ربما من دواعي السرور أن تلفت اليمن أنظار العالم، وكان أجدى بهذه الأهمية أن تكون من زمن، فعلا كانت -وما زالت اليمن تأن من الفقر والجوع ونسبة الأمية المرتفعة وشظف العيش وكنا نصرخ بالجيران حتى يسمعوا معاناتنا، وكانوا غير آبهين بنا.
بعد موقفنا مع صدام 1991 باحتلال العراق للكويت زادت الأمور تعقيدا وبدأت العمالة اليمنية تتقاطر من دول الخليج وأسر هذه العمالة شكل عائقا اقتصاديا واجتماعيا جديدا أمام الحكومة.
لكنها كانت أحد الأسباب التي أوصلت البلاد إلى مأزق تاريخي، إضافة إلى صعوبة الحكم في اليمن ناهيك عن تعقيدات قبلية وأعراف تكاد تتمسك بتلابيب القوة والنفوذ المفروض.
توالت الأحداث بعد 91 من انشقاق واختلاف بين الرئيس ونائبه وكانت الحرب الأهلية الأولى في 1994بعد دولة الوحدة والتي بالتأكيد أثرت سلبا وبعد تنازليا أخل برصيد الوحدة المباركة التي عقد الشعب اليمني عليها بشقيه آمالا عريضة.
دخلت اليمن منعطفاً تاريخياً بين شرخ الوحدة الذي ألم بها في 94 تاركا آثاره إلى وقتنا هذا, وبين حادثة كول 2000 التي استقطبت انظار العالم إلى اليمن..
وبين دخول اليمن أزمة جديدة في 2004 مع الحوثيين ومازالت الأزمة قائمة.
أصبحت اليمن محطة لتصدير الأزمات، وازدواجية المشاكل وتعقيداتها التي شملت الحوثية والإرهاب والحراك، والمشاكل الاقتصادية الأخرى التي توصل الجميع في الخارج أخيرا إلى تشخيص المشكلة وهو العدو الأزلي (الفقر).. إلى جانب تراكمات أخرى منها الفساد، البطالة تدني مستوى التعليم، واتباع العادات السيئة المصاحبة لليمني تعاطي القات، واقتناء السلاح بصور عشوائية وهمجية لا تخضع للنظام والقانون.
الوطن اليوم أمام مواجهة تاريخية يتوجب علينا جميعا أن نثبت نجاحنا أمام تحديات العالم ونترك الخلافات جانبا لنرتق بمستوى وحجم وطننا الغالي ولا ندع ذرات ترابه الطاهرة تتلوث ببعض العنجهية وعدم الاعتراف بالخطأ، على الجميع أن يترفع عن الأحقاد ونبش الماضي والفتن والولاءات الضيقة ويكون الولاء فقط للوطن ولمصلحة الوطن، ولا يأخذنا الغرور والتعالي حتى نفسر آراء الآخرين سواء داخل الوطن أو خارجه كما نريد وإنما بما يسمح الوطن أن يقول هو كلمته في زيد أو عبيد.
لا أقول ذلك إلا حرصا منا على أن نحول أي هزائم إلى نصر بمنتهى الذكاء الذي جبل عليه اليمني، وكما تصدرنا ومازلنا نتصدر خوف جيراننا والوصية المحفوظة في صندوق البلاط السعودي (خير المملكة من اليمن وشرها أيضا من اليمن) وكانت حالة استنفار المملكة في حربها مع الحوثيين جزء من تنفيذ الوصية وخوفا من الشر القادم من اليمن..
فإننا نتصدر قلق العالم بأخبارنا المزعجة والمقلقة ليس فقط للدول الكبرى ولكن أيضا لدول الخليج التي سيؤثر عدم استقرار اليمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على استقرارها مستقبلا وخشية من تطورات وتعقيدات الحروب والاحتراب الداخلي.. وتصديرها إلى تلك الدول. وكان أول مؤشر الخوف والتخوف تلك الحرب السعودية اليمنية.
فليفهم الجميع أن كل ما يجري ويجري خلف الكواليس وفي قاعات الاجتماعات المغلقة والمؤتمرات المفتوحة، ليس لأجل خاطر عيوننا وإنما هي حسابات تدور بين أقطاب الغرب ومصالح مشتركة، كما أن تطور الحرب مع الحوثيين ونقلها إلى الميدان السعودي، جعل الآخرين يدركون مخاطر الصمت واللامبالاة وعدم الاكتراث باليمن..
وكان اليمن قد أقصي في الماضي لما يراه الجيران من عدم استقرار اقتصادي وفوضى وعدم احترام للقانون وحيازة حمل السلاح دون ترخيص وأمور تبدو تافهة بالنسبة لليمني محظورة في الدول المجاورة كونها بلدان جبلت على احترام النظام والقانون والتنازل لأجل الأوطان وأحبت السلم والسلام وبغضت الحرب والنزاع الأهلي الذي هو ديدننا. وفي ذات الوقت رغم كل الفوضى التي يعيشها اليمن، لا يجرؤ أحد أن يشكك بمدى ذكاء اليمني ودهائه، وتلك ميزات استباحها الفقر وجعلها بنظر الجوار عيوباً..
ليس النصر بما تم وعده ووعيده وليس النصر بالشتائم الإعلامية وبالحرب الكلامية كما ولا يجب أن ننظر فقط إلى نصف الكأس الفارغ.. وننظر فقط إلى الدعم اللوجستي كنصر فربما يحمل النقيضين السم والعسل، وبدلا من تراشق الإعلاميين المعارض والحاكم بعبارة لا تغني ولا تسمن من جوع كان أحرى بالجميع أن يلتف حول مصلحة الوطن وأن يكون الحاكم هو البادئ وهو المبادر ولا يطلق إعلامه باستخدام عبارات بذيئة متدنية تعكس مدى الإسفاف الحضاري الذي يواصل التردي في محراب صاحبة الجلالة..
فقد أصبت بالصدمة وإنا أقرأ عنوان افتتاحية الثورة (فليمت طراطير السياسة بغيظهم). وصحبتني دهشتي إلى أبعاد تلك الكلمات، ومن المسئول عنها؟ ولماذا وصل مستوى الإعلام إلى هذا التردي من العبارات التي تعكس المستوى الهابط والانتقاء غير السليم للذين يمثلون النظام!؟