آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

العرب في دائرة الأزمات

لماذا تتفجر الأزمات متسارعة متوالية في ديار العرب وبين العرب والعرب، بحيث يخرج العرب من أزمة ليقعوا في أزمة جديدة. بل تتداخل الأزمات وتتعدد، وتتوالد: أزمة تلد أزمة. الحديث هنا ليس عن أزمات ومشكلات تقليدية،

إن جاز هذا الوصف، أي ليس عن قضية فلسطين، أو احتلال العراق، والصراع في داخل السودان، والخلاف على الصحراء الغربية، بل عن أزمات طارئة ومفاجئة وممتدة. إن إضافة جديد الأزمات إلى قديمها تثير أسئلة على رأسها: هل العرب في مرحلة شبيهة اليوم بسنوات الحرب العالمية الأولى وما شهدته من ''صفقات'' سرية مثل وعد بلفور واتفاق سايكس - بيكو حيث لم تتكشف أمام العرب حقيقة هذه الصفقات إلا بعد سنوات من إبرامها.

من المؤكد أن واقع اليوم يختلف عن تاريخ أمس. والقوى المسيطرة عالمياً ليست هي القوى نفسها التي كانت سائدة في عالم أمس، كما أن الخارطة العربية وتوزيع الدول والأقطار عليها يختلف جذرياً عن خارطة سنوات الحرب العالمية الأولى 1914 - ,.1918 والغريب في هذا أن عرب أمس يبدون - على السطح على الأقل - كثر تقارباً من عرب اليوم.

عرب أمس كانوا نهباً للقوى الدولية المتصارعة على أرضهم وثرواتهم، أما عرب اليوم فإنهم فوق ما سبق يصارعون أنفسهم ويتصارعون فيما بينهم على الأقل في بعض أزماتهم. أمامنا ما يجري في اليمن من صراعات داخلية بسبب تمرد ''الحوثيين'' من ناحية، وبسبب رغبة أهل الجنوب أو فريق منهم في العودة إلى الانفصال من ناحية أخرى.

وبينما تتصاعد حدة الأزمة والاقتتال في شمال غربي اليمن، وبينما تضطر المملكة العربية السعودية إلى التدخل في هذه الحرب، وبينما يحدث هذا وهو خطير، فوجئ العرب بأزمة حادة وساخنة إلى أبعد الحدود الإعلامية بين الجزائر ومصر، بسبب الصراع على مباراة لكرة القدم تأهلاً لنهائي مباريات كأس العالم في جنوب إفريقيا في العام المقبل..

وكاد التلاسن الإعلامي - الصحافي وعبر الفضائيات- يمتد إلى أقطار عربية أخرى، بحيث يتسع الخرق على الرائق. إن ما حدث في هذه الأزمة خطير، وغير عادي، وفائق الحدة والسخونة لدرجة أنه فاق كثيراً ما حدث بين العرب وبعضهم في السنوات التي عرفت بالحرب الباردة العربية في ستينات القرن الماضي، حيث كانت المعارك الإعلامية على أشدها بين معسكرين عربيين..

ومن أسف أن الانقسام إلى معسكرين يتكرر اليوم بصورة أو بأخرى ليضم أحدهما ما يسمى دول الاعتدال ويضم الثاني ما يسمى قوى الممانعة. وهذا الانقسام وجه آخر من وجوه الأزمات العربية المتزايدة: القديمة والجديدة والمتجددة.

ولم تكن الحرب الإعلامية الساخنة إلى أبعد الحدود بين مصر والجزائر قد وضعت أوزارها، حيث شهدت جولات من تبادل الاتهامات التي وصلت إلى حد السباب والزعم بأن الكراهية في البلدين قديمة ومتأصلة، إلا ونشبت أزمة عربية أخرى، هي الأزمة الاقتصادية في إمارة دبي التي توصف بأنها درة الخليج العربي في سرعة نموها وازدهارها وتألقها في عالم المال واقتصاد الخدمات.

وفي مواجهة هذه الأزمة، انقسم العرب إلى عربين، وصارت الأمة أمتين. عرب يلطمون الخدود ويشقون الجيوب وينعون التجربة الدبوية من ألفها إلى يائها، وعرب يعتبرون الأزمة نكسة طارئة، ستخرج منها دبي سليمة وأكثر نضجاً..

فما يجري في دبي التي يمكن وصفها جغرافياً بأنها جزء قصي في مشرق الوطن العربي، هو في حقيقته حدث خليجي وعربي يؤثر في كافة أنحاء الوطن العربي مغرباً ومشرقاً، من حيث الاستثمار والتوظيف والإنتاج. ولذلك انعكست أصداء الأزمة بسرعة في داخل أكثر من بلد عربي، هبطت فيه أسعار البورصات بشكل غير عادي، وتأثرت أسعار العقارات، واستعدت بلاد عربية أخرى لاستقبال أبنائها الذين كانوا يعملون في دبي..

لدرجة أن الأرض الفلسطينية المحتلة توقعت عودة الآلاف من أبنائها ممن عاشوا في دبي سنوات غير قليلة، كانت بالنسبة لهم ولغيرهم من العرب المغاربة والمشارقة أرض الأحلام وجنة الرخاء والرفاهية. وهذه العودة ستكون لها انعكاساتها النفسية والثقافية بل والاجتماعية على عشرات الآلاف من هؤلاء العائدين بكل ما زخرت به حياتهم في دبي من خبرات وتجارب وذكريات. ولا مجال هنا للحديث عن أسباب هذه الأزمات ولا عن كيفية حلولها، سواء في ذلك الأزمة اليمنية، أو الأزمة الجزائرية - المصرية، أو أزمة دبي.

إن الأهم من ذلك هو البحث فيما وراء هذه الأزمات، وفيما بعدها، فهي جميعاً من حيث تعددها وتوالي حدوثها تطرح سؤالاً محدداً: إلى متى تستمر ارض العرب ميداناً للأزمات؟ وهل هذه الأزمات صناعة عربية فقط وبأيدي العرب وحدهم، أو أن هناك مؤثرات خارجية؟. لا يعني هذا ما يسمونه ''حديث المؤامرة''، بل يعني أولاً وأخيراً السعي والحرص على صنع وإقامة أجهزة متخصصة ومتفرغة لرصد إرهاصات ومقدمات الأزمات وبحث كيفية إدارتها والتخلص منها، ثم معرفة كيفية تجنبها وعدم الوقوع فيها..

وهذا ما يسمى ''إدارة الأزمات''، وهى علم يتم تدريسه في كثير من الجامعات.. ومنها جامعات عربية.. وما أشد حاجتنا اليوم إلى دراسة الأزمة الداخلية في اليمن، والأزمة الاقتصادية في دبي، والأزمة الكروية - الإعلامية بين الجزائر ومصر، دراستها من أجل تجنب تكرارها، وعدم ارتكابها مرة أخرى، كي ننصرف إلى علاج أزماتنا ومشكلاتنا الكبرى في فلسطين والعراق والسودان وغيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى