آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

قراءة تحليلية في مكونات وخطاب الحراك الجنوبي

تركز نظريات الحركات الاجتماعية والسياسية في الأساس على أسباب ظهور تلك الحركات. وعلى الرغم من أن أي ظاهرة من هذا النوع تأتي نتيجة لسلوك أفراد أو جماعات تشترك في نفس الأفكار..

وهو ما يمثل الجذر الأساس لبروز الحركة، فإن ثلاثة من أساتذة علم الاجتماع السياسي، وهم دوغ ماك آدم، وجون ماك كارتي، وماير زالد من ثلاث جامعات أميركية مختلفة، أجمعوا في كتابهم حول 'الحركات الاجتماعية' (Comparative Perspectives on Social Movements)، على أن هناك دوراً هاماً تلعبه التناقضات المادية والايديولوجية بين فئات الحركة الواحدة أثناء حشد التأييد حول القضايا المشتركة.

كما يتفق المؤلفون في كتابهم الصادر عن جامعة 'كامبردج'، على أن نجاح أي حراك اجتماعي أو سياسي لابد من أن تتوافر له ثلاثة عوامل هي: وجود بيئة سياسية مشجعة (فرصة سانحة) بما في ذلك المبررات القوية وذات الطابع العام، ثم توافر آليات تنظيمية تعمل على حشد التأييد وتوحيد الجهود التي من خلالها يتم تنظيم عناصر الحركة، وثالثاً يأتي عامل التأطير الذي من خلاله تتم الموازنة بين الفرص المتاحة لنشاط الحركة والآليات التنظيمية، بحيث يتم إيصال الرسالة التي تتبناها الحركة.

وبناءً على ما سبق، نقدم هنا قراءة تحليلية - ليست علمية - لظاهرة الحراك الجنوبي في بعض محافظات اليمن الجنوبية والشرقية، وتشمل الاختلافات البينية في تركيبة مكونات الحراك المختلفة. ونعتمد في قراءتنا على تفسير الظواهر السلوكية التي أفرزها على ما يبدو العامل الديموغرافي في فصائل الحراك منذ إعلانه رسمياً منتصف عام 2007 حتى الآن.

يمكن القول إن الحراك في جنوب اليمن هو لفيف من عدة أطياف سياسية واجتماعية وقيادات مدنية وعسكرية قد لا تربطها في الغالب وحدة الدافع، بقدر ما هي مجمعة الآن - وليس إجماعاً مطلقاً - على وحدة الغاية والوسيلة.

ومن خلال تتبع خلفيات فصائل الحراك الجنوبي، ونطاقات نشاطها الجغرافي، ومنسوب مطالبها عند البدء، وفي وقتنا الراهن، نخلص إلى أن الحراك هو حاصل جمع بين قوى تضررت من خروج الاستعمار البريطاني عام 1967 وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب، إضافة إلى قوى سعت إلى الاستقلال لكنها أُزيحت بعد صعود اليسار إلى منصة الحكم، مضافاً إليه قوى يسارية صعدت إلى منصة الحكم لكنها تضررت بسبب أحداث يناير 1986 الدامية في عدن، وقوى لم تكن راضية عن صيغة اتفاقية الوحدة التي أعلنت عام 1990، ثم قوى أسهمت بحماس في تحقيق الوحدة الوطنية، لكنها تضررت من حرب 1994، فضلا عن قوى أسهمت واستفادت من ذات الحرب، وتبوأت مناصب عليا في الدولة، لكنها تعرضت للتهميش في ما بعد.

ويضيف إلى هذه التركيبة رئيس اتحاد العمال فرع عدن عثمان كاكو 'وجود قوى تتمترس خلف 'لحراك في السلطة في الشمال والجنوب- لأن ما يجري بات عبارة عن علاقة مصالح وليس انتماءً'.

ونضيف هنا شريحة واسعة من المتضررين قد تصنف تحت كل أو بعض تلك القوى، سواء بسبب سوء السياسات الحكومية، أو ارتفاع منسوب الفقر وزيادة معدل البطالة في أوساط الشباب، أو سوء الإدارة أو كل ما سبق.

وإن كان التباين الايديولوجي أو التنظيمي -بمفهومهما الدقيق- مغمورا بين الظواهر السلوكية والممارسات اليومية لفصائل الحراك في 'مثلث النار' (الضالع ولحج وأبين)، إلا أن هناك اختلافات نتجت عن التنوع في التركيبة السياسية كما سلف الوصف. وبالتالي فلكل من هؤلاء الفصائل المكونة للحراك دوافع مختلفة يمكن إجمال تبايناتها كما يلي:

- اختلاف حول توصيف الوحدة: هل كان قيام الوحدة في 1990 خطأ، أم أن الخطأ كان في 'تحويل الوحدة إلى ضم وإلحاق' من قبل صنعاء؟ وهل إذا كانت حرب 1994 مشروعة، أم ان الذين شاركوا فيها مع الوحدة من أبناء الجنوب كانوا مخطئين؟ وهل كان ينبغي التعامل بلطف مع الأشخاص الجنوبيين الذين يشغلون مناصب في السلطة الحالية، أم أن يتم مخاطبتهم كعملاء وخونة؟

- اختلاف حول الاستعانة بالغرب: هناك مَن يغازل الغرب بشتى الوسائل، كفصيل طارق الفضلي، بينما يرى آخرون أن هذا 'الارتماء' المبكر، قد يُفضي إلى وضع أسوأ مما نحن عليه، ويفقد الحراك طابعه الوطني والجماهيري.

- اختلاف حول الزعامة: وهذا هو السبب وراء عدم تشكل قيادة موحدة للحراك إلى هذا الوقت، فمثلاً نجد العميد ناصر النوبة، لا يخفي اعتراضه على أن يكون علي سالم البيض هو قائد الحراك. بينما تجد آخرين أيضاً يرفعون صور البيض، ليس لاعتقادهم بأنه أهلاً للقيادة، ولكن من باب 'اللي شبكنا يخلصنا'.

- اختلاف حول الريادة الميدانية في إشعال الحراك: تجد أبناء محافظة الضالع يقولون إنهم أول مَن أشعل الحراك، وتجد آخرين يقولون إن أول شرارة حقيقة بدأت على يد 'النوبة' من أبناء محافظة شبوة. وهناك آخرون يقولون إنه حسن باعوم، باعتباره لم يهدأ منذ حرب 1994. وستجد من يُظهِر أسفه من أن طارق الفضلي وأصحاب أبين خطفوا الأضواء مؤخراً.

- اختلاف في سرعة الاستجابة من منطقة إلى أخرى: مناطق 'الضالع، والصبيحة وردفان في لحج، و لودر في أبين' هي الأسرع استجابة عند أية دعوة إلى أي نشاط، بينما تقل سرعة الاحتشاد في حواضر المدن كافة. ويكاد يكون ضعيفاً أو غائباً في المهرة وعدن، وفي وادي حضرموت.

- اختلاف في لغة الحراك: أيضاً على أساس جغرافي، فمثلاً نلاحظ الفروق أثناء مخاطبة الحراك للسلطة، فالذين كانوا في الاشتراكي يخاطبون النظام في صنعاء بالقول: 'أعطيناكم دولة'، أما في مناطق الثروة (مثل شبوة وحضرموت) يقولون: أعطيناكم ثروة. وطيف ثالث يقول: 'ساعدناكم في التخلص من الاشتراكي'.

- اختلاف بشأن الحوار مع السلطة: هناك مَن يرفض الحوار من حيث المبدأ، حتى وإن قبلته السلطة ودعت إليه، بينما يرى آخرون أن مجرد الجلوس على طاولة الحوار هو مكسب كبير أمام العالم، إذ إنه اعتراف من السلطة بأن لهؤلاء حقا، وهذا الطيف الأخير يختلف بعد ذلك حول مَن يحق له الجلوس على طاولة الحوار.

- اختلاف حول سقف المطالب المُرضية: هناك مَن يرى أن قبول السلطة بالفيدرالية هي خطوة باتجاه الانفصال، وهناك من يرى أن لا مبرر لاستمرار الحراك، إذا أفضى إلى فيدرالية تعطي للجنوب مساحة كافية من الاستقلالية المالية والإدارية. ويرى طيف ثالث أنه لا تنازل عن مطلب استعادة الدولة و'إعادة البراميل' - وهو ما يعني ترسيم الحدود.

- ماهية وشكل الدولة التي يريدون: ثمة تباينات ناشئة عن عدم وجود تصور حقيقي لماهية وشكل الدولة التي يريدونها إذا ما حدث انفصال، وإن كانت عناصر الحراك الناشطة تختلف في المسميات ك'الجنوب العربي' و'اتحاد إمارات الجنوب'، و'جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية'، لكن لم تظهر أي صيغة للدولة التي ينشدون تحريرها. وقد وصل الأمر إلى أن إحدى العائلات الجنوبية المقيمة في صنعاء تتلقى تهديدات من أقارب لهم في الحراك بأنهم بعد استقلال الجنوب سيُحرَمون من حق الجنسية، ما لم يبيعوا منازلهم وممتلكاتهم ويغادروا العاصمة، وقد يمنعون تأشيرات دخول البلد الجديد، حسب رواية مصدر موثوق.

- اختلاف حول استخدام لغة الكراهية واستعداء أبناء المحافظات الشمالية: هناك من يرى أن هذا أسلوب خاطئ ويفقد القضية الجنوبية تعاطف المواطنين في الشمال، وأن الذي يتضرر منه هو الضعفاء والأبرياء، بينما يعتبر آخرون المواطنين من المحافظات الشمالية مخبرين وعملاء للسلطة، ويرى هؤلاء أن بث الكراهية هو سيئ من حيث المبدأ، لكنه ضروري لإنجاح الانفصال، عبر زرعه في القلوب.

اختلاف حول نهج الحراك 'سلمي أم مسلح؟': هناك من يتبرأ من نزوع الحراك نحو العنف، ويقول إن السلطة هي مَن زرع في أوساط الحراك مَن يمارسون العنف والشغب. كما أن هناك مَن قد يرفض العنف تكتيكاً إعلامياً وزمنياً لكنه ومن خلال أدبياته وبياناته التعبوية يتضح عدم الممانعة من اللجوء إلى المواجهة. في المقابل، هناك مَن يرى أن الحراك هو 'ثورة ضد احتلال'، يجوز فيها استخدام كل الأساليب، ومن بينها السلاح، كما أعلن طارق الفضلي في أبين عقب انضمامه إلى الحراك الجنوبي في أبريل 2009.

يُذكَر أن السواد الأعظم من أبناء مدينة عدن لا يفضلون زعامات الحراك القادمة من أبين أو لحج أو الضالع، ويعتبرون هؤلاء فرقاء يتناحرون على السلطة - ويدفع الثمن أبناء عدن الذين هم مزيج من يمنيين (من الشمال والجنوب) وصوماليين ومن عرقيات هندية.

ورغم كل التباينات السابقة فإن جميع من ينطلق إلى الشارع يتفقون على أن خروج الجماهير هو مكسب حقيقي يعلي من شأن هذه المناطق التي تنتمي إليها هذه الجماهير، ومتفقون كذلك على رفع شعار موحد وهو 'فك الارتباط'. وعوامل الاتفاق هذه تمثل القوة الضاغطة على السلطة، ومن دونها لن يكون ل'الحراك' حضوره الحالي.

الموقف من «الحراك»

الاختلاف الناشئ بين فصائل الحراك، يقابله أيضاً اختلاف في وجهات نظر الآخرين للحراك، سواء في الجنوب أو الشمال، إذ هناك من يرى أن الحراك مؤامرة دولية، بينما يرى آخرون أن ثمة ما يستحق الخروج لكن لا شيء يبرر الدعوة إلى الانفصال. أيضاً هناك من يقول إن الحراك تحوّل من مساره الطبيعي من مطالب حقوقية شرعية إلى مشروع سياسي استغله أشخاص لتحقيق مصالح شخصية بحتة، أو لابتزاز النظام والانتقام منه.

كما أن أحزاب المعارضة المنضوية تحت 'اللقاء المشترك' تدعم مطالب 'الحراك' الحقوقية، لكنها ترفض مطالبه ب'فك الارتباط'، أو اللجوء إلى العنف. وهذا أيضاً على ما يبدو رأي المحيط الجغرافي لليمن والمنظومة العربية، التي تنصح بالتعقل وتدعو الدولة إلى معالجات حقيقية.

حراك الفتيان

بالنظر إلى وجوه المشاركين في مسيرات وفعاليات الحراك في جنوب اليمن، نلاحظ أن أغلبية جماهير الحراك هم من جيل الوحدة، التي يكتمل عقدها الثاني في 22 مايو 2010، سواء أولئك الذين تفتح وعيهم السياسي بعد الوحدة وإن كانوا من مواليد ما قبلها، أو الذين ولدوا في فترة إبرام اتفاقيات وإعلان الوحدة وما بعدها. ولهذا الأمر كما يرى مراقبون، دلالات وأسباب عدة، منها القصور في أداء وزارات التعليم والشباب والثقافة بدورها في زرع وتثبيت الثقافة الوطنية، وتجاهل مخاطبة الوجدان وإهمال شريحة الشباب (ذكوراً وإناثاً)، وارتفاع معدل البطالة، وعدم كفاءة الدولة في التوظيف، وانشغال السلطة والمعارضة بالتزاحم الحزبي طوال العقدين الماضيين على عناوين الصحف.

كما يحمل هذا الاحتشاد الفتي للحراك دلالات عدة منها: أن إطروحات الحراك سرت في أوساط الفتيان والأطفال، الذين لم يعرفوا مآسي التشطير من قبل ولم يشهدوا تحولات كبيرة تكسبهم خبرة سياسية، وكذلك لا يقلبون الاحتمالات من أجل اتخاذ قرارات سليمة. كما أن هذه الفئة قليلة الكلفة أثناء حشدها، وهم الأكثر استعداداً للاندفاع وللتضحية والأكثر صدقاً في الانضواء وإثبات الولاء. ويلعب الفراغ الأسري والوظيفي دوراً في جعلهم ينخرطون في أي نشاط قد يخلق لديهم مبرراً للبقاء، وذلك بحكم ارتفاع معدلات البطالة التي تتجاوز الـ40 في المئة وغياب المؤسسات والمرافق المخصصة للشباب ليشغلوا فيها أوقاتهم ويسهمون بفاعلية في محيطهم.

سقف المطالب

هل سيتراجع قادة الحراك عن الدعوة إلى الانفصال في حال قيام الدولة بإصلاحات حقيقية، وتعاملت مع قضاياهم ومطالبهم العامة بإيجابية، أم أن الانفصال أصبح مطلباً بحد ذاته، لا تراجع عنه؟

الإجابة عن السؤال السابق صعبة من الناحية العلمية والميدانية أيضا، ومما يزيد من صعوبة الأمر هو أن الحراك ليس لديه قيادة واحدة، بالتالي يكابر الجميع الآن ويزايد بعضهم على بعض في رفع سقف المطالب إلى الحد الذي يجعل من الحراك، وكأنه يغرد خارج مضمار السياسة. ومطلب 'فك الارتباط' يضع الجميع في ورطة: قوى الحراك وفصائله والسلطة من جانب وأحزاب المعارضة التي تدعي قدرتها على إدارة الشارع من جهة أخرى. فضلا عن التحفظ الحذر القادم من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي تجاه ما يجري في جنوب اليمن.

نقطة نظام

أحدهم قال: 'حقيقة لقد حصلنا إلى الآن على أكثر مما كنا نريد، وتم حل كل قضايا المتقاعدين وأغلبية مشاكل الأراضي، والآن لا نريد أن يذهب الحراك بمجرد مطالب، بل نريد مكاسب سياسية أكثر'.

قد يصل الحراك إلى مرحلة يمكن تسميتها ب"مأزق النضال"، إذ تحصل على ما تريد قبل أن تستنفد حماسك. وهناك مَن وجد في الحراك انتعاشة نفسية، وعملاً يومياً. ومثل هؤلاء لا يعنيهم النتائج ولا الإصلاحات، بقدر ما يخيفهم أن يأتي يوم يصبحون فيه بلا حراك، وقد يصبحون ضحايا حماسهم.

ولهذا يحذر الشيخ ياسر العواضي من أن الحراك عند انتهاء مشروعه السياسي ومبررات خروجه، 'قد يتحول بعضه إلى حراك عصابات، بسبب أن أشخاصاً وجدوا أنفسهم سنوات يتصدرون المشهد الاجتماعي، فقط لأنهم في الحراك. وهؤلاء أشخاص لا يجيدون غير التأليب وإحداث الفرقعات. وما لم يتم استيعابهم أثناء حلحلة الأزمة كلها، فلن يجدوا لهم موقعاً في مرحلة ما بعد الحراك سوى النهب والتقطع'.

ما سبق قراءة عامة وإجمالية، ويمكن القول إنه عند حدوث إصلاحات حقيقية يلمسها المواطن العادي ويعاد فيها الاعتبار الحقيقي للقانون والنظام، ويتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات، فإن جزءاً من الحراك، وهو الأغلب، سيعلن رضاه بهذه الإصلاحات. لأن مثل هذا التحول كفيل بشغل الناس بشؤونهم عن الخروج إلى الشارع.

وقد يلتزم جزء آخر الهدوء إلى حين التأكد من استمرارية هذه الإصلاحات وفاعليتها، بينما سيستمر جزء ثالث على ما هو عليه، خصوصاً أولئك الذين لن يجدوا لهم موقعاً في التسويات السياسية المصاحبة لهذه الإصلاحات.

خلاصة

الواضح أن عوامل نهوض حركة سياسية قد توافرت في ظاهرة الحراك الجنوبي، ولكن مع وجود خلل في التوازن بين تلك العوامل، مما يؤدي إلى اضطراب في منظومة الحراك. وتفشي الفساد وسوء إدارة الدولة والسياسات الخاطئة وتنامي المظالم وفرت مجتمعة بيئة خصبة لظهور الحراك، وهذا الحال ينطبق على الوضع في الشمال. والعامل الثاني يتمثل في خروج المتقاعدين من عسكريين ومدنيين والتفاف الناس حولهم. لكن عامل التأطير السليم وما يرافقه من اختلافات بينية من حيث الدوافع والتكتيكات شكل تحدياً أمام الحراك في تحقيق إنجازات على الواقع.

وإن كانت فصائل الحراك مجتمعة أو متفرقة استطاعت أن تؤرق النظام بصلابة مواقفها وتنامي مطالبها، إلا أن مثل هذا الوضع يمنح السلطة فرصة -ربما أخيرة- لتلعب على هذه الاختلالات وتشتت جهود قوى الحراك المختلفة، في سبيل إيجاد حلول جذرية لمسببات المشاكل لا للأعراض. أيضا ليس من أجل استقطاب فصيل ليضرب به آخر، بل من أجل اجتثاث جذور الأزمة كلها.

ومن الأهمية بمكان أن من الآثار السلبية لهذه التعبئة التي اتسمت بالمناطقية (شمال، جنوب)، الحاجة إلى مجهود كبير لإزالتها من قلوب الشباب الذين سيكونون رجال الغد، وهذا ما يحِّذر التربويون من آثاره على المدى البعيد.

كما أن التعبئة الشديدة التي حُقِنت بها جماهير الحراك ستجعل من الصعوبة على قادة الفصائل إعلان درجة من الرضا إزاء أية إصلاحات، مهما كانت كافية، إلا بعد بذل مجهود كبير في أوساط الناس، لأن هناك شبه تخوين لمَن يقبل بأقل من 'فك الارتباط' على الأقل في وقتنا الراهن. كما تعتمد القضية على كيفية تصوير الدولة لأي إصلاحات في نظر الناس. إذ يمكن لهذا الطيف الحراكي أو ذاك تسفيه أية إصلاحات والتقليل من شأنها ومن جدواها، لذا قد يستلزم الأمر بذل مجهود كبير متزامن مع أية معالجات يصب باتجاه خطاب الأشخاص وتغيير معايير الحكم على الأشياء والأحداث.

ومن الأهمية إدراك الفوارق الشاسعة بين ظروف الأزمة السياسية بين السلطة والحزب الاشتراكي عقب 1993، وكذلك ظروف الحرب الأهلية صيف 1994، والأزمة القائمة اليوم في الجنوب. وعلى الدولة ألا تعتقد أن مجرد اتهام قيادة الحراك وعناصره ب'الشرذمة الانفصالية' سيكفل التأييد الشعبي الواسع كما حدث في صيف 1994. ببساطة مدخلات الأزمة اليوم واللاعبون فيها أنتجت واقعاً مختلفاً تماماً عما حدث حينذاك.

في الحلقة الأخيرة

تلقي 'الجريدة' في الحلقة العاشرة والأخيرة من الملف الشائك، نظرة سريعة على أبرز مواضيع الحلقات السابقة من أجل تقديم المشكلة بصورتها الكلية، إضافةً إلى تبيان موقف المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة، مما يجري في اليمن. ويختتم الملف بقراءة استراتيجية للحلول التي تطرحها الأحزاب والناشطون والمنظمات الدولية، الهادفة إلى إعادة الاستقرار إلى المناطق اليمنية الساخنة.

زر الذهاب إلى الأعلى