قد لا يختلف اثنان حول الوضع المتردي والمأزق الحضاري الذي تمر به امتنا العربية في شتى مناحي الحياة ولكن ما الذي يتحتم علينا فعله تجاه هذا الوضع هل نتحول إلى ساديين نمارس جلد الذات ونتفنن في التشهير بأمتنا وكان ما تعانيه هذه الأمة من تكالب الأعداء ليس كافيا حتى ينبري من بين أبنائها من ينكئ جراحها ويزيد ها ضغثا على ابالة.
هل التنكر لتاريخ الأمة وحضارتها ووجودها هو الحل أم أن المفترض هو الإصرار على تلمس الحلول وإيجادها لأننا لا نمتلك خيارات أخرى غير الانتماء لهذه الأمة بخيرها وشرها وكما قال الشعر العربي قديما:
وما أنا إلا من غزية إن غوت .....غويت وان ترشد غزية ارشد
هل بأيدينا ان نكون شيئا أخر غير أنا عرب قد نمتلك منطق القطرية وبروز الانا الوهمية على وجود الأمة لكن حتى هذه القطرية لا تقدم البديل ولو حتى لفظا أو شكلا فنحن كعرب حينما ننتسب لأقطارنا لابد في الأخير من تلازمنا صفة العربية نسبا ومصيرا، ولكن هل صحيح انها امة مفلسة وغير قادرة على صنع أو صياغة مشروعها الحضاري الذي تواجه فيه العصر... الإجابة لا وبالفم المليان فنحن رغم قسوة الهجمة وشراستها من قبل أعداء الأمة لنا وجودنا وان كان غير فاعل ولو عانت امة أخرى ما عانته امتنا لغادرت مسرح التاريخ ولطويت صفحات وجودها إلى غير رجعة .
ان التنصل والتنكر والتندر أحيانا بواقع الأمة لا يعفينا من مسئوليتنا التاريخية في العمل من اجل نهضة الأمة وتقدمها واستعادة مكانتها بين أمم الأرض وذلك لا يتأتى لنا الا من خلال النظرة المتزنة الناقدة للواقع وإحياء مقومات النهوض التي يمتلكها الأمة ذاتيا وفي مقدمة هذه المقومات وحدة الأمة الخيار الأول والأساسي وحجر الزاوية في الحديث عن أي مشروع نهضوي لعدة اعتبارات سوءا ما يتعلق منها بمنطق الأشياء أو بواقع الأمم والشعوب الأخرى من حولنا .
وابتداءا نقول أننا كعرب ندين بالإسلام فرض الله الوحدة علينا وقرنها بتوحيده ( ان هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون ) ولا تعارض في الآية بين من ينادي بوحدة الأمة الإسلامية أو العربية فالوحدة العربية هي المقدمة الاولى للوحدة الإسلامية ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الشتات فقد جاء اخر حديث البدعة المعروف وعليكم بالجماعة الخ ولعمري فان شر المحدثات هي الدول القطرية التي ضيعت الأمة وذهبت بريحها.
الأمر الأخر وهو أننا حينما ننظر في واقع الأمم من حولنا نجد انه لا توجد امة من امم الدنيا استطاعت النهوض وهي ممزقة متناثرة الأشلاء فلو كانت اليابان أربع أو خمس دول وكانت فرنسا ثلاث دول وكانت وكانت الخ هل ممكن ان تنهض هذه الشعوب لا وألف لا ان هذه الشعوب امتلك منطق ومقومات النهضة من خلال اجتماعها على تاريخها ولغتها وثقافتها وامكاناتها ومصالحها فأوجدت لأنفسها المكانة التي تليق بها لكن نحن نتحدث عن مشروع نهضوي مفقود ونسب ونلعن ونجلد ذات هذه الأمة فينا صباح مساء دون ان نطرح على أنفسنا سؤال جوهري وهو أين الأمة ومن هو المسئول عن قيادة نهضتها ومشروعها والإجابة على هذا السؤال بسيطة وواضحة وهي ان الأمة ليست موجودة أصلا، لان الأمة هي كلنا مجتمعون لكن في حالة تمزقنا لا يوجد شيء اسمه الأمة ولا يوجد من يمثلها هل الامة مصر ام السعودية ام اليمن ام العراق كل هذه أجزاء لا تغني عن الكل وعندما يجتمع الكل نستطيع الحديث عن امة ونستطيع ان نجعل من الامة مجتمعة وعاءا للمشروع الحضاري الذي ننشده ونبحث .
وحينما نطرح مسالة وحدة الأمة لا نطرحها كمشروع رومانسي وفق صيغة ونمط معينين ولكنا نطرحه كأفق يستوعب ويتعامل مع كل الصيغ في عصر التقاء القارات وتوحدها حول مصالحها .
المطلوب مننا ان يظل الإيمان بوحدة هذه الأمة يقينا راسخا لا تهزة هجمات الاعداء وشراسة المؤامرات وان نبذر في الا جيال مسالة الايمان بهذه الحقيقة التي ربما يدركها أعدائنا أكثر مما ندركها نحن ولهذا فهم دائما يوجهون كيدهم بذات الاتجاه الذين يزيدنا فرقة وابتعادا .
وكما قلت ان القارات تلتقي رغم تعدد الاعراق واللغات وتباين الديانات وغياب التاريخ المشترك تلتقي حول عنصر واحد هو عنصر المصلحة فهل كثير على امة تجمعها كل العوامل ان تتنادى إلى وحدتها وان تعمل من اجل هذه الوحدة وان يتداعى مثقفوها ومفكريها إلى إحياء جذوة الوحدة وإبقاءها حية حتى يأتي اليوم الذي تستعيد فيه الأمة وعيها بوجودها وتدرك أهمية الالتفاف حول ذاتها أنها ليست أمنيات حالم ولكنها تطلعات عربي مؤمن بوحدة أمته وان لا عزة لها الا بهذه الوحدة.
____________
* من أهم رواد الإعلام في اليمن
* مقيم خارج الوطن