توفرت للرئيس صالح فرصة تاريخية عقب حرب صيف 94م لم يحسن استغلالها بسبب نشوة ما اعتقده نصراً كبيراً بعد سيطرة قواته على مدينة «عدن» عقب مواجهات استمرت أكثر من شهرين انتهت بمغادرة البيض ورفاقه إلى خارج الوطن.
كان باستطاعته أن يقيم دولة مواطنة متساوية يسود فيها قوة القانون والدستور على حساب أدوات الحكم المتخلفة وإرساء دعائم مستقرة للديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق مصالحة وطنية، وإطلاق الحريات وإشاعة ثقافة الإخاء بين أبناء الشعب الواحد بدلاً من تكريس سياسة المنتصر والمهزوم وإقصاء الآخر.
نجزم أنه كان سينجح في ذلك حقاً، إذا ما توفرت لدية رغبة جادة لأسباب كثيرة منها أن المصالح الدولية وتدخلات القوى العالمية والإقليمية لم تكن فاعلة كما هي الآن، بعد أحداث 11 سبتمبر وبروز تهديدات تنظيم القاعدة - الذي اتخذته أمريكا تحت ذريعة «الإرهاب» لاستباحة سيادة الدول في كل مكان، وتعقب المواطنين بطائرات بدون طيار - والقرصنة في مياه البحر الأحمر.
اليوم وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على تلك الفرصة سيكون من الصعوبة على الرئيس إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، - إلا إذا اعترف بفشل سياسات حزبه وأطلق حوار جاد مع المشترك ومكونات المجتمع لإنقاذ الوطن - لأن مياه بل أحجاراً كثيرة ارتطمت في النهر أوقفت جريانه بل تخضب بالدماء.
والثابت أن لدى السلطة في اليمن مساوئ في الأداء السياسي لم تتغير خلال العشرين السنة التي مضت من عمر الوحدة، مارست فيها السلطة هوايتها وغوايتها في إدارة البلاد بالأزمات فنشأت أوضاعاً قادت إلى ما هو أخطر : التفتيت والتمزق.
فالحزب الحاكم الذي دائماً يظهر في خطابه السياسي والإعلامي بأكثر الأحزاب حرصاً على الوحدة، كان تصوراته للديمقراطية التي اقترنت بالوحدة ليست أكثر من حشد لأصوات الناخبين ومقاعد البرلمان - كما ساد في أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة - التي كرست مصطلحات «الضم والإلحاق» وهيأت إلى جانب ظروف أخرى، حرب صيف 94م.
المؤتمر الشعبي لم يستفد من التجارب التي مر بها، بل على العكس قاد المزيد من المغامرات وفقد القدرة والحكمة في إدارة دفة البلاد بعد أن تخلص من خصومه السياسين فبدأت الإضطرابات التي وصلت حد قيام 6 حروب في صعدة، واحتجاجات في الجنوب، وفساد ترافق مع ضعف التنمية، وانسداد سياسي حقيقي بين السلطة والمعارضة أدى إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية.
وزاد من ذلك مسألة استشراء العنف وتنامي تنظيم القاعدة في ظل ضعف وعدم سيطرة للدولة وانتشار السلاح مما جعلها قابلة للانهيار بسبب الضعف الشديد.
وشكل ذلك وغيره أزمة ثقة بين الشعب وهذا الحزب الذي يتمتع بقدر وافر في صنع الأزمات وتأجيج الصراعات.
* مدير تحرير صحيفة الوحدوي