لقد تحولت مباراة مصر والجزائر من مجرد مباراة فيها احتمالات الفوز أو الهزيمة للفريقين، إلى حالة من الجنون المرفوض، فقد خرجت المباراة عن كونها وسيلة للمتعة، ومنافسة رياضية، إلى معركة حربية أعلن فيها المتعصبون إباحة كل شىء حتى إراقة الدماء.
فتطور الأحداث بين الشعبين الجزائرى والمصرى، على مدار الأيام الأربعة الماضية، يؤكد لنا جميعا أن المباراة خرجت عن هدفها الحقيقى، فهل من المنطق أن يقوم أشقاؤنا الجزائريون بمحاصرة إخوانهم المصريين، ويقوموا بالاعتداء عليهم ويصيبوا منهم العشرات، وتراق دماء بريئة من أى ذنب؟! بل هل من المعقول ما تعرضت له ممتلكات المصريين بالجزائر لكل هذه التلفيات والدمار؟! إنها حالة من الانهيار القيمى والأخلاقى لم يشهدها تاريخ الأمة من قبل.
ولقد أحزننى صوت أم مصرية أطلقت عشرات الاستغاثات عبر الفضائيات، مطالبة بإنقاذ ابنها من يد المتعصبين الجزائريين، الذين حاصروا مقر شركة المصرية أوراسكوم للإنشاءات والتى تعمل بالجزائر وبها أكثر من 1200 عامل، مؤكدة أن ابنها أصبحت حياته في خطر، ولقد هزنى كثيرا عبرات الأم التى اختلطت استغاثتها بعبارات الرفض لهذا الواقع الذى فرضته هذه المباراة.
"ملعونة مباراة يُيتم بسببها الأطفال، بل ملعون تعصب يهدد مستقبل العلاقات بين بلدين إسلاميين عربيين"، إنها كلمات أطلقها أحد المصريين غادر وطنه ليجد فرصة عمل في الشقيقة الجزائر، وأنا أضم صوتى لصوته، فما قيمة مباراة استنزفت دماء عربية؟! وما قيمة فوز يترتب عليه قطيعة شعبين علاقتهما التاريخية كبيرة؟! بل ما قيمة مباراة ستؤدى في نهاية الأمر للوصول لكأس لا يعلم أحد مدى أداء الفريق المتأهل له؟! انه السير وراء السراب، والهروب من المشاكل المزمنة التى تثقل كاهل الشعبين.
كما لا أدرى ما الهدف من هذه الحرب الإعلامية، وكيف تقوم جريدة كجريدة الشروق الجزائرية بتضليل الرأى العام الجزائرى، فقد تجردت هذه الجريدة من كل الأعراف والقيم المهنية، وقامت بنشر أخبار عارية تماما من الصحة، أثارت كل هذا الحقد وثورة الغضب عند الجزائريين، حيث نشرت الجريدة أخبارا تفيد بأن 8 مشجعين جزائريين لقوا مصرعهم بمصر على يد الجمهور المصرى، وبالطبع توالت ردود الأفعال بالشارع الجزائرى، ووصلت لحالة الهياج الذى انتهت بمحاصرة المصريين المقيمين بالجزائر والاعتداء عليهم، وإلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة عليهم!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وجدنا أن صحيفة الخبر الجزائرية، تنقل تصريحات لمحمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائرى لكرة القدم تزيد الطينة بلة، حيث قال "المصريون خونة، ولم يحسنوا استقبال الوفد الجزائرى ومارسوا علينا ضغطا رهيبا من أجل الفوز بأى طريقة" ونشرت أيضا على صدر صفحتها يوم الأحد الماضى تقريرا خبريا تحت عنوان "جزائريون يروون ''جحيم القاهرة'' ل''الخبر''اعتداءات وحشية وانتهاك حرمات النساء" وبالطبع دفع فاتورة هذه التصريحات والأخبار الكاذبة، الجالية المصرية بالجزائر التى أصبحت حياتها في خطر.
لقد على صوت التعصب، وضاعت القيم والأخلاقيات العربية، في سبيل فوز في مباراة لن تجعلنا في مصاف الدولة المتقدمة تكنولوجيا أو علميا، لكن كعادتنا نهتم بالقشور ونترك الأصول، فكفانا غرقا في أوهام المجد الكاذب، وإخراج الأمور عن نصابها الحقيقى، حتى لا تضحك على جهلنا الأمم.