأمر أن شيطان الجن سَيَحمَرّ وجهه خجلاً من كلام عبد الله بن حمزة لأن الشيطان كان عنده شبهة للإستعلاء والإستكبار بأنه خلق من نار وآدم من طين أما عبد الله بن حمزة فقد إستكبر دون مبرر لأن الجميع خلقوا من طين.

وبهذا يتضح لنا أن نظرية الإمامة في المذهب قد خالفت الإسلام الذي جعل الخلافة والولاية العامة قائمة على أساس الإيمان والعقيدة وأساس الشورى والحقوق السياسية لجميع المؤمنين، ونزعت نزوعاً شيطانياً إستكبارياً إستعلائياً عنصرياً حذر منه القرآن أشد التحذير وتم تكفير الشيطان وطرده من رحمة الله بسببه على النحو الذي سنوضحه لاحقاً.

رؤية العلامة السني عبد الله إبراهيم للإمامة ممارسة وفكراً

نورد رأي هذا العالم السني نقلاً من كتاب (الطريق إلى الحرية) – مذكرات العزي صالح السنيدار – ص 83-86 : (وهو من كبار علماء السنة كان عالماً وشاعراً يجيد خمس لغات العربية والتركية والفرنسية والفارسية والعبرية، وكان موظفاً مع الحكومة التركية بمنصب (باش كاتب) في المحكمة وكان يديرها باقتدار، ومن العارفين بالتاريخ وطبيعة الحكم الإمامي، وكان ينتقد الأوضاع التي عايشها، وفي سنة 1323ه كان في الطويلة فوصل إلى مسامعه أن الإمام أرسل له العبيدي _ مهمته إغتيال من يريد الإمام التخلص منه – ليغتاله فما هو إلا أن عمل بالمثل الشعبي (قارب الخوف تأمن) فتوجه إلى الإمام فلما وصل إليه أعرض عنه عدة أشهر وهو صابر حتى نفد ما بجيبه، وبعد ذلك قربه الإمام واستوزره، وبقي وزيراً له حتى سنة 1337ه حين إستبدله بالقاضي عبد الله العمري وبقي بصنعاء مدة، وكان الإمام يحتاج إليه إذا جاء وفد من الخارج للترجمة، وعين عاملاً في حيس وفي حراز.

وتحت عنوان (موقفه من محمود نديم وأحد علماء الأهنوم) ورد :

(دار الحديث بين الوالي محمود نديم وهذا العالم والسيد عبد الله إبراهيم حول الحكم والوضع بعد أن تغير بدخول الإمام صنعاء فاحتج الأهنومي على محمود نديم قائلاً : أنك أنت الذي مهدت الأمور لدخول الإمام صنعاء وتسليمها إليه من الأتراك، وبإسم الدين قاتلناكم بحجة أنكم أحللتم المكس والرشوة والفساد والظلم وو الخ، واليوم أحل الإمام المكس والرشوة وصارت أكثر وأكثر وقد سمعت أناساً يتمنون الحكم التركي، ولكي نكفر عن سيئاتنا جميعاً لابد أن نحاجّ الإمام حيث يقسم في رسائله ودعايته أنه لا يريد من الدنيا شيئاً إلا الغيرة على الدين وإقامة الشريعة وإزالة الظلم والفساد، فقال الوالي : هذا صحيح وقد وجب علينا القيام بالنصح والإحتجاج، واتفقا على ذلك فودعهما وخرج.

وبعد خروجه ضحك السيد عبد الله إبراهيم فتعجب الوالي وسأله عن سبب ضحكه فقال : ما كنت أظن الوالي يجهل الأمور، والله إنا سنحكم اليمنيين ونجعلهم يتمنون الحكم التركي، وسنفقر اليمن ونستبد... ومع ذلك ستجد اليمنين يدعون لنا مدة أعوام. فقال: بأي سلاح سيحكم الإمام اليمن الذي أعجز الأتراك مدة أربعين عاماً؟ أين المدافع؟ أين السلاح؟ أين الرجال؟ فقال: عندنا سلاح أقوى من أي سلاح. قال: طائرات؟ قال: أقوى. قال: بالله صف لي هذا السلاح.. فقال: برنجي ايكنجي أوجنجي (كلمات تركية تعني: الأول.. الثاني.. الثالث) فقال: أوضح ما نوع برنجي؟ فقال: بثثنا في العوام في القرى والمدن الدعاية بأن أهل البيت هم الذين اصطفاهم الله وهم حجة الله في أرضه، فمن أحبهم نجا، ومن خالفهم هلك، ورضاء الله في رضاهم، وجعلنا للدعاية في كل مجلس وسوق، وألفنا كتباً في هذا، وعمت الدعاية كل تجمع؛ في الوليمة، في العرس، في الموت، في الإستسقاء، وحتى النشادون في السوق، والنشادات في مجالس النساء، وقصائد الشعراء وخطب الخطباء؛ كل هذه شحنت بهذه المعاني، حتى تمكنت هذه العقيدة في القلوب، وحتى أن الرجل يقتل المخالف للإمام سواء كان عربياً أم تركياً، يفعل ذلك وهو يطلب أجره من الله، والولد يعادي والده والأخ يعادي أخاه.

قال: فما إيكنجي؟ قال: هم فقهاء الشيعة في المدن والقرى، وهؤلاء بثثنا فيهم الدعاية وألفنا كتباً في الأحاديث الصحيحة التي أخذناها من الأمهات والصحاح وعزوناها إلينا، وكذلك الموضوعة، وفي الفروع والأصول والتاريخ والسير والقصص، وكلها تعزز في مجملها التشيع وحب أهل البيت، وقلنا لهم: من قرأ في غير هذه فهو ناصبي، حتى أن الأمهات الست وغيرها من كتب السنة لا يمكن أن يقرأها الشيخ لتلاميذه إلا في البيوت، وهؤلاء – أي إيكنجي _ جعلناهم الدعاة لنا عند العوام، فإذا تظلم المواطن زجره الفقيه وقال: حرام عليك تعترض على الإمام فما فوق يده إلا يد الله، ورأي الإمام سديد، وهو أدرى وأخبر بكل شيء، ولا يفعل إلا ما هو مصلحة، وقد قال الإمام عبد الله بن حمزة: لا فرق بين أعمالنا وأعمال الطغاة إلا بالنية.

قال فما أوجنجي؟ قال: هؤلاء هم المخالفون لنا، وقد جعلنا الصنفين يبثون الدعاية ضدهم بأنهم يبغضون أهل البيت وأنهم نصَبَه. وأوجنجي مثل بيت الأمير الذين منهم السيد محمد بن إسماعيل الأمير وبيت الشوكاني الذين منهم شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، وبيت المجاهد، وبيت السياغي، وبيت العراسي، والسيد العلامة الحر محمد بن إبراهيم الوزير حتى سلطنا عليه أخاه. ومنهم القاضي عبد الملك الآنسي وولده، والعالم النحرير الحر المقبلي صاحب (العلم الشامخ) وبيت العمري، وغيرهم، هؤلاء إستدعيناهم وقلنا لهم بلسان الحال: نحن حكام اليمن وأنتم قد خرجتم مما نحن عليه، فإما أن تدخلوا معنا وتعيشوا وإلا فهذا، وهو السيف، فدخل البعض وخرج البعض، والذي خرج سلطنا عليه العوام وطاردناه...

فقال محمود نديم: عرفت عرفت، اسمع يا سيد عبد الله فينا نحن الأتراك من يعصي الله ويرتكب الفواحش ويظلم ويفسد، لكن أما أن نكذب على الله وعلى رسوله مثلكم فلا.

رأي الإمام الشوكاني في الرافضة

يقول الإمام الشوكاني في كتابه (أدب الطلب ومنتهى الأرب) : ((لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير الرفض بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصه تلوح له، لأنه عنده مباح الدم والمال وكل ما يظهره من المودة فهو تقية يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصه، وقد جرّبنا هذا تجريباً كثيراً فلم نجد رافضياً يخلص المودة لغير رافضي وإن آثره بجميع ما يملكه، ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ولا غيرها ما نجده عند هؤلاء من العداوة لمن خالفهم، ثم لم نجد عند أحد ما نجد عندهم من التجرّي على شتم الأعراض المحترمة، فإنه يلعن أقبح اللعن ويسب أفضع السب كل من تجري بينه وبينه أدنى خصومه وأحقر جدال وأقل إختلاف، ولعل سبب هذا والله أعلم أنهم لما تجرأوا على سب السلف الصالح هان عليهم سب من عداهم، ولا جرم فكل شديد ذنب يهون ما دونه، وقد يقع بعض شياطينهم في علي كرم الله وجهة حرداً عليه وغضباً له حيث ترك حقه، بل قد يبلغ بعض ملاعنيهم إلى ثلب العرض الشريف النبوي صانه الله قائلاً أنه كان عليه الإيضاح للناس وكشف أمر الخلافة ومن الأقدم فيها والأحق بها.

وأما تسرّع هذه الطائفة إلى الكذب وإقدامهم عليه والتهاون بأمره فقد بلغ من سلفهم وخلفهم إلى حد الكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه وعلى صالحي أمته ووقع منهم في ذلك ما يقشعر له الجلد، وناهيك بقوم بلغ الخذلان لغلاتهم إلى إنكار بعض كتاب الله وتحريف البعض الآخر وإنكار سنة رسول الله (ص)، وجاوز ذلك جماعة من زنادقتهم إلى إعتقاد الألوهية في ملوكهم بل في شيوخ بلدانهم، ولا غرو فأصل هذا المظهر الرافضي مظهر إلحاد وزندقة، جعله من أراد كياد الإسلام ستراً له فأظهر التشيع والمحبة لآل رسول الله (ص) إستجذاباً لقلوب الناس لأن هذا أمر يرغب فيه كل مسلم وقصداً للتغرير عليهم، ثم أظهر للناس أنه لن يتم القيام بحق القرابة إلا بترك حق الصحابة ثم جاوز ذلك إلى إخراجهم وصانهم الله عن سبيل المؤمنين، ومعظم ما يقصده بهذا هو الطعن على الشريعة وإبطالها، لأن الصحابة رضي الله تع إلى عنهم هم الذين روو للمسلمين علم الشريعة من الكتاب والسنة.

فإذا تم لهذا الزنديق باطناً الرافضي ظاهراً القدح في الصحابة وتكفيرهم والحكم عليهم بالردّة بطلت الشريعة بأسرها لأنهم حملتها الراوون لها عن الرسول (ص)، فهذا هو العلّة الغائية لهم، وجميع ما يتظهرون به من التشيع كذب وزور، ومن لم يفهم هذا فهو حقيق بأن يتهم نفسه ويلوم تقصيره، ولهذا تجدهم إذا تمكنوا وصارت لهم دولة يتظاهرون بهذا ويدعون الناس إليه، كما وقع من القرامطة والباطنية والإسماعيلية ومن نحى نحوهم، فإنهم لمّا تمكنوا أظهروا صريح الكفر والزندقة وفعلوا تلك الأفاعيل من الإستهتار بمحارم الله وما عظّمه كنقلهم للحجر الأسود من الحرم إلى الهجر وكقول رئيس القرامطة اللعين لمّا سفك دماء الحجاج بالبيت الحرام وفعل به من المنكرات ما هو معروف:
ولو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبا
لأن حججنا حجة جاهلية محللة لم تبق شرقاً ولا غربا

ثم قال لمن بقي في الحرم سالماً من القتل : يا حَمِير أنتم تقولون (ومن دخله كان آمناً ) وقد كان أول هذه النحلة القرمطية، التظهر بمحبة أهل البيت والتوجع لهم والعداوة لأعدائهم ثم إنتهى أمرهم إلى مثل هذا.

وهكذا الباطنية فإن مذهبهم الذي يتظهرون به ويبدونه للناس هو التشيع ولا يزال شياطينهم ينقلون من دخل معهم فيه / من رتبة إلى رتبة حتى يوقفوه على باب الكفر وصراح الزندقة، وإذا تمكن بعض طواغيتهم فعل كل ما فعل علي إبن الفضل الخارج باليمن من دعا الناس إلى صريح الكفر ودعوى النبوة ثم الترقي إلى دعوى الألوهية، وكما فعله الحاكم العبيدي بمصر من أمر الناس بالسجود له والقيام عند ذكره على صفة معروفة فكان إذا ذكره الخطيب يوم الجمعة على المنبر قام جميع من بالمسجد ثم يخرّون ساجدين ثم يقوم بقيامهم من يتصل بالجامع من أهل الأسواق ثم يسري ذلك إلى قيام أهل مصر، وما كان يبديه من الأفعال المتناقضة والحماقات الباردة مقصودة من ذلك تجريب أحوال الناس واختبار طاعتهم له في الأمور الباطلة وفي مخالفة الشريعة حتى ينقلهم إلى ما يريده، وكم نعدد لك من هذا.

وبالجملة فإذا رأيت رجلاً قد إنتهى به الرفض إلى ذم السلف الصالح والوقيعة فيهم وإن كان ينتمي إلى غير مذهب الإمامية فلا تشك في أنه مثلهم فيما قدّمنا لك، وجرّب هذا إن كنت ممن يفهم فقد جرّبناه جرّبه من قبلنا فلم يجدوا رجلاً رافضياً يتنزه عن شيء من محرمات الدين كائناً ما كان ولا تغتر بالظواهر فإن الرجل قد يترك المعصية في الملأ ويكون أعفّ الناس عنها في الظاهر وهو إذا أمكنته فرصة إنتهزها إنتهاز من لا يخاف ناراً ولا يرجو جنة.

وقد رأيت من كان منهم مؤذناً ملازماً للجماعات فانكشف سارقاً، وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء وله سمت حسن وهدى عجيب وملازمة للطاعة وكنت أُكثر التعجب منه كيف يكون مثله رافضياً ثم سمعت بعد ذلك عنه بأمور تقشعرّ لها الجلود وترجف منها القلوب، وكان لي صديق يكثر المجالسة لي والوصول إلي وفيه رفض يسير وهو متنزه عن كل محظور ثم ما زال ذلك يزيد به لأسباب حتى صار يصنف في مثالب جماعة من الصحابة، ثم صار يمزّق أعراض جماعة من أحياء أهل العلم والأموات وينسبهم إلى النصب بمجرّد كونهم لا يوافقونه على رفضة. ثم صار يتصل به جماعة ويأخذون عنه من الرفض ما لا يتظاهر بمثله أهل هذه الديار وكنت أعرف منه في مبادئ أمره صلابة وعفّة فقلت : إذا كان ولا بد من رافضي عفيف فهذا، ثم سمعت عنه بفواقر. نسأل الله الستر والسلامة.

وأما وثوب هذه الطائفة على أموال اليتامى والمستضعفين ومن يقدرون على ظلمه كائناً من كان فلا يحتاج إلى برهان بل يكفي مدّعيه إحالة منكره على الإستقراء والتتبع فإنه سيظفر عندد ذلك بصحة ما ذكرناه. ولقد جرّبت أهل عصري في هذه المادة تجريباً عظيماً لتعلّقي بما تتعلّق به الأطماع، وإختباري بالناس على إختلاف طبقاتهم ولا شك أنّ الدنيا مؤثرة وأن الوثوب على مصالحها وتقديمها وإنتهاز الفرص فيما يتعلّق بها غير مختص بهؤلاء بل هو عام لكل الفرق والزاهد فيها المؤثر للدين عليها هو الشاذ النادر لكن هؤلاء لهم مزيد تكالب،وعظيم تهافت وشدة تهالك، مع عدم وقوف عند حدود الشرع وإقتصار على ما فيها من تحليل وتحريم.

_______________________
- مسئول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح
- للاطلاع على الحلقة الأولى اضغط على مواضيع آخرى من هذا القسم
- يرجى الإشارة إلى المصدر حال النقل أو الاقتباس

زر الذهاب إلى الأعلى