الخلافة والولاية العامة في المنظور القرآني مسألة من أصول العقيدة والشريعة وليست مسألة فرعية من فروع الدين كما ذهب إلى ذلك معظم علماء السنّة مع الأسف، وسأبرهن على ذلك من عدة زوايا قرآنية على النحو التالي:-
أ- إن الأديان السماوية عبر التاريخ إهتمت بأداتين رئيسيتين من أدوات التغيير لتطوير المجتمعات نحو الأحسن والأفضل، هاتان الأداتان هما: وازع الوجدان ووازع السلطان:
• وازع الوجدان (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
فوازع الوجدان يركز في حياة الأفراد على إصلاح قلوبهم وضمائرهم لأن القلب والضمير هو مضغة الجسد وبإصلاح نفوس الأفراد عبر مقصد التقوى تتم عقلنة الدوافع الغريزية عند الأفراد فلا يحصل طغيان أفراد المجتمع على بعضهم (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8}) [ الشمس ].
ومن هذا المنطلق عظم مقصد التقوى في كل الأديان، فالتقوى في المنظور السماوي مقصد ديني له علاقة محورية بالمسألة الإجتماعية وليست طقوس وشعائر مفصولة عن الواقع، فهي الناظم للعلاقات الإجتماعية بعقلنة الدوافع الغريزية عند الإنسان بما يؤدي إلى إستقامة السلوك الإنساني عن مظاهر التعدي على أموال الناس أو أعراضهم أو دماءهم فيحصل الأمن والإستقرار في حياة الناس.
لأن النفس الإنسانية تميل إلى الطغيان إذا إستغنت بميزان قوى (علم أو سلطة أو ثروة) (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى{7}) [ العلق ].
والسر الكامن وراء هذه النزعة الطغيانية هي الدوافع الغريزية فهي المتحكمة في مظاهر السلوك الإنساني كما يشير إلى ذلك علماء النفس، والقرآن أكد هذا الأمر بقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران14.
ولا تُصلح النزعة الطغيانية عند الأفراد إلا الأديان لأنها تلبي تلك الدوافع الغريزية النفسية التي مطامعها لا حدود لها عبر إطلاق مصلحة الفرد في الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ليتم كفكفة طغيان الأفراد في الدنيا لتحقيق مصالح المجموع، ومن هذه الزاوية النفسية الإجتماعية يصبح الإيمان بالآخرة ضرورة أولاً لإصلاح الدنيا إلى جوار إصلاح آخرة الإنسان، ولقد أعجبني أحد العلماء الذي أدرك أهمية الإيمان بالله واليوم الآخر لإصلاح الواقع الإجتماعي فقال هذه المقول:
(لو لم يكن الله موجوداً لوجب أن يكون موجود)، وإلى هذا المعنى نفسه أشار ربعي بن عامر بمقولته الشهيرة العظيمة (جئنا لنخرج من شاء من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) فقول ربعي (من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة) معنى بليغ إختزل في طياته أهم قواعد علم النفس وعلم الإجتماع التي أشرت إليها ولم أفصلها لأنه موضوع يطول شرحة.
• وازع السلطان {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة257:
إهتمام الأديان السماوية بالدولة والسلطة السياسية – الخلافة العامة والولاية العامة بحسب التعبير القرآني – عائد إلى أهمية الدولة في حياة المجتمعات والشعوب، لأن الدولة بالنسبة للمجتمع أشبه بالرأس بالنسبة لجسد الإنسان فالدولة والسلطة السياسية هي مفتاح عملية التغيير للمجتمعات نحو الخير أو الشر {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}الحج41، فهذه سلطة الخير والإصلاح، وقوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}البقرة205 هذه سلطة الفساد والشر.
وبهذا يتضح لنا أن الأديان كما إهتمت بإصلاح نفوس الأفراد لأنها مضغة أجسادهم (إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، كذلك إهتمت إلى جوار وازع الوجدان بوازع السلطان بأمر الخلافة السياسية والولاية العامة والدولة باعتبار الدولة والخلافة مضغة المجتمع لا الجسد فحسب إذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله.
ب- وكدلالة على أهمية الخلافة السياسية والولاية العامة في منظور الأديان السماوية كقضية محورية تمثل الأصل الأول في العقيدة والأصل الأول في الشريعة نجد القرآن في سياق الحديث عن بداية خلق البشرية يطرح موضوع الخلافة إبتداءاً بما يؤكد أولوية الخلافة وأهميتها في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}البقرة30.
فاستهلال الخطاب القرآني بالحديث عن الخلافة في الأرض في سياق بداية الخلق الإنساني دليل قطعي على أن موضوع الخلافة أصل من أصول الدين لا فرع من فروعه، والدليل على أن المقصود بالخلافة هنا الخلافة السياسية المرتبطة بتنظيم حياة الناس وفق ميزان السماء العادل لا ميزان القوى الشيطاني الظالم بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن قوله تع إلى في سياق الحديث عن داود عليه السلام {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}ص26.
فهذه الآية صريحة الدلالة في بيان مضمون الخلافة بأنه مضمون سياسي مرتبط بشئون الحكم وتنظيم العلاقة بين الناس وفق دين الله وميزانه العادل لا وفق دين الشيطان وميزانه الجائر.
كما دلت هذه الآية على أن موضوع الخلافة السياسية ليس أصلاً من أصول الدين فحسب بل الأصل الأول الذي تدور جميع معاني الدين حوله، فالدين في حقيقة الأمر هو النظام السياسي أي مجموعة التشريعات الناظمة لشئون الدولة والمجتمع أي الناظمة للخلافة والولاية العامة، فالدين هو النظام السياسي بدليل قوله تع إلى (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [ يوسف 76 ] أي في نظامه وتشريعه.
ويتجسد هذا النظام عبر التشريع والقوانين بدليل قوله تع إلى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13.
فكما أن الدول تنظم نفسها عبر التشريع (الدستور والقوانين) المكتوبة، فالخلافة والولاية العامة يتم تنظيمها عبر التشريع والوحي الإلهي وقوله تع إلى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) أي فاحكم بين الناس بشرع الله الناظم لشئون الخلافة في الأرض بما يؤكد أن الخلافة والولاية العامة هي الأصل والقطب الذي تدور كل معاني الوحي حوله، ويتعزز هذا الفهم بأن وحي السماء لم ينزله الله للناس عبر كتبه إلا لإدارة شئون الحكم قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}البقرة213، وقوله تع إلى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}النساء 58، فلأهمية الخلافة والسلطة السياسية والولاية العامة من حيث تأثيرها على الناس إنتزع الله الحاكمية من البشر المتمثلة في مجموعة التشريعات والقوانين الناظمة لشئون الحكم والسياسية واعتبرها خاصة بالله (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) [ يوسف 40 ]، وتتجسد الحاكمية والولاية العامة باتباع شرعه ودينه الناظم لشئون الخلافة {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}الأعراف3.
وهاتان الآيتان السالفتان دليلان قطعيان على أن أمر الخلافة والولاية العامة وشئون الحكم الأصل الأول الذي تدور حوله كل معاني الدين.
ج- ويتعزز هذا الفهم بأن أمر الخلافة في الأرض والولاية العامة والحاكمية أصل من أصول الدين لا فرع من فروعه من خلال الآيات الكثيرة التي أظهرت الخلاف الدائر بين الله وبين الشيطان على موضوع الخلافة والنتائج الخطيرة والعقوبات الإلهية الشديدة التي حصلت للشيطان بسبب موضوع خلافة آدم {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}البقرة34، والسجود هنا لآدم هو سجود التسليم بخلافته سجود الطاعة والإمتثال لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله ما التزم ولي الأمر بتشريع الله وهديه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}النساء59.
ويتعزز هذا الفهم بأن المقصود بالسجود الدلالة السياسية المرتبطة بخلافة آدم أي التسليم بخلافته بمنهجية تفسير النص بالنص ما ورد في سورة يوسف في سياق التمكين الإلهي ليوسف بجعله وزيراً لفرعون يوسف العادل لا فرعون موسى الظالم بقوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يوسف100.
أعود لتمرد الشيطان وخلافه مع الله على خلافة آدم ورفضه السجود لآدم وما ترتب على ذلك من عقوبات شديدة، فالشيطان بسبب موضوع خلافة آدم وليس بسبب كفره بالله - فهو مؤمن بالله بدليل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الحجر36 – غضب الله عليه وطرده من رحمته ونعته بالكفر بعد الإيمان (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) بل إنقسم العالم إلى ساحة من ساحات الصراع السياسي بين الله والشيطان (حزب الله وحزب الشيطان) وأصبح إبليس رمزاً للشر في كل الأديان.
ومن المعلوم أن القضايا الفرعية في حال الإختلاف فيها لا تؤدي إلى عقوبات مشدّدة – الحكم بالكفر والمروق عن الدين وإعلان الغضب الإلهي واللعنة والطرد من الرحمة -.
ومن هذا المنطلق أقول لذوي العقول أن العقوبات الإلهية التي حلت بالشيطان بعد أن كان طاووس الملائكة في العبادة والزهد بسبب خلافه مع الله على خلافة آدم دليل قطعي على أن موضوع الخلافة من أصول الدين لا من فروعه.
فبمجرد إضافة الشيطان شرط الأفضلية العنصرية، أفضلية الأصل والنسب والمحتد إلى جوار شرط التقوى (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) كشرط من شروط الولاية العامة والخلافة والقول بخيرية الأصل والنسب والعرق إلى جوار خيرية الدين (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وُجهت له تهمة الكبر السياسي وتم تكفيره وطرده من رحمة الله وإقصائه عن الخلافة بشكل دائم وتحريمها على المستكبرين.
د- الولاية العامة في المنظور القرآني:-
إلى جوار الأدلة السالفة سأشير إلى دليل جديد وهو ما ورد في القرآن عن عقيدة الولاء والبراء حيث أُعتبرت في القرآن الأصل الأول المنبثق عن عقيدة التوحيد والكثير من علماء السنّة أدركوا أن موضوع الولاء والبراء من أصول الدين ولكن هذا المصطلح القرآني الهام لم يطرحه علماء السنّة بمضمونه السياسي وإنما بمضمون عقدي تجريدي والمتدبر للقرآن سيدرك أن كل آيات الولاء والبراء إنما جاءت في الحقيقة في سياق سياسي لتنظيم الولاية العامة أي شئون الدولة والخلافة الإسلامية والمدلول اللغوي لكلمة ولي ومولى يؤكد المضمون السياسي لهما فالولي هو السيد والمولى هو العبد والعلاقة بين السيد والعبد قوامها السيادة والعبودية، وينبثق من مفهوم السيادة سلطة سياسية لها حق الأمر والنهي، وينبثق من مفهوم العبودية واجب السمع والطاعة دون حوار أو نقاش فالعبد لا يحاور السيد ولا يناقشه.
وبهذا يتضح لنا أنه من المدلول اللغوي لكلمة ولي ومولى ينبثق نظام سياسي بكل مفرداته السياسية المعروفة:
السيادة ، العبودية
السلطة الآمرة الناهية
السمع والطاعة
ولما كانت العلاقة السياسية التي تحمل طابع الولي والمولى السيد والعبد علاقة طاغوتية جائرة لأنه يترتب عليها إنقسام المجتمع إلى سادة وعبيد ومستكبرين ومستضعفين رفض الله سبحانه وتع إلى أن تكون هذه العلاقة السياسية الطاغوتية إطاراً ناظماً للعلاقات الإنسانية وجعلها إطاراً ناظماً للعلاقة بين الخالق والمخلوقين فقط، لأن الأديان السماوية عبر التاريخ اعتبرت حرية الإنسان ومساواته بأخيه الإنسان هي المقصد الأول من خلال رفض الحكم والولاية العامة ذات الطابع الطاغوتي {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} النحل36، والمقصود بالطاغوت هنا حكم الطاغوت وهو الحكم القائم على النزعة العنصرية الشيطانية والدليل قوله تع إلى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}النساء60.
وهو الحكم الذي يطبع المجتمع الإنساني بطابع العبودية والذلة فيقسمه إلى طبقتين طبقة السادة المستكبرين، وطبقة العبيد خدم السادة.
ولأهمية إخراج الناس من ظلمات العبودية إلى نور الحرية طرحت عقيدة التوحيد من خلال الأديان السماوية عبر التاريخ كأهم موضوع عقدي (لا إله إلا الله) بمعنى لا عبودية إلا لله، وجعلت هذه العقيدة هي شعار الأديان التي لا يُقبل أي إنسان لدخول دين الله إلا من خلالها فكان هذا الشعار (لا إله إلا الله) بمثابة راية الحرية لإخراج الناس من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
والعبودية لله بخلاف عبودية البشر للبشر، عبودية تجر نفعاً للمخلوقين لا للخالق (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57}) [ الذاريات ] فهي عبودية رحمة تطلق حرية الإنسان إزاء الإنسان وتحرر المجتمع الإنساني من النظام السياسي الطاغوتي العبودي {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107.
ولذلك لم تشدد الأديان السماوية على شيء مثل عقيدة التوحيد {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}النساء48.
لأن رحمة الله بالعالمين لا تتحقق إلا بتخليص المجتمعات البشرية من واقع إستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، فاشتملت كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) على نفي وإثبات، (لا إله) نفي (إلا الله) إثبات، أي أن الله جعل شرط عبوديته التخلص أولاً من طاغوت عبودية الإنسان لأخيه الإنسان فلا تثبت العبودية لله إلا بإطلاق حرية الإنسان إزاء الإنسان أي أنه من صميم عقيدة التوحيد والعبودية لله تخرج ثورة تحررية سياسية واجتماعية لتحرير الناس من واقع الطاغوت والظلم..
ويتعزز هذا المعنى بقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{256} اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{257}) [ البقرة ]، فقوله تع إلى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ) دليل قطعي على أن عقيدة التوحيد القائمة على النفي (لا إله) والإثبات (إلا الله) لا تتم إلا بالتحرر أولاً من حكم الطاغوت ثم الإيمان بالله أما أن يجمع الإنسان بين عبوديتين – عبودية لبشر وعبودية لله – فهو أمر مرفوض، ويتعزز هذا الفهم بأن العبودية لله من أعظم مقاصدها إعلان مبدأ المساواة بين البشر بنفي عبودية بعضهم لبعض وإطلاق حرية الإنسان إزاء الإنسان بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}آل عمران64، فدل صريح هذه الآية لمن يفقه أن عقيدة التوحيد هي بمثابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتخليص المجتمع الإنساني من النظام الطاغوتي العبودي وإعلان حرية بني الإنسان قاطبة على السواء لأن هذه الآية بينت بصريحها مقصد التوحيد بقوله تعالى: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) أي لا يستعبد بعضنا بعضاً.
وعلى هذا الأساس أقول كل من زعم نفسه سيداً والآخرون عبيداً فقد تأله على الناس وجعل من نفسه رباً يعبد من دون الله،
وبعد أن أوضحت المدلول السياسي لكلمة الولي والمولى والسيد والعبد أقول إن المتدبر في القرآن سيجد أن الولاية العامة أصل من أصول الدين ومعنى من أمهات معاني القرآن إنبثق مباشرة عن مفهوم العبودية لله وعقيدة التوحيد بدليل قوله تع إلى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{256} اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{257}) [ البقرة ].
فهذه الآية الكريمة بعد أن أشارت إلى مضمون عقيدة التوحيد القائمة على النفي والإثبات (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ) تحدثت مباشرة عن الولاية العامة بما يؤكد إنبثاقها عن عقيدة التوحيد كأصل من أصول العقيدة، وأوضحت الآية أن الولاية ولايتان ولاية ربانية وولاية شيطانية طاغوتية بما يؤكد المضمون السياسي لعقيدة الولاء والبراء في القرآن (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) وهذا دليل إضافي يؤكد أن الخلافة والدولةة والولاية العامة أصل من أصول العقيدة.
والدليل على أن حكم الطاغوت هو حكم وولاية شيطانية بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن قوله تع إلى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}النساء60، فصريح هذه الآية ربط بين الطاغوت والتحاكم إليه والشيطان.
وعلامة حكم الطاغوت هو التأويل العنصري للخلافة والولاية العامة من قبل أهل الزيغ لأن الشيطان قال {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}الحجر39، فجعل مادة غوايته هي مدخله إلى غواية الآخرين ومادة غوايته هي إصراره على إحتكار الخلافة والولاية العامة على أساس الأفضلية العنصرية (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وعلى هذا الأساس فكل من جعل من أفضلية النسب والأصل شرطاً من شروط الخلافة والولاية العامة فقد إحتكم إلى منهجية الشيطان الطاغوتية الإستكبارية الإستعلائية لا إلى منهجية الرحمن، وشتان بين منهجية الرحمن الراشدة التي تجعل أساس الدين والخلافة والولاية العامة محصورة في التقوى والعلم وبين منهجية الشيطان منهجية الغواية القائمة على النزعة العنصرية الإستكبارية الإستعلائية (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، وإلى منهجية الرشد والغواية أشارت الآية السالفة في قوله تع إلى (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
ولا يتسع المقام لشرح كافة الآيات القرآنية الواردة في سياق الولاية العامة وتحرير الولاء الإنساني من الولاءات التقليدية القائمة على أسس عصبية وعنصرية وطائفية بجعل الولاء خالصاً لله ولكن سأبين الملامح العامة لمفهوم الولاء والبراء (الولاية العامة) كإطار سياسي ناظم للعلاقات السياسية بين المؤمنين بعضهم ببعض ومع غيرهم من الكافرين على النحو التالي:-
أ- الولاء يأتي في القرآن بمعنيين رئيسيين:
1- ولاء بمعنى السمع والطاعة المطلقة والتبعية المطلقة وهذا لا يكون إلا لله .
2- ولاء وسمع وطاعة مبصرة غير مطلقة وتكون لغير الله.
لقوله تع إلى {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} الأعراف3، فهذه الآية أوضحت معنى الولاء بأنه التبعية ثم بينت أن التبعية لا تكون إلا لله وحده بدليل النهي الإلهي عن التبعية للغير (وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) وكان يمكن حمل هذه الآية على عمومها في النهي عن السمع والطاعة والتبعية لغير الله لولا أن عموم هذه الآية خُصص بآية أخرى، والعام كما يقول علماء الأصول لا يصبح دليلاً إلا إذا عرف خاصّه، كما أن الخاص لا يعرف إلا بمعرفة عامّه أولاً.
وتخصيص عموم هذه الآية قد جاء في قوله تع إلى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}النساء59.
فهذه الآية أوضحت معنى الولاية كإطار ناظم للعلاقة بين الله ورسوله وأولياء الأمر والمؤمنين فجعلت الولاء والسمع والطاعة والتبعية لله وللرسول –ص-، كما أقرت ولاية وطاعة أولياء الأمر في قوله تع إلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) وعلى هذا الأساس يتأكد لنا أن هذه الآية خصصت عموم الآية السالفة (وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) عندما أقرت ولاية أولياء أمر المؤمنين، وهذا التخصيص أكد أن الولاية ولايتان:
1- ولاية بمعنى سمع وطاعة وتبعية مطلقة وهذه لا تكون إلا لله.
2- وولاية بمعنى سمع وطاعة وتبعية غير مطلقة وإنما مقيدة بطاعة الله وطاعة رسوله وبالتالي فهي طاعة مبصرة لا طاعة عمياء ويتأكد هذا الأمر بقوله تع إلى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) فقد أقرت الآية ليس حق الإختلاف مع أولياء الأمر فحسب وإنما التنازع أي أشد أنواع الخلاف بما يؤكد عدم قداسة السلطة التنفيذية وأن القداسة فقط للسلطة التشريعية أي لله ولرسوله عبر الكتاب والسنّة وعدم جواز التبعية المطلقة والسمع والطاعة المطلقة لأولياء الأمر في حال المخالفة لتعاليم الشرع.
ب- وبعد توضيح مفهوم الولاية العامة نوضح إطارها الناظم للعلاقات السياسية بتوضيح أطراف هذه العلاقة على النحو التالي:
1- الملك والحاكمية والولاية العامة لله، أي هي الإطار الناظم للعلاقة بين الله وخلقه، فالله وحده له حق السمع والطاعة المطلقة وله وحده التبعية المطلقة ويتجسد هذا عبر إتباع شريعته لصريح قوله تع إلى {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}الأعراف3.
2- أن الولاية العامة من بعد الولاية لله بإتباع شريعته هي حق المجتمع والأمة الإسلامية رجالاً ونساء فهم الذين تنبثق عنهم السلطة التنفيذية عبر الشورى فلهم حق الإختيار لأولياء الأمر وحق الرقابه لقوله تع إلى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)، فقد أثبتت هذه الآية الحق السياسي لكافة أفراد المجتمع الإسلامي رجالاً ونساء.
وقوله تع إلى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) بينت لنا الآلية التي بموجبها يتم إختيار السلطة التنفيذية التي ستطبق تعاليم التشريع الإلهي (السلطة التشريعية) عبر الشورى، أي أن للأمة حق إختيار أولياء أمرها وحق مراقبتهم بدليل قوله تع إلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) فدليل حق إختيار المؤمنين لأولياء الأمر إلى جوار قوله تع إلى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) قوله تع إلى (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) فقوله تع إلى (مِنكُمْ) أي تنبثق من بينكم أيها المؤمنون ولم تأتي عبارة (فيكم) أي المفروضين عليكم، أما دليل حق رقابة الأمة من بعد الإختيار فقوله تع إلى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) فالمرجعية لله ولرسوله عبر الكتاب والسنة لا مرجعية لعلماء ولا لأمراء.
ج- كم ا أن الولاء إطار ناظم للعلاقة بين الله ورسله وأولياء الأمر والمؤمنين فإن البراء إطار ناظم للعلاقة بين المؤمنين والكافرين بدليل قوله تع إلى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}آل عمران28.
وبهذه الكيفية أكون قد أوضحت بصورة مختزلة أن الولاية العامة أصل من أصول العقيدة لا الشريعة فحسب بل الأصل الأول المنبثق عن عقيدة التوحيد بما يعزز الأدلة السالفة بأن الخلافة والولاية العامة من أصول الدين لا من فروعة كما أوضحت المضمون السياسي لمفهوم الولاء والبراء في القرآن وأن المقصود بهما الولاية العامة.
________________
مسئول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح