آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

المذاهب في المنظور القرآني

لا بد من رد موضوع المذاهب والمذهبية والتمذهب بشكل عام إلى أصله التشريعي لتحديد المعيار والميزان الشرعي الذي نزن به المذهب الزيدي وغيره من المذاهب.

فأقول ألا يجدر بنا أن نسأل أنفسنا إبتداء ما هو الموقف الشرعي من المذاهب والتمذهب بشكل عام؟ هل المذاهب الإسلامية السنية والشيعية هي الإسلام؟ أم أن المذاهب شيء والإسلام شيء آخر؟ وهل يجب أن ننظر إلى الإسلام من زاوية المذاهب؟ أم ننظر إلى المذاهب من زاوية الإسلام؟

وفي هذا الصدد سأجيب على هذا الموضوع باختصار شديد لأن الموضوع يطول شرحه على النحو التالي:

1. لا بد من الإيضاح أن الإسلام شيء والمذاهب شيء آخر، فالإسلام هو الدين والدين هو الشرع والشرع هو كلام الله ووحيه لا كلام البشر وفهمهم، ووحي الله وشرعه يتجسد في القرآن المعصوم والسنة المعصومة بالقرآن وليس في المذاهب.

أما الدليل القرآني بأن الدين هو شرع الله فلقوله تع إلى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13

والمذاهب الإسلامية هي فهوم البشر وكلامهم لا كلام الله ووحيه أو بمعنى أدق فهوم علماء الإسلام لهذين المصدرين القرآن والسنة لا القرآن والسنة وهذه الفهوم عرضة للخطأ باعتبار بشريتهم وعرضة للتأطر بخصوصية الواقع الظرفي زماناً ومكاناً .

والله سبحانه وتع إلى قد نهى أن نجعل من كلام العلماء وفهومهم شرعاً لقوله تع إلى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21

ويتعزز هذا الفهم بأن حق التشريع لله وكلامه ووحيه وأن إعطاء العلماء حق التشريع يعتبر تأليه لهم واتخاذهم أرباباً من دون الله لقوله تع إلى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}التوبة31

وعلى هذا الأساس يتضح لنا أن الله تعبدنا بكلامه ووحيه ولم يتعبدنا بكلام البشر وفهومهم، والعبودية في القرآن لا يقصد بها المعنى الشائع عبودية الشعائر وإنما يقصد بها التبعية والطاعة لكلام الله ووحيه لا التبعية لكلام البشر لقوله تع إلى {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }الأعراف3 وقوله تع إلى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170

وبهذا نخلص إلى أن الإسلام والدين وشرع الله شيء والمذاهب شيء آخر فدين الله وشرعه هو كلامه ووحيه وتنزيله والمذاهب الإسلامية هي فهوم علماء الإسلام وإجتهاداتهم للكتاب والسنة وهي فهوم عرضة للخطأ وبالتالي فالله تعبدنا بكلامه ووحيه في كتابه ولم يتعبدنا بكلام العلماء وكتبهم.

2. بعد أن أوضحنا الفارق بين الإسلام والمذاهب وأن الله تعبدنا بشرعه ووحيه وكتابه ولم يتعبدنا بفهوم العلماء وكلامهم وكتبهم ومذاهبهم يمكن أيضاً إدراك رأي الشرع في المذاهب من زاوية أخرى وهي زاوية وحدة الأمة وفرقتها لقوله تع إلى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13

هذه الآية العظيمة أوضحت لنا المقصد الأساسي من نزول وحي السماء والأديان السماوية عبر التاريخ بأنه كامن في توحيد الأمة لا تفريقها بقوله تع إلى (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) فصريح هذه الآية جعلت علامة إقامة الدين هي التوحد وعدم التفرق ويتعزز هذا الفهم بقوله تع إلى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153، فهذه الآية عززت الآية الأولى وأمرت باتباع صراط الله وسبيله ثم وصفت هذا السبيل الإلهي بأنه السبيل المستقيم ثم بينت لنا معنى المستقيم بأنه الذي يؤدي إلى الوحدة لا إلى الفرقة ثم نهت الآية عن إتباع السبل المؤدية للفرقة.

ولو نظرنا للمذاهب من هذه الزاوية القرآنية زاوية وحدة الأمة وفرقتها لوجدنا أن المذاهب الإسلامية صحيحها وباطلها لمجرد التسمية كمذاهب – المذهب الشافعي المذهب الحنبلي المذهب الزيدي ...الخ – واتخاذها إطاراً مرجعياً عامل تفريق للأمة الواحدة وتمزيق لها ولذلك رفض القرآن المذاهب من حيث التسمية والشكل بغض النظر عن المضمون لقوله تع إلى {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى }النجم23، هذه الآية العظيمة تلخص الرأي الشرعي في المذاهب لمجرد التسمية لأنه بمجرد تسمية الآباء بمذاهب (الشافعي – الحنبلي – الزيدي) تكون عامل فرقة.

ويتعزز هذا الفهم برفض القرآن للمذاهب لمجرد التسمية لما تسببه من فرقة وانشقاق بالتأكيد القرآني على تسمية واحدة لا أسماء متعددة لتكون هذه التسمية الواحدة هي الإطار المرجعي الناظم لوحدة الأمة {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ}الحج78

فقوله تع إلى (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) تحديد قرآني للتسمية الجامعة للأمة وهي المسلمين لا الشافعيين ولا الحنابلة ولا الزيدي.. الخ.

إذن فسبيل الله ومذهبه هو كلامه ووحيه وكتبه والسبل هي المذاهب البشرية التي تؤدي إلى الفرقة (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ).

وما نخلص إليه في هذا المقال بأن مذهب المسلم الواعي دليله من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ودليل المسلم المذموم قرآنياً مذهبه وشتّان بين من مذهبه دليله ومن دليله مذهبه..

زر الذهاب إلى الأعلى