لم يُعرف عن المؤسسة الدينية الإيرانية في التاريخ الحديث والمعاصر إلا الرؤية الضيقةِ جداً للمذهب الذي تتبناهُ وتروج لهُ الذي لا يخرج عن مسارات العودة إلى الوثنية التي كانت عليها فارس قبل الإسلام، ألا وهو المذهب الإمامي الأثني عشري، والمُتتبع لذلك المذهب بأركانه المُتعددة يصل إلى مثل هذه تلك النتيجة الحتمية التي لا بُد منها،
فضلاً عن سمات الإلوهية التي أسبغوها في مذهبهم هذا على الأئمة الكرام أبناء الكرام كابرٍ عن كابر من آل بيت رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهم براءٌ مما نُسب إليهم، سيما وأن حيثيات ذلك المذهب قد جاءت مُختلقة وموضوعة عن لسانهم وهم أسمى وأجل من أنْ يُنسب لهم ما يُخالف القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، وما يعمل على شق ودموية الإسلام ووحدة المُسلمين، فهم السلالةُ النقية الطاهرة التي لا تقبل وترفض بشكل قاطع ما نُسب ويُنسب إليهم مما ورد أعلاه وغيرُهُ الأكثر.
إلا أنَّ الطامة الكبرى على المُسلمين أنَّ تلك المؤسسة الدينية الإيرانية قد تبنت طوعاً من دون أنْ يُخولها أحد تبني الدفاع عن أتباع/مُقلدي ذلك المذهب والحديث أو التصريح باسمهم أينما كانوا كونياً، وفق شعار عُنصري قديم يقول: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، فتراهم منذ عقود خلت يدسون أنفهم في كُل دولةٍ في هذا الكون لمجرد أنَّ فيها عدد قليل/أقلية من أتباع ذلك المذهب فتسعى إلى فصلهم عن المُسلمين الأكثرية فيها، ثم تبدأ بالترويج الكاذب والمضلل بأنهم مظلومون، وأنهم مضطهدون...إلخ
وفي كُل هذا وذاك كذب في كذب بل تكمُنُ غايتهم الأساسية خلقُ فتنٍ دينيةٍ/مذهبية دموية في البلاد التي يعيش على أرضِها وتحت سمائها أتباعُ ذلك المذهب الذين هُمْ على الطرفِ الآخر بريئون مما تُنسبُهُ إليهم تلك المؤسسة المذهبية إلا القلة القليلة التي تم شراءُها من قبلِ الحوزات الدينية في إيران لتبني مسارات الدموية في بُلدانهم تحت تلك اليافطة، مثل هذا الكلام لا يقوم على اتهامٍ من قِبلنا، أو تعصُبٍ قدْ يُنسبُ إلينا بل هذا ما نجدُهُ واضحاً وجلياً في خُطبةِ الجمعة التي ألقاها سماحة آية الله العظمى جنتي في مُصلى جامعة طهران التي صادفت بتاريخ 13/11/2009 التي تُعدُ خُطبةً رسميةً على مستوى الحكومة والمؤسسة الدينية الإيرانية وما يرد في مضمُونِها يُعبر عن رؤيتهما الرسمية أيضاً، تناول فيها أحداثا عدة بازدواجيةٍ لا شرعية وفق رؤية سياسية- دينية قلقة لا تتصف بالتوازن في الرؤيةِ الدينية الواجب أنْ يتحلى بها رجل الدين سيما إن كان بدرجة/رتبة آية الله العظمى؟! الازدواجية التي تعامل معها سماحتهُ تتعلق بأحداثٍ عده تناولها في خُطبتهِ، منها:
الحدث الأول: دعم الحكومة والمؤسسة الدينية الإيرانية للتمرد الحوثي في اليمن.
الحدث الثاني: التهجم العلني على اليمن والمملكة العربية السعودية والمذهب الوهابي.
الحدث الثالث: الترويج من على منبر رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبهِ وسلم للمذهبية الضيقة.
الحدث الرابع: التهجم على منظمة المؤتمر الإسلامي.
الأحداث الأربعة أعلاه قبل أنْ أتناولها بتحليلٍ يؤكد ازدواجيتها اللا شرعية، أجدُ من الضروري أولاً أنْ يقرأ القارئ الكريم نص ما ورد بخصوصها على لسان سماحتهِ في خُطبةِ الجُمعة:
((.. وأشار جنتي في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي أمها بحشود المصلين المؤمنين في باحة جامعة طهران.. إلى التطورات في اليمن والتعاون السعودي في قمع الشيعة هناك وقال: أن الوهابيين شمروا عن سواعدهم لشطب الشيعة و أينما وجدوا شيعة فيبادرون بقمعهم وخير دليل على ذلك إغلاق مساجد الشيعة والحؤول دون تجمعهم في السعودية.
وانتقد جنتي التزام منظمة المؤتمر الإسلامي بالصمت حيال تطورات اليمن مضيفا: إن هذه المنظمة وإذا لم تكن قادرة على الدفاع عن المظلوم و الوقوف بوجه الظالم في مثل هذه الحالات فان فلسفتها الوجودية ومصداقيتها ستتعرض لشكوك. وأكد أن عقد المؤتمر أو اتخاذ القرارات دون العمل بها لن يسفر عن أية نتيجة مرضية ولذلك فانه يجب على مسؤولي هذه المنظمة القيام بواجباتها الإلهية في هذا المجال .)).(*)
وفي قراءةٍ موجزة لنا للأحداث الأربعة التي أشرنا إليها آنفاً يُمكن أنْ نخلُص للكثير الذي منهُ:
(1) أن سماحة جنتي لا هو ولا نظراءه في المؤسسة الدينية الإيرانية أو غيرها مخولون بالحديث عن أخوتنا الكرام ممن سماهم "الشيعة"، فهم قبل هذه التسمية المذهبية الضيقة أخوةً لنا في الدين والوطن، في الدين جميعنا نتوجه لله تع إلى الأحد الصمد، ونتبع رسالته التي نزلت على سيد الكونين الحبيب المحبوب نبي الله جلا جلالهُ المُنتقى محمد بن عبد الله أفضل الصلاة والسلام عليه وعلى آله وصحبهِ وسلم، وأخوتنا في الوطن الذي ولدنا على أرضه، ونشأنا بين ربوعه، وتثقفنا على أيدي أبنائه...إلخ، ونخضعُ جميعاً في ذلك الوطن للقوانين التي سنتها الحكومة القائمة فيها، فلا خِلافَ ولا اختِلافْ في ذلك إلا عندما تدسُ تلك المؤسسة الدينية أنفها بين شرائح/مذاهب مجتمع ذلك الوطن/البلد فعندئذٍ تأخذ مسارات السلام، والأخوة والمحبة بين أتباع تلك المذاهب في ذلك الوطن/البلد بالتفكك وعدم الاستقرار لتنتهي إلى خلاف واختلافٍ دمويين بدعم مُباشر من قبل عناصر تلك المؤسسة الإيرانية.
(2) يعلم سماحة جنتي أنَّ مَنْ يتحدث باسمهم وهم براءٌ من ذلك في السعودية واليمن لم يكن إلا للتضليل الإعلامي القائم على غرض لا شرعي ألا وهو تثوير عاطفة أخوتنا في تلك الدولتين ليس إلا! لتأخذ العلاقة بينهم وبين أخوتهم من أي مذهبٍ كان ذات مسارات الدموية التي اختلقوها ودعموها في اليمن التي امتدت لاحقاً إلى المملكة العربية السعودية، بحيث أصبح التمرد الحوثي المُسلح، وخروجهم عن القوانين في الدولتين أعلاه، مسألة حق شرعي وفق رؤية المؤسسة الدينية الإيرانية، ولمّا اتخذت تلك الحكومتين إجراءات سريعة في مُعالجة مثل هذا التمرد بما يتناسب مع حجم دمويتهِ في قتل المدنيين وموظفي الدولة في كلا الدولتين ، و...إلخ
سارع أقطاب تلك المؤسسة الدينية الإيرانية لوصف تلك الإجراءات وصفاً مذهبياً لا شرعياً ولا أخلاقياً أخذت تسميات تؤكد عليها تلك المؤسسة مثل: "قمع الشيعة" و "شطب الشيعة أين ما وجدوا"...إلخ وهم في هذا يُعبرون عن ما هم عليه من "قمعٍ وشطب" حقيقي لمذهب أهل السنة والجماعة في إيران فضلاً عن القوميات الأخرى مثل العربية، والبلوشية، والأذرية...إلخ. وحبذا في هذا المجال لو يُعلمنا السادة أقطاب تلك المؤسسة عن عدد مساجد مذهب أهل السنة والجماعة في طهران؟ ليعلم أنَّ كلامهُ وهو على منبر رسول الله غير دقيق.
(3) يعلم أقطاب تلك المؤسسة الإيرانية أنَّ منبر رسول الله لم يُستخدم لغرض التثوير المذهبي، وشق وحدة الإسلام والمُسلمين بمثل هذا الزخم إلا من قبلهم حصراً، بحيث أصبحت خطبة الجمعة الإيرانية خُطبةً غايتها خلق المشاكل وعدم الاستقرار في الدول الإسلامية قاطبةً بدون استثناء، وفي هذا توجه واضح جداً على مسارات تلك المؤسسة التي ترفض منطق الحكمة القائم على وحدة الإسلام والمسلمين وتسعى إلى تنفيذ مسارات ما يُعرف بتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية المذهبية؟ وفي هذا بلاءٌ على الإسلام والمسلمين كما هو الحال في العراق واليمن ولبنان...إلخ.
(4) لم يكن انتقاد سماحة جنتي لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلا مساراً آخر من مسارات التهجم والتدخل في شؤون مُنظمات ليس لهم الحق في التدخل فيها، سيما وأنَّ المشاكل التي اتهمت بعدم حلها تلك المنظمة يكمن السبب الحقيقي التي تتجاهله تلك المؤسسة الإيرانية أنها هي التي تقف وراءها من حيثِ الدعم التسليحي، والمالي، والإعلامي، و....إلخ ومتى ما رفعت يدها عن التدخل، ونأت بأنفها عن تلك دعم المذهبية الضيقة فسوف يعود الأمن والاستقرار إلى ربوع اليمن السعيد من بعد حروبٍ سبعة قاسية شهدتها تلك الدولة الفتية وجميع هذه الحروب تقف وراءها بشكلٍ مُباشر المؤسسة الدينية الإيرانية وحكومة طهران.
واختم بأن المستقبل القريب وليس البعيد ربما سيشهد تدخلاً مذهبياً إيرانياً واسع النطاق في دول الجوار الإيراني سيما وأن الأحداث في العراق أثبتت بشكلٍ قاطع أنَّ المؤسسة الدينية الإيرانية وحكومة طهران والولايات المتحدة الأمريكية يُنفذان مُخطط واحد يقوم ويرتكز على عدم الاستقرار الإقليمي لدول الخليج العربي دون استثناء، وما الخلاف والاختلاف بينهما إلا على صفحات وشاشات و...إلخ الإعلام، ولكن حقيقتهُ وراء الكواليس أنَّ هناك تفاهماً إيرانياً – أمريكياً قائماً كما أشرنا على تحالفٍ بينهما لزعزعة امن واستقرار تلك الدول وما ينتج عنه من دموية كارثية لا سمح الله تعالى؟!
* كاتب وباحث عربي
* أنظر الموقع الإلكتروني لصحيفة الوفاق الإيرانية الصادرة باللغة العربية: http://www.al-vefagh.com، العدد 3490 الصادر بتاريخ 14 ت2/نوفمبر 2009، کد خبر : 14330: خطيب جمعة طهران : من ينتهج طريق المواجهة مع إيران عليه أن يتحمل تبعاتها و يعاقب عليها، ص 2.