[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

سيرة أبي.. الفؤاد

ولد في التاسع والعشرين من يناير – كانون الثاني 1942م بتعز، توفيت والدته في تموز – يوليو 1944م وعمره سنتان إثر خروج والده الأستاذ أحمد محمد نعمان إلى عدن، فتولت عمته زينب أطال الله عمرها رعايته إلى أن اصطحبه ابن عمه أحمد أمين عبدالواسع نعمان إلى عدن عام 1946م ليعيش في كنف أبيه وشقيقيه محمد وعبدالرحمن.

وكما ورد في مذكرات الأستاذ نعمان عن ظروف مرحلة النضال العدني وقسوته على نفسه وحتى على أولاده في سبيل تأمين موارد القضية الوطنية.. وانعكست هذه القسوة وشظف العيش على طبائعهم زائداً عليها اليتم وفقدان الأمومة وانشغال الأب عن بنيه الصغار بالقضايا الكبار.

وباحتجاز الأستاذ نعمان في حجة إثر سقوط الثورة الدستورية 1948م بقي الفؤاد لدى جده لأمه الشيخ محمد أحمد نعمان المقيم جبراً بصنعاء مع أبناء الأستاذ محمد وعبدالرحمن وفؤاد وفوزية وزوجته الشريفة، إلى أن أمر الإمام أحمد حميدالدين بطلوع عائلة الأستاذ إلى حجة بعد العفو عنه وفرض الإقامة الجبرية.

وفي حجة بدأ الفؤاد دراسته على يد آبائه وإخوانه في المدرسة المتوسطة متزاملاً مع عدد من أبناء الأحرار المساجين وغيرهم ممن انضموا إلى صفوف الأحرار وقيادات الدولة لاحقاً. ويذكر أن لمح بعض الآباء الأحرار فيه ذكاءً ونبوغاً موروثاً، وكذا نقله في غفلة من الحرس الإمامي الرسائل المتبادلة بين الأحرار في حجة.

انتقل الفؤاد بعدها إلى القاهرة في سبتمبر – أيلول 1954م لإتمام دراسته الأساسية، واستقبله القاضي محمد محمود الزبيري رئيس الاتحاد اليمني بمصر، وكانت نقلة كبيرة في حياته من منطقة محدودة الأطراف والأفراد متقاربين متعارفين إلى مجتمع متباعد ومنطقة أوسع يجهل فيه الأفراد بعضهم بعضاً في مدينة هي عاصمة الوطن العربي كله.

صادف أن زار الأمير محمد البدر القاهرة والتقى بجملة الطلاب اليمنيين هناك وضمنهم فؤاد، ولما عرفه البدر بأنه نجل الأستاذ نعمان قال: إن لوالدك علي فضلاً أرده فيك، فألحقه بالمدرسة الداخلية الفرنسية، ولم يدم بقاؤه فيها طويلاً إذ بعد خروج الأستاذ من بلاط الإمام باليمن إلى صفوف الشعب والمعارضة بمصر في أغسطس 1955م سحب الأستاذ نعمان ملف ابنه ثم ألحقه بمدرسة أخرى ضمن بعثات الاتحاد اليمني.

بعدما أنهى الفؤاد دراسته بالقاهرة ابتعث ضمن بعثة الاتحاد اليمني للدراسة في الكويت بثانوية الشويخ، وظل مع أخيه عبدالرحمن منذ 1958م خيط الصلة بين والده وأخيه محمد في القاهرة وعدن وبين الطلبة اليمنيين بالكويت يوزع منشورات الاتحاد اليمني ودعوة المساهمة في استعادة مجد بلقيس ببناء كلية بلقيس بعدن.

ترافقت عودته إلى القاهرة وقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وبدأ دراسته الجامعية في القاهرة إلى أن تدبرت منحة دراسية للولايات المتحدة الأميركية لإتمام دراسته المتخصصة في علم الاجتماع.

عاد إلى اليمن منتصف العام 1968م ليسهم في تأسيس وإدارة بعض دوائر الشؤون الاجتماعية قبل صيرورتها وزارة في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، وكذا عمله في الجهاز العام للخدمة المدنية إثر مواصلته التزود المعرفي والعلمي من المعهد العربي للتخطيط بالكويت وكذا دورات علمية في الجامعة الأميركية ببيروت 1970-1971م.

التحق بالسلك الديبلوماسي عام 1971م بدرجة سكرتير ثاني، ضم إلى بعثة السفارة بباريس عام 1973م ثم بون عام 1974م، إلا أنه استقال في أواخر العام 1975م لما لاحت له فرصة عمل بدبي في شركة سيف الغرير، ثم عمل مصرفياً بالبنك العربي بعمان ثم صنعاء من 1976-1978م، وانتهى به الأمر بتأسيس المكتب اليمني للاستثمار والتجارة أواخر السبعينيات إلى أن خاض غمار الاستثمار الصناعي بتأسيس وافتتاح المصنع اليمني للأكسجين عام 1983م كأول مصنع يمني - قطاع خاص للغازات الطبية والصناعية.

إلى جانب غوصه في بحور الصناعة كان مطلعاً ومتابعاً لمجمل الشؤون العامة داخلياً وخارجياً بتأثير النشأة الأولى والخبرات المتلاحقة مما أكسبه إلماماً شاملاً بمجريات الأمور وصداقات واسعة مع مختلف الشخصيات من إعلاميين وبحاثة وساسة وفعاليات اجتماعية عربية وأجنبية جعلته نافذة وقناة توصيل لهم باليمن وشجونه وشؤونه منذ نعومة أظفاره.

رغماً عن انتمائه للأستاذ أحمد محمد نعمان إلا أنه اعتمد على نفسه أكثر مما اتكأ على رصيد والده وأسرته وإرثهم التاريخي فكان سبباً من جملة أسباب ليطلق عليه أبوه الأستاذ صفة (أحب الأبناء) أو يمده -وقلَّما كان إمداده إياه- بالحدود الممكنة في اللحظات الأخيرة.

كما اكتسب تقدير كثير ممن عرفوه بعيداً عن حقل الصراع: السياسة وساس ويسوس وسائس ومسوس.

سبقت معاناته الصحية، المعاناة من تداعيات التطاول والنكران لآله ولا سيما ممن نضحوا بما فيهم عليه، ودون أن تعجزه الحجة في الرد عليهم أو الاحتكام إلى من يثيرهم هذا التطاول والنكران، إلا أنه أعرض عن أكثرهم، وصرف النظر عنهم بابتسام محياه وبشاشة وجهه وحيويته المدهشة وسخريته وذكائه الموروث بما يطفئ نيران غضبه ويلهب نيران غيظهم.

معاناته من المرض الذي التهم مخزونه المادي والمعنوي، أسهم في تخفيفها تكريم من أكرمهم الله بالقدرة على فعل الخير وصالح الأعمال، وتكريماً لهم تحجب أسماؤهم المدونة عند الأكرم والأعلم بما في السرائر وصالح الأعمال، والعافي إن شاء العفو عمن عوَّق مساعيهم الخيرة.. سامحه الله!.

واتبع العلاج الناجع وهو حب الحياة بكل ما فيها، وصلابة مقاومته ونبضه الدفاق وقوة إرادته وإيمانه بأن كلا الأمرين (الحياة والموت) حق ينال ف:

لم يلق دهره إلا غير مكترث
ما دام يصحب فيه روحه البدن

إلى أن صح فيه:

لم تبق منك يا فؤاد بقية
لفتوة أو فضلة لعراك

وصادف في أواخر أيامه أن فتح إحدى مفكراته الحاوية لمختاراته الكثيرة على شاهد حاله، فردد متألماً:

آلة العيش صحة وشباب فإذا وليا عن المرء ولى
وإذا الشيخ قال أف فما مل حياةً وإنما الضعف ملا

ولأن الحياة مدرسة يظل الأحياء فيها تلامذة وإن بزوا بعضهم بعضاً بالألقاب العلمية، قر يقينه بقول الشهيد الزبيري:

مت في ضلوعك يا ضمير ودع التأثر يا شعور
إياك والإحساس فالدنيا العريضة للصخور
لا تطلبن الحق فهو خرافة العصر الغرير
لا تركنن إلى العدالة فهي بهتان وزور

بهتان وزور.
بهتان وزور.
بهتان وزور.

وحيث هكذا صورة العدالة فلا حياة مثلى ولا يحزنون.. ولا يُدفنون. ويدرك الجميع خضوع كافة المسائل للتسويات ولكن بعدما:

سمجت كلها الحياة وماتت كل أشواقنا إلى الأشياء

أغمض عينيه في مصر حيث شب ثم شاب ظهر يوم الأحد الموافق 11 أكتوبر – ‏تشرين الأول‏‏ ‏2009م ووري الثرى فيها عن سبع وستين عاماً قضى السبع العجاف منها مصارعاً الأمراض ومتحدياً لها بعد أن استوطن جسده تاريخٌ من الجراح والآلام والآمال فرغ منها قبل رحيله.

وحمداً لله أن أنعم عليه بما خفف عنه ما تقدم أو تأخر من الذنوب. ورحمه من تلك الآلام بالردى إثر عفوه المرجو عنه بها.

وشكراً لله أن وفق بنيه لطاعته وأعانه على تيسير البر به.

وعرفاناً لمن أكرمه وأحسن إليه.

ونسأله الله غفرانه لمن ظلمه، وله إن ظلم.

وتجاوزه عمن تجاوزه عفواً وأنكره قصداً، وعنه إن تجاوز أو أنكر أحداً.

وصفحاً عمن خذله، وأساء إليه، وعنه إن خذل أو أساء إلى أحد.

نسأل الله الرحمة له ولنا وللخلق أجمعين

اللهم آمين.. اللهم آمين.. اللهم آمين.

صنعاء أكتوبر - تشرين الأول 2009م

زر الذهاب إلى الأعلى