أكثر من جرح فتحه حادث مقتل الطفلة اليمنية إلهام العسي، بعد ثلاثة أيام من زواجها من فتى ثلاثيني، بمحافظة حجة شمال غرب صنعاء. يقول التقرير الطبي الصادر عن مستشفى الثورة الذي نُقلت إليه الضحية، بعد ممارسة جنسية وحشية، إنها أصيبت بتمزق كامل في الأعضاء التناسلية، ونزيف مميت، بعد زفافها يوم الاثنين 29 مارس، ولم تلبث إلا سويعات في المستشفى، ثم لقيت حتفها وهي بعد لا تتجاوز الثالثة عشرة.
الجرح الأول واضح وضوح العيان، وهو أن العرب أضافوا لابتكاراتهم القاتلة وسيلة جديدة.. فبعد تسجيل براءة الاختراع في الانتحار وسط المساجد والأسواق وفي الطائرات.. ومع سجل التعذيب والانتهاكات الحقوقية المخزي.. ومع معدلات الفقر المرتفعة وتبديد ثروات الشعوب الفقيرة على حروب وغزوات عنترية، يأتي القتل بالجنس كآخر الوسائل.. وتزداد الجريمة بشاعة مع كون الضحية طفلةً لا يتحمل جسدها الواهن جنساً، عنيفاً كان أم مسالماً.
الحادثة ليست الأولى في مجتمعاتنا العربية.. ففي سبتمبر الماضي لقيت فتاة في الثانية عشرة من عمرها حتفها وهي تضع مولودها، كما أوقفت السلطات في اليمن طفلة أخرى كانت تتزوج من خمسيني، وفي منطقة بريدة كانت فتاة في الثامنة على وشك الزواج من ثمانيني.. وشيوع زواج الأطفال بهذا الشكل يتم وفق فهم خاطيء للدين.. وفي ظل تدين المجتمعات وسيادة الاتجاهات المتشددة في تفسير تعاليمه تصبح الجهود الحقوقية، وحملات الوعي والتثقيف الصحي والجنسي، كمحاربة طواحين الهواء.. فرغم انتشار المراكز الحقوقية في اليمن، وكذلك التعليم، إلا أن المتشددين الإسلاميين لهم اليد الأعلى، والدليل وقوفهم ضد قانون يحدد سن الزواج للبنات بـ17 عاماً والرجل بـ18، وقاد الحملة ضد القانون مشايخ لهم ثقلهم، ومنهم عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان.. الذي اعتبر (القانون) يحرّم ما أحل الله.. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوّج السيدة عائشة وهي بنت التاسعة من عمرها، بحسب تأكيده، وهو تأكيد خاطيء أثبتت العديد من الدراسات الحديثة، ومنها دراسة للباحث إسلام بحيري، تهرؤ منطق تللك المُسلَّمة.. فقد أثبت أن الرسول تزوّج من عائشة وهي في السادسة عشرة من عمرها.. أثبتت الحادثة أن الطبعة اليمنية السائدة من الإسلام فشلت في التكيف مع حقوق الإنسان الأولية.. وقيم العالم الحر.
وتتوحد مع تيارات التشدد الديني روافد قبلية ومجتمعية تعزز من العنف الجنسي.. ويكفي مثلاً أن التحقيقات أثبتت أن أم الضحية تزوجت في نفس سنها.. ومبرر تكرار الأمر أنها (الأم) لم تُصَب بشيء.
وإلى جانب الفهم الخاطيء للدين، فتح الحادث جرحاً آخر وهو نظرة الرجل العربي للجنس.. فجماع فتاة حتى الموت يعني أن الذكر كان ينظر للفعل الجنسي من طرف واحد.. ولم يكلّف نفسه أن يعير شريكته اهتماماً.. أو يلين إزاء صراخها ونزفها.. بل من الممكن أن ينظر إلى الأمر باعتباره دليلاً على فحولة وهمية.. رجل لا يهمه أن يذبح طفلة.. وحتى لو كانت ناضجة.. فمن المفروض أن الجنس حوار بين طرفين.. وليس معركة.. أو بالأحرى قتل مع سبق الإصرار والترصد.
من بين جروح حادث مقتل إلهام كان تسليط الضوء على ما يُعرف بزواج (البدل).. وهو نوع من الزواج يتم فيه تزويج الأنثى لرجل من عائلة، على أن يتزوج أخوها أو قريب لها فتاة من عائلة العريس.. وأثبتت البحوث الميدانية ووثّقت مشاكل عديدة تنتج عنه.. من بينها شيوع الطلاق على إثر تعقد الخلافات.. وإفساد علاقات زوجية كنتيجة لفشل علاقات أخرى موازية.. وقد ينفصل رجل سعيد مع امرأته لأن أخته طُلّقت من قريبها.. وهو أمر لا يقره عقل أو دين.. فقط قوانين قبلية ومجتمعية بالية.. كانت إلهام العسي ضحيةً لهذا النوع من البدل.
إزهاق روح إلهام سلّط الضوء على تهافت قوانين الزواج في اليمن، فرغم تحديد القانون الحالي سن الزواج بخمسة عشر عاماً، إلا أن هناك من الثغرات ما يجعل زواج الأطفال، أو ما يُطلق عليهم عرائس الموت، أمراً متاحاً.
موت الطفلة على فراش الزوجية لم يكن بفعل جهل الزوج الثلاثيني، أو وحشيته، بل هي جريمة اشترك فيها أكثر من طرف.. منهم على سبيل المثال لا الحصر مشايخ التخلف وعلى رأسهم الزنداني.. ووالد الفتاة ووالدتها.. والقاضي الموقِّع على عقد الزواج.. ومجتمع لا يزال يعيش بعقلية الكهوف.. وحكمة الكهنوت.