آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ما المقصود بالفيدرالية وما هي الشروط العلمية لتطبيقها؟

الفيدرالية في علم النظم السياسية: هي نظام دستوري وقانوني يهدف إلى توحيد عدة دول مستقلة بحيث تصير دولة واحدة لإنشاء دولة مركزية قوية وفي إطار هذا النظام الفيدرالي تقوم مجموع الدول المكونة للإتحاد الفيدرالي بإلغاء شخصيتها المستقلة كدول لتذوب في الدولة الواحدة الفيدرالية.

وتمثل هذه الدولة حكومة مركزية قوية تسمى الحكومة الفيدرالية وتختص بالسياسة الخارجية والدفاع فقط أما بقية الدول المنضوية في الإتحاد فتتحول إلى ولايات لها إستقلالية في شئونها المختلفة ما عدا السياسة الخارجية والدفاع ويكون لكل ولاية حكومة محلية مستقلة لتدير الإختصاصات المنوطة بها وبرلمانها المستقل وقوانينها الخاصة وكذلك قضاءها المستقل.

* ومن الدول التي طبقت مثل هذا النظام الفيدرالي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قبل الإتحاد ثلاثة عشر دولة فاتحدت في دولة واحدة، والإتحاد السوفيتي سابقاً.

* الشروط العلمية لتطبيق الفيدرالية:

وعلى هذا الأساس يمكننا القول من خلال هذا التعريف بأن الشروط العلمية لتطبيق الفيدرالية تتركز في:-

1. أن تكون هناك عدة دول تريد أن تتحد في دولة واحدة، وبالتالي لا يطبق هذا النظام في دولة واحدة بسيطة متجانسة شعباً وهوية عند علماء النظم السياسية ولذلك يفرقون بين الدولة البسيطة والدولة المركبة.

فالدولة الفيدرالية هي دولة مركبة أي مؤسسة من عدة دول لا دولة واحدة، وبهذا الشرط تصبح الفيدرالية خطوة نحو الوحدة، فلو أردنا توحيد الدول العربية عبر مشروع فيدرالي إلى ولايات متحدة عربية لكانت هذه خطوة نحو الوحدة، لكن إذا طبقت الفيدرالية في دولة واحدة (بسيطة غير مركبة) فإنها تكون عامل تمزيق لا توحيد، كالعراق حالياً الذي يراد تقسيمه عبر دستور فيدرالي إلى ثلاثة أقاليم (إقليم للسنة وإقليم للشيعة وإقليم للأكراد) والقوى السياسية الوطنية ترفض هذا المشروع الفيدرالي.

2. أن يكون الهدف من الفيدرالية هو إنشاء دولة مركزية قوية مكونة من إمكانيات وشعوب عدة دول.

فالولايات المتحدة أصبحت دولة مركزية قوية بعد إتحادها من مجموع الدول الثلاثة عشر المكونة لها وكذلك الإتحاد السوفيتي.

وعلى هذا الأساس إذا لم تؤدي الفيدرالية إلى قيام دولة مركزية أقوى من السابق فلا تصلح للتطبيق، بمعنى إذا تحول الهدف منها إلى تفتيت الدولة المركزية عندئذ لا تصلح الفيدرالية للتطبيق، وهذا ما يحصل إذا طبقنا الفيدرالية في إطار دولة واحدة لا من مجموع عدد من الدول، ولذلك إعتبر علماء النظم السياسية (الدولة البسيطة أي نظام الدولة الواحدة غير صالح للنظام الفيدرالي).

3. ولأن النظام الفيدرالي لا يصلح لنظام الدولة الواحدة فرّق علماء النظم السياسية بين ثلاثة أنظمة موجودة في العالم حالياً:

1. نظام الدولة الواحدة أو ما يُعرف بنظام الدولة البسيطة، أي دولة واحدة لشعب متجانس لا تتجزأ سلطته التشريعية والتنفيذية والقضائية واليمن دولة بسيطة متجانسة وليست مركبة.

2. النظام الفيدرالي وهو ما يطلق عليه نظام الدولة المركبة لا البسيطة أي أن الدولة الفيدرالية الواحدة يجب أن تكون مركبة من عدة دول سابقاً كالولايات المتحدة الأمريكية.

ج- النظام الكونفدرالي وهو النظام الذي تحافظ فيه كل دولة على شخصيتها وتجمعها مع مجموعة من الدول علاقة تنسيق سياسي واقتصادي كمجلس التعاون الخليجي.

- وبعد هذا الإيضاح لمعنى الفيدرالية والشروط الموضوعية العلمية لتطبيقها يتضح أن اليمن وفق معايير علم النظم السياسية لا تصلح فيها الفيدرالية لأنها دولة بسيطة غير مركبة وتطبيق الفيدرالية فيها سيعمل على تجزأة البلاد وتفكيك السلطة السياسية ودولة الوحدة إلى سلطنات ودويلات بعدد مدنها ونواحيها.

- وعلى القيادات الحزبية الجمهورية أن توسع ثقافتها الأكاديمية في هذا الموضوع وكذلك أخذ العبرة من دروس التاريخ فالخلافة العثمانية الكيان السياسي الجامع للأمة العربية والإسلامية تم التآمر اليهودي عليها تحت شعار الفيدرالية واللامركزية.

ويمن الوحدة والثورة يتم التآمر عليها من العناصر الإمامية الهادوية عبر مشروعهم الفيدرالي المطروح في وثيقة الإنقاذ بهدف تفكيك الدولة المركزية الجمهورية وتمزيق الخارطة الإجتماعية إلى عصبيات شطرية وطائفية ومناطقية وقبلية لصوملة اليمن وإشعال الحرب الأهلية فيها.

وها نحن نجد آثار هذه الأفكار الشيطانية الإمامية في الواقع من خلال النعرات الشطرية والطائفية في المحافظات الجنوبية (ما يسمى بالحراك الجنوبي) والحرب الدائرة في صعدة بهدف إقامة إقليم شيعي يمتد من صعدة إلى ميدي.

والرسول محمد (ص) في الحديث الصحيح المتواتر الذي ورد في البخاري ومسلم وكل أمهات كتب السنة يقول : (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه).

فهذا الحديث العظيم الجامع المانع قد لخص الأزمة السياسية في اليمن بشقيها (القضية الجنوبية والحراك الجنوبي) (والتمرد الإمامي الشيعي في صعدة)، حيث أوضح لنا براءته من كل من يزعم الإسلام ويدعو إلى راية عصبية جاهلية واعتبر كل مسلم يقاتل أو يقتل تحت راية عصبية فإنه يموت موتة جاهلية كرفع شعار (القضية الجنوبية أو الحراك).

والأصل أن يرفع شعار القضية اليمنية وإشكالية الفساد وتدهور الأوضاع الإقتصادية دون عصبية لشمال أو جنوب، لكن شياطين الإمامة إستطاعوا إثارة المشاعر الطائفية عند قيادات المشترك فحرفوا مسار المعارضة من الدعوة إلى إصلاح الأوضاع على مستوى الوطن إلى منطلقات طائفية وشطرية عصبية تؤدي إلى نتائج أكثر خطورة من الأوضاع الحالية وهي تجزأة البلاد وإغراقها في حرب أهلية.

ومن الغريب أن قيادات الإصلاح تورطت في هذا المشروع الإمامي الشيعي بدلاً من مواجهته بل أصبحت الحامل الرئيسي له. بحيث يمكننا القول دون مواربة أن قيادات المشترك الجمهورية التي سلكت في مشورة الأشرار الإماميين وانخرطت في المشروع الفيدرالي الإمامي قد تخلت عن لغة المبادئ واستجابت لنوازع العصبية الجاهلية الطائفية والشطرية .

ومع الأسف أن القيادات الجمهورية في المشترك التي إنقادت للمشروع الشيعي تبحث عن مصلحة طائفية متوهمة غير حقيقية بسبب عدم إدراك هذه القيادات لسياق اليمن التاريخي.

أما الشق الثاني من حديث الرسول (ص) فكأنه يتحدث عن حرب صعدة (ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه).

فالحوثي المسئول عن الجناح العسكري لحزب الحق واتحاد القوى الشعبية قد خرج على هذا الشعب شاهراً سلاحه وشق عصا الطاعة وملأ صعدة وما حولها قتلاً وسفكاً للدماء مستحلاً قتل المسلمين تحت حجة عدم مشروعية النظام الجمهوري الذي يتزعمه أحد أبناء اليمن باعتبار أن المذهب الهادوي يحصر الولاية العامة في أبناء الحسن والحسين ويعتبر الخروج عن ولاية البطنين كفر وخروج على الإسلام، وهذا ما فعله الأئمة عبر التاريخ إبتداءً من إبراهيم الجزار ومروراً بالهادي وإنتهاءاً بالإمام يحيى، الإنطلاق من صعدة في حروب متواصلة حتى الوصول إلى صنعاء والسيطرة عليها مع أن هؤلاء الأئمة يزعمون أنهم من أبناء رسول الله وما هم منه بدليل بشاعة جرائمهم واستحلالهم لدماء وأموال المسلمين.

وحتى يدرك قادة المشترك أن ما يحصل في صعدة من حرب اليوم هو مشهد تاريخي وحرب أهلية عمرها أكثر من ألف عام، وللتأكيد على جرائم الأئمة التاريخية إنطلاقاً من صعدة سأذكّر بمشهد من هذه المشاهد لأن المقام لا يتسع لسرد جرائم الأئمة كلهم وهو مشهد أول إمام قدم إلى اليمن إبراهيم بن موسى الملقب بالجزار وماذا قالت عنه كتب التاريخ حيث أورد الباحث علي محمد زيد في كتابه (معتزلة اليمن دولة الهادي وفكرة) الطبعة الأولى في ص41 :

(وهو إبراهيم بن موسى الذي قدم إلى اليمن والياً لمحمد بن إبراهيم طباطبا الخارج بالكوفة مع أبي السرايا أيام المأمون سنة 198ه / 814م وقد كان هذا الأمير مهووساً لأنه عمد إلى الإسراف في القتل وسفك الدماء فقتل المئات من الشهابيين والإكليين وبني الحارث بنجران والسليمانيين بعيان واللعونيين بريدة والكباريين بأثافث والإبارة بظهر والحواليين ببيت ذخار وبني نافع بالسر وسرو حمير، أما صعدة فقد خلت من سكانها ولم يبق إلا جماعة بحيدان، وهدم سد الخانق ودمر المدينة، لذلك سمي هذا الأمير في كتب التاريخ بإبراهيم الجزار وكان طبيعياً أن ينتهي هذا العمل الجنوني إلى هزيمة الجزار وانتهاء أمره فالمجازر التي إرتكبها دفعت اليمنيين لقتاله وإخراجه وبهزيمة الجزار إنتهت أمور العلوية باليمن آنذاك لكنه حين جاء كان القتال مندلعاً بين بني فطيمة والإكليين وهما حيان في صعدة فتزعم بني فطيمة ونكل بالإكليين).

وصدق القاضي عبد الرحمن الإرياني في قصيدته التي بين فيها جرائم الإمامة بقوله:-

يا بن همدان أنت بلّغت لكن
خادعونا وأظهروا الإستكانه

خادعونا بالله بالرسل بالقرآن
بالزهد بالتقى بالديانه

بعد ألف من السنين رأينا
قولك الحق واضحاً في الإبانه

قم تجد أمة فروها بأظفار حداد
وجرعوها الإهانه

قم تجد شعبك الكريم لديغاً
وعلى عنقه ترى ثعبانه

آل قحطان آن أن يوثق المجرم
هذا ويودع الزنزانه

إن تاريخكم رهيب مليء
بالمآسي فيه تحار الإبانه

ألف عام وأنتم في متاهات
خضم جهلتم شيطانه

ليس في الدين سيد ومسود
فاقرأوه وحققوا قرآنه

إن دين الإسلام دين التساوي
ليس فيه تعاظم واستهانه

إنما السيد الإله وكل الناس
حقاً عياله في مكانه

لا تقولوا سيدي، لشخص ومن
ينطق بها فاقطعوا بحدٍ لسانه

زر الذهاب إلى الأعلى