آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحوثيون نتيجة لليمن الضعيف

كانت السلطة دائما هي صنعاء ولا تزال حتى هذا اليوم. وما إن تغادر العاصمة حتى يضعف وجود الحكومة وتصبح تحت نظام دويلات أخرى تابعة للقبائل، لها أنظمتها وحكامها وميلشياتها. وما الحوثيون الذين ملأوا الدنيا وشغلوها هذه الأيام إلا نتيجة طبيعية لهذا الفراغ السياسي والأمني المزمن. وأعرف أن السلطات اليمنية ستنكر مقولة ضعف سلطتها.

لكنها الحقيقة وبكل أسف وضع موروث منذ زمن العثمانيين. وأهمية اليمن من الجغرافيا السياسية كونها تقع في جنوب أكبر دولة نفطية في العالم، وتطل على مضيق باب المندب الممسك بالبحر الأحمر، إضافة إلى موقعها المقابل للقرن الإفريقي المضطرب، وبسببها صارت هدفا للأطراف المعادية الراغبة في استخدام اليمن للعبور إلى أي من هذه الاتجاهات المهمة.

وبكل أسف قرأ البعض في اليمن هذه القيمة الاستراتيجية بشكل خاطئ على أنها مصدر للنفوذ والمال والمساومات السياسية، لكنها صارت لعبة أكبر من اليمن وثمنها باهظ جدا على النظام نفسه والشعب اليمني، كما حدث في الشأن الحوثي اليوم. الحوثيون مجرد جيب استخدمته أطراف، من بينها إيران، بغية الهجوم على النظام اليمني الذي تعتبره محسوبا على المعسكر الآخر، تريد استخدامه لتهديد الجارة السعودية، وتريده قاعدة تنطلق في اتجاه شرق إفريقيا، حيث تدور حرب مكملة لما يحدث في العراق وغيره.

وفي رأيي المشكلة ليست الحركة الانفصالية الحوثية التي تمولها إيران بل أكبر من ذلك، المشكلة الفراغ . وما لم تعزز السلطة المركزية وتبسط نفوذها على كل اليمن، كما تفعل كل دول العالم، فإن هزيمة الجيب الحوثي لا تكفي لأن الدول الأخرى أو الحركات المحلية المعادية ستثور بين كل فينة وفينة. هذه هي إشكالية اليمن والمنطقة المحيطة بها بشكل عام. فعندما يوجد بلد بنظام منهار مثل الصومال تصبح الكارثة على الجميع، كما جرى في أفغانستان التي تخلى عنها الأميركيون بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وعاشت فراغا خطيرا نمت فيه نبتة «القاعدة»، وبقية القصة معروفة. وهذا ما يحدث في الصومال. وعندما يوجد بلد في نظام لكنه منهك يسيطر إداريا وعسكريا على بعض البلاد، كما هو الحال في اليمن اليوم، فإن ظهور الحركات المسلحة أو المستأجرة أمر متوقع.

دحر الحركة الحوثية الإيرانية وتنظيم القاعدة ضرورة للمنطقة والعالم، لكنه حل قصير الأمد، أما على المدى البعيد لا بد من إعانة النظام اليمني ليصبح شاملا لا مختصرا على صنعاء والحديدة وبضعة مدن وقرى قريبة. حكم اليمن صعب، بلد مساحته نصف مليون كيلومتر مربع، نصفها جبال شاهقة وأراض وعرة يوجد فيها ثلاثة أرباع السكان، ليس بالأمر السهل خصوصا أن البلاد تحكم مشاركة، وأحيانا منافسة، بين الدولة مع القبائل.

السلطة المركزية في صنعاء عاشت دهرا تتذرع بعجزها عن بسط سلطتها على المناطق القبلية الجبلية، وهي ذريعة صحيحة لكن السبب أنها لم تضع مشروعا ليمن حديث يقوم على فرض السلطة يضمن لليمن الاستقرار وللمنطقة أيضا. وهناك شكوى يبوح بها كثير من الداعمين الغربيين أنهم يعتقدون أن صنعاء لا تريد، أو لا تعرف، كيف تنمي المناطق القبلية، وأن المساعدات القادمة من عدد كبير من الدول الغربية والعربية لا تنفق في هذا السبيل. مصلحة النظام اليمني الأولى أن تكون ذراعه طويلة، فما يقرره في صنعاء ينفذ في محافظة الجوف، أما الصيغة اليمنية الموروثة الحالية ستقضي أولا على النظام أكثر مما ستؤذي الجيران.-

زر الذهاب إلى الأعلى