كتب الفاضل أحمد الشاطري حفظه الله تعليقا على مقال لي" ردوش يا الغرفة كما برلين" أن وحدة اليمن لم تكن سوى أربعين سنة لا غير وذلك بسبب الصراع الكثيري الكثيري، وذلك في تقديري اختزال للتاريخ ورد فعل على ما يجري في الساحة اليمنية اليوم ولكن أورد من قراءتي الذاتية الحقائق التالية:
تذكر المصادر التاريخية أن اليمن الطبيعية شهدت قيام الدولة اليعربية بزعامة يعرب بن قحطان أول ملوك بني قحطان التي ظهرت في القرن 40ق. م دولة موحدة قوية لكن الفساد سريعا ما دب فيها فأدى إلى تمزقها.
تذكر المصادر التاريخية أيضا أن اليمن توحد بعد الحروب والصراعات على يد سبأ بن يشجب بن يعرب القحطاني الذي لقب بسبأ الكبير، سميت دولة سبأ باسمه، لكن الحروب أرهقتها فانقسمت البلاد. ثم توحدت بزعامة شمس بن وائل وبعده ابنه حمير السواء الذي قيل أن سد مأرب بني في عهده.
ولكن دبََّ الصراع سريعا في عضدها ففتتها وانقسمت، وفي العام 1820ق. م عادت فتوحدت بزعامة المقلاط بن وائل السكساك بن حمير السواء ثم تمزقت أيضا لضعف الإدارة. ثم توحدت بزعامة الملك تبع الأكبر الحارث الرائش، وقيل حسان بن سعد بن أبي كرب الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد ومد فتوحاته شمالا حتى الشام وشرقا إلى تركستان ودخل سمرقند، يقال له الرائش: لأنه يقدم لقومه المال الذي يغنمه في الحرب، والعرب تسمي المال ريشا ورياشا، وحكم بعده ابنه ذو الجناحين ثم ابنه ذو القرنين المذكور في القرآن: "وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْر" (الكهف:83) فقد ذكر أبو الريحان البيروني المنجم (في كتابه: الآثار البالية من القرون الخالية) أن ذا القرنين كان من حمير وأسمه أبا بكر بن أفريقش، ذكر غيره أنه أبو بكر أو أبوكرب بن عمير بن أفريقش أو الصعب ذي مراثد بن الحارث بن الرائش ملك ما بين 300320 م، وسمي ذو القرنين لأنه بلغ قرني الشمس، وذكر محمد خير رمضان يوسف(في كتابه: ذو القرنيين القائد الفاتح والحاكم الصالح) أن ممن قال بهذا القول: وهب بن منبه وكعب الأحبار.
مزقت الصراعات سريعا وحدة اليمن، لكن استطاع الملك الرايش الثاني باران بن قيس بن سيقي بن حمير الأصغر بن سبأ الأصغر أن يحمل لواء الوحدة من جديد، فوضع أسس اللامركزية، ونظام مجالس الشيوخ الاستشارية، فاستجابت له أرجاء اليمن.
واستطاع الحميريون أيضا في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد توحيد اليمن في دولة واحدة عاصمتها ظفار، ففي عهد الملك شمر يُهر عش الذي اتخذ لقب ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات، وطبق أيضا نظام يشبه الحكم المحلي اللامركزي مما جعل الأقاليم اليمنية تستجيب له.
لقد كان للحكم اللامركزي نتائج طيبة في توطيد دعائم الدولة وتعزيز الوحدة وإيجاد القوة الضاربة التي تحفظ للدولة هيبتها، لكن الصراعات على الحكم أدخلت البلاد في طورا من التمزق من جديد فاندلعت الحرب باسم الوحدة واستمر الانقسام 50عاما.
وتأكدت الوحدة مرة أخرى واكتملت في عهد الملك أبي كرب أسعد بن ملك يكرب الرايش في العام 7 35ق.م. هذا الملك الذي بدأ مسيرته من مدينة ظفار ثاني أكبر مدن دولة سبأ، فتعلم بها الأدب والشعر والحساب والهندسة والفلك. وكان من معلميه الكاهن اليمني شافع بن كليب الصدفي ومنه تعلم العلوم الدينية وعرف التوحيد. ترعرع فيها شاعرا فارسا سليل الملوك، لفت الأنظار إليه ذكاؤه وحب لصنائع المعروف وإجادته للشعر والأدب حتى أصبح علما يقصده الناس لسماع مقتطفات من شعره وأدبه، ويسمعون منه مدارك الفلك وعلوم الهندسة وشروحه لعلم التوحيد والإله الواحد (ذي سماوه، أو ذي سموي) فاستقطب قلوب أكابر الرجال حوله ممن أوصلوه إلى سدة الحكم، فاستعاد أمجاد تبابعة اليمن وبلغت سيادته حتى الأعراب، فلقب بملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم طودوم وتهامة، فشهد عهدها أعظم حضارة في التاريخ القديم ولذلك لقب بأسعد الكامل لاكتمال وحدة اليمن في عهده , ولقب أيضا بالملك تبَّع لاتباع قومه له.
لقد حددت نقوش المسند التقسيم الإداري المتصل بالحكم اللامركزي لدولة سبأ الأقسام التالية:
1) سبأ وتشمل العاصمة مأرب ومناطق الربع الخالي والجوف ونجران وسراه وعسير وصعده وحجه وعمران وصنعاء.
2) ذو ريدان وتشمل مناطق حمير: أنس وذمار ورداع وإب والضالع ولحج وعدن وتعز والحديدة إلى تخوم شبوه وحضرموت شرقا .
3) حضرموت وتشمل حضرموت القديمة وعاصمتها الإدارية مدينة شبوه.
4) يمانت وتشمل الشحر جنوبي وشرق حضرموت والمهره إلى مقاور عمان والبحرين وعاصمتها الإدارية مدينة سمهرم.
5) الطود وتهامه وأعرابهم وطودم وتهامت وتضم التهائم الحجازية والهضاب الممتدة خلفها عند أعلي الحجاز ونجد حتى شمال الجزيرة (وهذه وحدة إدارية أضيفت في عهد أسعد الكامل)
استطاع الملك أسعد تأمين حدود دولته تجاه جموع الأشوريين وصد هجماتهم، وتأمين مصالحها التجارية، ووصل بنفوذه إلى أرض الظلمات لأن الشمس تغيب فيها معظم الشتاء فتسودها الظلمات شمالا (داما، أرمينية والقفقاس) التي بلغها حكم جده شمر يهر عش وسماها بياقوتبا نسبة إلى أحجارها الكريمة (الياقوت) ثم توجه نحو بلاد الشام وعبر سيناء حتى بلغ بلاد المغرب وأشرفت خيول جيشه في مياه المحيط وهو نفس المكان الذي بلغته قوات جده شمر يهر عش.
استمر الملك أسعد حكم زهاء 28عاما قضاها في الفتوح، وإليه يرجع استقرار وتوطين القبائل العربية السبيئة هنا وهناك.
مات أبي كرب أسعد الكامل حوالي عام 669ق.م في ظفار وقيل في غيمان ودفن بها قائما في قبره كما أوصى بعد أن حقق أهدافه التي رسمها لحياته ومنها:
1) بلوغ أركان الأرض الأربعة وضمها إلى مملكته دولة سبأ وهي:
الركن الجنوبي: الجزيرة العربية والحبشة وساحل القرن الأفريقي.
الركن الشرقي: بلاد فارس وبابل والهند وشرق المحيط الهندي. ولا زال بالصين إلى اليوم قبائل حميرية عربية فسكان التبت اليوم يفخرون بعروبتهم حيث هم بقايا اثنا عشر ألف فارس من حمير، وخلقهم وألوانهم خلق عربية.
الركن الشمالي: بلاد أشور والشأم وآسيا الوسطى (تركيا).
الركن الغربي: مصر والسودان والمغرب.
2) نشر عقيدة التوحيد (ذي سموي) وأقام تعاليم طهارة البيت الحرام بمكة من الأصنام وكسا الكعبة كسوة عظيمة وكانت أول كسوة في التاريخ وأدى بها شعائر الحج، وأوجد لها بابا ومفتاحا وجعل الجرهميين على سدنتها. حتى أن كل أقاليم دولته انضوت تحت تعاليم الديانة التوحيدية.
وفي أيامه صكت النقود (ذي نار وذي رخمه) والتي استعملت في الأصل في عهد جده شمر يهر عش، وركز على التصنيع الحربي فأشرف بنفسه على صناعة السيوف وأغمادها والرماح والحراب والخوذ، والدروع الشمرية نسبة إلى جده، كما تم تصنيع العربات تجرها الخيول والثيران لنقل العتاد أثناء تحرك الجيوش، وتم استبدال عجلاتها الخشبية بعد ذلك بأقراص حديدية متينة، وهي أسلحة تختلف عن تلك التي لدى الشعوب المحيطة مما زاد في صلابة دولته وحولت جيشه إلى قوة ضاربة تتساقط تحتها أي قوة وصخرة تتهاوى أمامها الحصون والقلاع.
دخلت المملكة في صراعات قبلية عنيفة بعد مضي ثلاث سنوات من موت أسعد الكامل، واحتدم الصراع على المملكة وحدود السلطات بين ابنيه حسان الذي ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت وطودم وتهامة، وشرحبيل الذي تمركز في بابل وأشور. هذا الصراع قوض المملكة وقضى عليها.
وفي القرن الخامس الميلادي وحّد حسان الثاني بن غمران الحميري اليمن في دولة واحدة عاصمتها صنعاء إلى العام 475م لكنها ما لبثت أن انقسمت. ثم استطاع يوسف آسار ذو نواس توحيد اليمن عام 525م لكن الغزو الحبشي الروماني الأول بدد ذلك.
وفي العام 571م استعان سيف بن ذي يزن الذي استعان بالفرس للقضى على الوجود الحبشي توحيد اليمن وكان آخر الملوك الحميرية. كانت دولة سبأ وعاصمتها صرواح ثم مأرب في القرن الخامس قبل الميلاد أشهر الدول اليمنية. لكن شهرتها إنما كانت في دورين من أدوار التاريخ:
الدور الأول لها 950ق. م 630ق.م
والدور الثاني630ق. م 500م حين اندمجت فيها مملكة حضرموت من 360ق. م-180ق. م وشهدت مفاخر حضارية منها:
أن ملك دولة سبأ كرب إيل وتر حسم الصراع القائم بين الممالك المتناحرة وتوحد مع ملك حضرموت.
ومنها أن الدولة السبأية التي نشأت في اليمن وجاء ذكر بعض مراحلها في القرءان بلغت أوجها في عهد نبي الله سليمان عليه السلام تولى بعد وفاة أبيه داود عليه السلام عام 630ق.م وتوفي عام 623ق.م (وانظر كتاب د. معروف الدواليبي جزيرة العرب مهد الحضارة الإنسانية ص: 378-479)
لقد تحقق فيها عنصران مهمان ولازمان للتقدم والازدهار هما:
الأمن والاستقرار قال تعالى:"وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ " (سبأ18)
ثم تحققت فيها المشاركة الشعبية في تسيير دفة الأمور والمتمثلة في الارتباط الوثيق بين الحاكم والمحكوم، أو الرئيس والمرؤوس فقد أرست مؤسسات نظام حكم شوروي بهيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية عبر المجالس الاستشارية التي عرفت بالمزود (شبيهة بالمجالس النيابية اليوم) يتكون من سادة القوم وذوي الرأي وهم الأقيال والأذواء: وهم الملوك المحليين وإنما سمي القيل قيلا لأنه إذا قال قولا نفذ، ويتكون أيضا من كبار العسكريين ورجال الدين ومن ينتخبهم الشعب من كل منطقة ويعقد اجتماعه مرتين في العام بشكل منتظم (وانظر كتاب د. جواد علي: أصول الحكم عند الجنوبيين ص: 55) قال تع إلى "قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ "(النمل32) (انظر:الجديد في تاريخ دولة سبأ،وحضارة سبأ وحمير لمحمد الفرح،تاريخ اليمن القديم،وفي العربية السعيدة للدكتور محمد بافقيه،الإكليل للهمداني)
والأخذ بأسباب التقدم العلمي والتقني ذاك الذي يشهد له بناء السدود في ذلك العصر المبكر حيث استطاع ملوكهم إرساء دولة وحضارة.
وأنجزوا حفر قنوات مياه وأنشأ سدود أهمها وأشهرها سد مأرب في وادي ذنة جنوب مأرب لحجز مياه السيول، وهو عبارة عن سنح يمتد من الشمال إلى الجنوب 600متر ويعلو ممر السيل بنحو 15متر، تمّ بناؤه ما بين 850- 900ق.م سعته 55مليون متر مكعب من الماء ويوجد به مصرفان عرض فتحة كل منهما 4متر، لا زالت بعض آثار المثلث الشمالي منه قائمة حتى الآن. وشهد القرءان بذلك التفوق العلمي على لسان الهدهد قال تعالى: " إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم" (النمل 23) وعلى لسان النبي سليمان عليه السلام قال تع إلى "وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِين" (النمل 42) ثم الرخاء والتقدم والأزدهاء: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور" (سبأ 15) ثم القوة التي تحمي المجتمع قال تعالى: "قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ " (النمل 33)..
لقد أخذت بكل أسباب التقدم فكان كل هذا سر ازدهار حضاري واستقرار اقتصادي ونمو اجتماعي، إلا أن غياب التفكير بأسباب البقاء وجحود النعمة والمنعم أزال دولهم وشتت شملهم فكان آخر ملوكهم شرحبيل يعفر الذي حكم في القرن الخامس الميلادي، قال تعالى:"فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذاتي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ"(سباء 16-20) أعرف أن بعض ممن سيقرأ موضوعي هذا سيذكر أن ذلك ضم وإلحاق ولكن لا ينبغي أن نحاكم التاريخ بمنطق عصري ونتصور أن تحقيق الوحدة اليمنية عبر التاريخ أو أي دولة كان بمنطق تحقيق الوحدة الألمانية عام 1990م فلا بد أن نقرأ التاريخ في ظروف ملابساته التاريخية وبإمكانيات ذلك العصر لا بإمكانيات عصرنا وأدواته.
إن حضرموت: قيل نسبة إلى حضرموت بن قحطان (أو يقطان) (العهد القديم الترجمة العربية) وقيل: إلى حضرموت بن حمير الأصغر ذي ريدان بن سبأ الأصغر.
ذكر نشوان الحميري (في المنتخب من شمس العلوم) أن: حضرموت اسم ملك من ملوك حمير وهو حضرموت بن سبأ الأصغر وباسمه سُمي وادي حضرموت، ومن ولده ملوك حضرموت العباهلة، تسكن الرقعة الممتدة ما بين عُمان إلى عدن، في المنطقة الساحلية تسكن قبيلة مهرة وهم من قضاعة، والمناطق الداخلية تسكنها قبلية حضرموت وأول بلادهم شبام، وأعلى منها تسكن كندة بنو معاوية الذين كان منهم الملوك الأربعة مخوس وحمد وأبضعة ومشرح، بلغ ملوكهم 70ملكا، كانت لهم سطوة على سوق عربية اسمها الرابية، ذكرت دائرة المعارف الإسلامية أن حضرموت في الجزء الشرقي من اليمن بين خطي 47-53 شرقا و15-19شمالا (دائرة معارف القرن العشرين 7/459). لكن كانت كندة على نزاع مستمر مع مذحج ودائمة الحروب مع حضرموت حتى كاد الفناء أن يعم الجميع.
أما (يمنات ويمنيت) وتعني الخير والبركة، وهي دلالة على مدى حضارة هذا البلد ومدى غناه فقد كان أهل اليمن قديما أغنى العرب يقتنون الرياش الفاخرة ويتمتعون بكل أسباب الرخاء والترف، وكان سبب ذلك اتجارهم بغلال بلاد العرب مع الهند عبر سفنهم التي كانت تمخر عباب المحيط الهندي أو قوافلهم التي تقطع الفيافي والصحاري إلى بلاد الشام وبابل. كانت الحياة الاجتماعية للإنسان تقسم اليمني إلى أربع طوائف: الجند المسلح لحفظ النظام وحماية القلاع والقوافل، والفلاحون، والصنّاع، والتجّار. ووجود نشاط تجاري واسع جعل اليمني يهتم ببناء المدن وتحصينها، فكانوا يقيمون القلاع والقصور لينعموا فيها وتستقر أنفسهم بالأمن بين أسوارها.
تطلق اليمن قديما على الرقعة الجنوبية من جزيرة العرب الممتدة من عسير إلى المحيط الهندي، ومن البحر الأحمر إلى الخليج العربي، وإن أبناء دولة معين ينتسبون إلى يعرب بن قحطان، وهم العرب المتعربة، وأول حاكم عربي عرف باسم ملك ذكره العرب بعد قحطان هو عبد شمس ونسب إليه بناء سد مأرب الشهير وبعهده تنتهي الدولة المعينية، كانت بجوارها واتحدت معها دولة حضرموت، وتبدأ الدولة السبئية بانتهاء الدولة المعينية، ولكن عصور الممالك اليمنية متشابكة، غير واضحة المعالم والحدود، يستثنى من ذاك بداية العصر العهد الحميري عام 105ق.م وتنتهي دولة حمير بانتصار ملوك الأكسوم الأحباش عليها عام 525م، فحكم الأحباش اليمن حتى عام 575م ثم طرد الأحباش بمعونة الفرس فظلت تتأرجح بين النفوذ الفارسي والحبشي حتى العام السادس الهجري الموافق 628م حين اعتنق باذان الإسلام، في أثناء ذلك حكمها إبرهة الأشرم 23عاما حدثت فيه حادثة الفيل التي ذكرت في القرءان.
استفادت اليمن في الإسلام فوائد جمة: فتم القضاء على الوثنية والشرك التي أوصلت الإنسان إلى وهدة عميقة وهوة سحيقة. وزُرع التوحيد والإيمان في القلوب والنفوس. وحلت الدولة محل القبيلة. وكانت الوحدة مقابل التشرذم والتمزق والتفكك والقوة في محل الذل والضعف. والحرية محل الاستعمار. وَحَدَّ الإسلام أرض اليمن في بوتقة واحدة متساندة بعد التمزق الإداري والحروب والفتن والصراعات والعصبيات الجاهلية. وحرر الأرض اليمنية من التبعية الاستعمارية للإدارة الحبشية والفارسية. وانتشر الأمن والاستقرار في ربوع البلاد كلها.
وأصبح الناس مسلمين يعمهم الرضاء وتدفعهم الرغبة لتحقيق متطلبات الإسلام لا القبيلة. وخلت النفوس من أي مأرب إلا الاستسلام لله رب العالمين وذلك باتباع أوامره واجتناب ناهيه، وخبت جذوة النعرات القبيلة وإن لم تنته تماما، وتجمع اليمن وتوحد شتاته مرة ثانية في وحدة إدارية وتحت قيادة مركزية واحدة عاصمتها المدينة المنورة. وأصبحت اليمن ولاية واحدة عليها أمير واحد ومقسمة إلى ثلاثة أقسام إدارية هي صنعاء والجند وحضرموت، فذابت القبيلة في إطار التصور الإسلامي وصار لها هدف واحد وهو العمل على رفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، والجهاد في سبيل الله. وأصبحت المقاييس المعتبرة هي المقاييس الإيمانية: التقوى والإخلاص والعمل الصالح، وبرز مصطلح الأمة محل القبيلة والعشيرة.
هذا بعض ما عندي فردوا علي جزاكم الله خيرا. صححوا معلوماتي فمن علمني حرفا صرت له عبدا..