'الجماعات المتأسلمة 'مصطلح يطلقه الكتاب والنشطاء العلمانيين الذين اتخذوا 'العلمانية مهنة'على التيار الإسلامي وهو مصطلح الأنسب أن يستخدم من قبل 'الإسلاميين ضد أولئك الكتاب والنشطاء الذين لا يتورعون أو يخجلون من وصفوا أنفسهم ب'العلمانيين'
أو 'الحداثيين' أو'الليبراليين' ولكن الاسلاميين في الأغلب الأعم لا يكفرون الآخرين ويمكن أن نقول إنهم تحرروا من 'التكفير كمهنة' ولم يعودوا يقرونه أو يتداولونه في توصيف المخالفين لهم مع الإقرار بان لهذه المهنة بقية من المشتغلين بها تماما مثلما لمهنة 'العلمنة'.
وبالتالي فالمتأسلم في الحقيقة وكما هو ظاهر وبين وملموس اليوم هو من يقر بالجانب الروحي من الإسلام و يطالب بإلغاء المرجعية الإسلامية في الدساتير وفي القوانين كما فعل جماعة 'المئة أديب ومثقف' في مصر مؤخرا حيث طالبوا بإلغاء المواد الدستورية التي تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وأن دين الدولة الإسلام لان هذه النصوص باعتقادهم تتنافى مع الدولة المدنية التي يزعمون أنهم يناضلون من اجل قيامها. ولو قدر لهذه الملايين أن تهب محتجة ضد هؤلاء لاعتبروا ذلك ضربا من حملات التكفير التي تحركها 'الجماعات المتأسلمة'!
ونحن نقول ونعيد ونؤكد إن الدولة المدنية فكرة إسلامية قامت حقيقة وأرسى قواعدها على ارض الواقع معلم البشرية (محمد صلى الله عليه وسلم) وكل نظام في العالم اليوم يقوم على العدالة والمساواة والحرية والإعلاء من كرامة وحقوق الإنسان وحريته هو نظام مستلهم من ديننا وتجربتنا وأنموذج يحاكي 'دولة المدينة' الدولة المدنية الأولى في تاريخ البشرية. يقول الدكتور هيثم مناع 'كرم الإسلام الإنسان دون تحديد وأسس القرآن الكريم لدولة العقد الاجتماعي عندما جعل من أهم صفات المؤمن احترام العهد والأمانة (البقرة 177، المؤمنون 8، والمعارج 32). الديانات السماوية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان أسست للمحاسبة في الفساد وفي الجرائم الجسيمة.
وكما يذكرنا إلياس مرقص، فحين تسقط الذمة (العهد، الدين، القانون، الضمير) يسقط كل شيء، لذا يتابع بالقول: ليكن شعارنا الذمة العامة، الجميع للجميع، الكل للكل، الجميع لكل فرد، حق الناس.. دولة حقوق أساس، شرط الدولة الديمقراطية'.
ويصف مناع الدولة المدنية بأنها 'الدولة المدنية هي الانتقال من النموذج الفئوي الطارد لأغلبية مكونات النسيج المجتمعي إلى جعل أية أغلبية عددية أو سياسية قوة جاذبة لباقي مكونات المجتمع'.
كما يؤكد مناع إن: 'الحق في المشاركة والحق في المراقبة والحق في الاحتجاج.. ثلاثية تجعل التصورات المختلفة لممارسة السياسة قادرة على التعايش والفعل والدخول كقوة في التاريخ والجغرافيا والخروج من دور البطن الرخو الذي صار سمة الدول العربية بامتياز'. ويخلص مناع إلى القول: 'لقد أفقدتنا الدولة الأمنية مفهوم سيادة الأشخاص فغاب عنها مفهوم سيادة الدولة. ولا شك بأن العودة إلى حالة سيادة نسبية متفاعلة وإيجابية مع عالم متداخل تحتاج لسيادة كل شخص وحق كل تجمع بالتعبير عن نفسه في رفض مبدئي للخيانة والتكفير والحظر كوسائل يومية لممارسة عملية تصفية الخصوم'.
إن المشتغلين بالعلمانية أو الليبرالية أو الحداثة كمهنة يعتبرون أنفسهم 'أوصياء 'على الملايين من أبناء الأمة وما خوفهم من مرجعية الإسلام ومطالبتهم بالتخلي عنها إلا لغرض في نفس يعقوب..يعبر فيما يعبر عن خوفهم من فقدان هذه الوصاية ولقد بلغت بهم الوقاحة أن يصدروا بيانا يطالبون فيه بإلغاء المرجعية الإسلامية والنص على إسلامية الدولة في بلد تعداد سكانه ثمانين مليون نسمة مع أنهم لا يمثلون ضمير ونبض هذه الملايين ولا هويتها وهي لم تفوضهم أو توكلهم الحديث باسمها ولا تعرفهم في الأغلب أو تأبه لهم حتى يقال إنها يمكن إن تفوضهم أو تختارهم وكلاء لها أو نوابا عنها!
إن هؤلاء القوم يقولون الشيء ويفعلون نقيضه.. يطالبون بأن لا تصبح الأمة والدولة محكومة بحفنة من الفقهاء كما يقولون ثم يقومون هم بفرض أنفسهم كأوصياء عليها يقررون في أمرها ما شاءوا ويزعمون أنهم دعاة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وهم يمارسون إقصاء الآخر ويرفعون في وجهه راية الدعوة إلى تجريده من كافة حقوقه فما الفرق بينهم وبين أنظمة الحكم الشمولية الاستبدادية؟
إن الأولى بهؤلاء المتعلمنين أن ينخرطوا في معركة الأمة وقواها الحية من أجل العدالة والحرية والتداول السلمي للسلطة ومقاومة الاستعمار والحفاظ على الهوية وان يتوبوا إلى الله ويؤمنوا بمرجعية الإسلام التي تؤمن بها أمتهم وان يمارسوا دورهم ويجتهدوا في أبحاثهم ودراساتهم في إطارها ولهم أجرهم عند الله أصابوا. في اجتهادهم أم اخطأوا.