تعامل مع السياسة بمكيافلية شعبية، لم يستوعب ميكافيلي المفكر، كان همه الأصلي القبض على القوة، رجل حُكم يخلق المجد من أي شيء، لم يهتم بالمشروع الذي يعمل من خلاله، كل مشروع مكنه من السلطة تبناه ودافع عنه، يتماهى مع أي مشروع كممثل ماهر مبدع. عاطفته صادقة وعقله ميزان العمل، هو عاشق سلطة بامتياز، امتزج بالفكر المدافع عن العمال بعاطفة جياشة، ومن حبهم صاغ مجده، في السلطة شعر بذاته، انتمائه يتخلق من أجل قوته، عندما فقد موقعه في لعبة المؤامرات التي شارك فيها، كاد أن يفقد حياته، فأنقذته دموعه.
تخلى عن حلفائه الضعفاء، يبحث دوماً عن الأقوياء، لم يشعر بالأمان إلا في الكرسي، تعامل مع الكرسي باحتراف، نسج تاريخه بالحروب التي صنعتها الكلمة، الكلام سنده في ترسيخ شرعيته، منحه الرئيس في حرب الانفصال فرصته، إدارة المعركة بتصريحات من نار الشاشات. ترسخ في وعي الجماهير كقيادي وحدوي صادق، قدم نفسه كرجل لمرحلة ما بعد الحرب فأصبح ممثل البنك الدولي في الحكومة.
خبرته وأسرار السياسة مصدر قوته، عندما اقترب من الرئيس كثيرا شعر أنه أقوى من الجميع، رجل دولة يحرك الحياة أينما ذهب، في قبضته ملفات الفضيحة، ربما أعتقد أن لا قوة في المنظومة قادرة على مواجهته، وضع حلولاً متعددة، أقنع الرئيس بقدراته، الرئيس مؤمن بذكاء الرجل، شعلة من عمل، أقدار السماء أضعفته، ومازال قوة معتبرة رغم الغياب. لعب لعبا في غاية الذكاء والغموض، قاد معركة تهميش القوى المحيطة بالرئيس، وضع نفسه كبديل للجميع. قاد مغامرات باسم القيادة فتعزز مركزه وأضعف خصومه، طرح السلاح كحل لمواجهة شعارات الغضب في محافظات الجنوب، كان يبحث عن صراع وأزمة، يدرك بحدسه أن غياب الجميع سيجعله هو الكل.
عندما غادر رئاسة الوزراء فقد ذاته، قيل قبلها إنه أصيب بالمرض، أشيع وقتها أنه حزم أمتعته للقتال من عاصمة الضباب. يتصور ان رئيس الوزراء لابد أن يكون حضرمياً، حاصر النخبة الحضرمية، كان على يقين انه وحده صاحب الكرسي، شبوة ليست بعيدة عن حضرموت، خسر لصالح قيادي جنوبي هادئ وإداري مهادن، انفجر حينها وعيه العصبوي، لكنه فضل ان يستمر في لعبته، ربما منحه المرض إجازة غير مرغوبة. قبل القرار على مضض، لكنه صمم على توريط الحكومة، ومن خلال الأمانة العامة حاول ان يصنع الحكومة، فشل في هدفه، عزل حكومة مجور عن الحزب وعزل الحزب عن الحكومة، ربما كان ينتقم بلا وعي من حكومة الأغلبية التي أخرجته من الكرسي الكنز.
عندما أصبح المؤتمر ضده وظف المعارضة لمحاربة المؤتمر، حرك طموح المؤتمر ضد المؤتمر، هيمن على إعلام الحزب وماليته، حشر خصومه في زوايا ضيقة، خطط لإعادة بناء الحزب، دافع عن نظرية بناء حزب متماسك، اختلف مع الكل. رجل يعمل بكل طاقته، يخاف الهزيمة والخناجر من حوله كثر.
يتهمه خصومه أنه في كل اتجاه ينشر مؤامراته، قالوا إنه يحاول أن يحيط الرئيس بأزمات ليصبح هو الحل، تمادى في اللعبة، حوله إلى أزمة. في صراعاته أغضب الجميع، ربما كان يشعر بالارتياح لأنه أصبح رقماً صعبا، يقينه أن تجاوزه مخاطرة كبيرة، هدد من حاول إبعاده من معبده، هدد بالتلميح، وصف نفسه انه دمر أحزاباً ونظماً، لم ييأس استمر في ممارسة هوايته بذكاء. تعامل مع الصراعات باحتراف، شارك في الغنائم، شرع للفساد باسم محاربة الفساد، حمل أعباء عشقه للسلطة، عداوات في كل اتجاه.
ثقافته التي يستند عليها في التنظير قوية وناضجة، كلمات مركبة تستند على رؤية نظرية مشتتة، أذهل العامة بأحاديثه المطولة وسخر منه حاسدوه، كان يدافع عن نظرياته بقوة، يبني قراراته واستشاراته عليها، نجح في إقناع من حوله أنه رجل المرحلة، نجح في حروبه، ولاؤه لمن يمنحه القوة، لا يعمل إلا في ظل رجل قوي، ورط الجميع في تناقضات المصالح، أقنع من منحه السلطة أنه هو الوحيد القادر على إخراجه من أزماته، ربما كان على قناعة أنه حامي حمى السلطة ولولاه لانهار المعبد على الجميع.
في طفرة انتصاراته أصابه المرض، عزلوه دون ضجيج، ربما اكتشف في زمن المشيب أن الحياة بلا سلطة نعمة منبوذة لدى الأقوياء، نعمة لذيذة لا يفقهها عاشقو السلطة إلا في لحظات المغيب، متى يفقه رفاقه في الحكم والمعارضة أن زمنهم قد انتهى، لم يعد لديهم طاقة، التقاعد راحة، ليكتبوا سيرة التاريخ الذي صنعهم فأضاعوه، لا يهم لدينا الصدق من الخداع، فالتاريخ خدعة كبرى وجهها من سراب.