[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حروب ينتصر فيها الصغار

لم تأت الحريات والتحرر من خلال حفلات يتبادل فيها الناس الهدايا والورود والقبل الحميمة، بل جاءت نتيجة نضال طويل، لأن الإنسان ظل أشرس مخلوق ليس فقط على بيئة الحيوان بل على الإنسان وبيئته، ولعل تاريخ الامبراطوريات التي قامت على جماجم البشر هو الذي استُنسخ مع اكتشاف البارود ثم المستحدثات الجديدة بالقتل غير الرحيم لكل كائن،

ومن يقرأ التاريخ لا يجد بلداً أو قارة ابتعدت عن المعارك باسم الأطماع وسيادة الإنسان على الآخر، حتى لاحقت المآسي الآمنين في أدغال أفريقيا ومجاهل البرازيل ، وأستراليا التي ظلت المنجم الأكبر لحركة الآلة سواء استنزاف المعادن ، أو قطع الأخشاب وإفناء البيئة الخضراء، ومعهما استعباد البشر..

في العصر الحديث، أي في نصف القرن الماضي، غرقت أمريكا في حرب فيتنام، ومثلها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وهما حربان روحهما أيدلوجية وسياسية أي أن كل طرف يحاول تطويق الآخر بحزام من الدول السابحة في فلكه، لكن الفشل أدى إلى نهاية الأيدلوجيا والدولة السوفياتية، وأمريكا بدورها أدركت أن اللعبة حتى مع الدول الصغيرة مكلفة وضارة على سمعتها وهيبتها..

ومع ذلك كررت الخطأ بزعم أنها الدولة المطلقة اليد، فغزت أفغانستان واحتلت العراق تحت دعوى مبادئ أمنها القومي، وهذه المرة عاونها حلف الأطلسي، ولذلك شهدنا جلاء قوات الدول الحليفة أو هروبها من الدولتين بما فيها جداول معدة لإخراج القوات الأمريكية، وهذه المرة لم تكن الورطة تتصل فقط بالدول العظمى، بل بحلفائها، وهي المرة الأولى التي تشعر فيها قوة لا تقهر أنها في حالة حصار صممته قوى صغيرة لكن بإرادة قوية، وتحت مسميات مكافحة المحتل بمبادئ دينية، وهي الأقوى في التأثير من الطرح السياسي، والمعونات المادية، ومعهما الأيدلوجيا المادية..

أمريكا والحلفاء معها خسروا البلايين من الدولارات، ولو ذهبت تلك الأموال لبناء العراق وأفغانستان، كرد فعل إيجابي ، ورسمت الخطط من خلال صندوق دولي في إعادة هيكلة البلدين واستغلال إمكاناتهما، لوفرت الخسائر المادية والبشرية لكن جور السلطة ، وهاجس بناء دول بشروط ومواصفات الدول المحتلة، أثبتا ، بالقرائن والتواريخ ، أن الشعوب لا تُهزم بالجيوش، ولكنها تبنى بالتنمية والحرية، وكأن الأحداث تجدول نفسها وتستعيد أخطاءها، وأمريكا بشكل خاص، لم تتعافَ من أزمات فيتنام حتى سقطت في فخ أفغانستان والعراق، وعلى الدرب نفسه يمكن أن تغامر مع إسرائيل بشن حرب وقائية على إيران، وهو تطور لو حدث سيصبح كارثة على المنطقة كلها، والسبب أن تفكير البلدين بروادع القوة مغريات ربما تفتح النار، وعندها لا ندري مَن سيكون المخطئ مَن يريد بناء ترسانة نووية مرفوضة من الدول الكبرى، أم إيران التي ترى ذلك حقاً طبيعياً؟

زر الذهاب إلى الأعلى